إنها المرة العشرين التى ينظر فيها إدوارد إلى الساعة ليعرف الوقت.و قال حانقاً : لقد تأخر القطار. فى هذه اللحظة سمع معُلن المحطة فى مكبرات الصوت يتأسف عن تأخير القطار المتجه إلى بيتربروف نصف ساعة. غضب إدوارد جداً ، وقال متمتماً : سوف أتأخر عن الاجتماع وهم يتأسفون. نظر بعيداً يرقب السكة الحديدية ، لا شيء قادم. قرر أن يمشى إلى نهاية الرصيف ، فوجد هناك شاب صغير عمره حوالي ثمانية عشر عاماً ، يقف وحيداً ، يمسك بيده مفكرة و قلم.
مر قطار ، شاهده الشاب ، ثم كتب شيئاً ما. مر قطار اخر و الشاب كتب أيضاً شيء ما فى المفكرة. سأله إدوارد :
_لماذا تدون القطارات ؟ رد الشاب :
_ مجرد هواية.
شعره طويل و ناعم يتدلّى على جبهته. أردف إدوارد:
_ كنت معتاد أن ادون القطارات وانا طفل صغير ، كانت القطارات لها اسماء . أظن أنها فى هذه الأيام لها أرقام فقط، أليس كذلك ؟
قال الولد متلعثماً:
_ ب ب ب بعض القطارات مازالت لها أسماء.
وجه الولد بشعره الناعم جعله يبدو صغيراً جداً ، و تلعثمه جعله أكثر طفولية. قال إدوارد:
_ حقاً، كنت لا أعرف ذلك ، كنت أعتقد أن فى هذه الأيام لها أرقام فقط، ثم سأل الولد :
هل صباحك كان جميلاً ؟
اومئ الولد برأسه ، و قال متلعثماً:
_ااالحمد لله ، على الأقل هذا الصباح.
_ هل ستظل هنا باقي اليوم؟
_ لا ، انا مسافر إلي بيتربروف .
_ حقاً.
اومئ الولد ، بدون أن يرد.
_ و أنا أيضاً ، نستطيع أن نسافر معاً .
جلسا على كرسيين متجاورين فى القطار ، و تحدثا ، تلعثم الولد كثيراً ،لكن إدوارد كان مستمتع بالمحادثة.
_انا إدوارد بيل.
_ أنا براين جاكسون.
إدوارد عرف أن براين فى التاسعة عشر ، ويعمل فى محل لحوم ، و معتاد أن يركب القطار دائماً.
_هل لديك هوايات؟
_ن ن نعم ، ا ا اجمع الأشياء.
_تقصد الألعاب الصغيرة و النماذج.
_ ن ن نعم ، كالسيارات.
_ و أنا أيضاً.
إدوارد مثل رجال كثيرين ، عنده حب الصغار فى جمع السيارات الصغيرة.
_هل تعيش في بيتربروف يا براين ؟
_ن ن نعم فى ايسفيلد رود ، هل تعرفها؟
_ نعم ، أنها قريبة من السوق، أليس كذلك ؟ ربما ازورك مرة ، و أري مجموعة سياراتك.
طرق إدوارد الباب ، يحمل هدية، يقول لنفسه أتمني أن تروق له. فتحت الباب امرأة قصيرة ، ذات شعر رمادي ، ظهرت عليا مشاعر الازعاج ، لا تحب أن يقف الغرباء علي بابها.
_مرحباً، مدام جاكسون.
_ ماذا تريد ، و من أنت ؟
_ أنا صديق براين ، نحن نحب جمع السيارات الصغيرة و النماذج ، اشتريت له واحدة.
نظرت إلى الهدية التي بيده ، و لم تدعوه للدخول.
_ هل براين بالبيت؟
فى هذه اللحظة خرج براين ينظر من وراء كتفي أمه .
_ أهلاً براين ، هل تتذكرني ، نحن تقابلنا بالقطار، أنا أحضرت لك سيارة. أخذ براين الهدية.
_ ااا تفضل ، ادخل.
كانت السيدة غير ودودة ، و ذلك جعل إدوارد يشعر بالحرج إلى حد ما ، و مع ذلك بشوش الوجه و مبتسم.
_ شكراً ، ونظر إلى براين و أردف :أريد أن أري مجموعتك. الولد نظر لأمه ثم اومئ برأسه ، و غادر الغرفة.و إدوارد لا يعرف أن يتبعه أو يظل مكانه. قالت السيدة :
_اجلس ، أتريد كوب من الشاي ؟
قالتها كأنها أمر و ليس إختيار. جلس إدوارد و السيدة العجوز ، احتسيا الشاي ، وحاول أن يبدأ معها أطراف الحديث ، كان هذا ليس بالسهل. قال إدوارد:
_ براين ولد لطيف ، يستحق الفخر به . فردت العجوز:
_يجب عليه أن يتوقف عن اللعب بالسيارات ، و يبحث عن وظيفة جيدة ، أنه يعمل في محل جزارة ، وهي مهنة متواضعة.
_ لكن يبدو عليه أنه يحب عمله
_كنت أتمني أن يصبح مهندساً مثل والده.
_ أوالده مهندس؟
_كان والآن لم يعد.
إدوارد لم يفهم هذا التعبير ، ماذا تقصد ب” لم يعد” ، هل غادرهم ،هل مات ، لم يعرف.
_ أنتِ و براين تعيشون هنا ، أنه بيت لطيف.
_ لكنه كبير علي شخصين فقط.
عاد براين إلي الغرفة ، نظر إلي أمه ، كأنه يطلب الاذن. وقال:
_اااتفضل لغرفتي.
قالت السيدة ، أذهب معه ، لكن لا تتأخر.
غرفة براين جميلة و رائعة ، مليئة بالالعاب ، الالعاب في كل مكان، علي الرفوف والأرض والفراش . و بها صور معلقة علي كل الحوائط.
_ أنا أري نماذج حربية ، يا براين.
_ نعم ، احب الدبابات و السفن و البنادق.
وهو يتكلم أصبح فرح جداً ، و لم يتلعثم. و أردف : عندي طيارات و صواريخ ، انا احب النماذج الحربية.
أراد إدوارد الذهاب ، لكن براين أوقفه ، وقال له:
_يجب أن ترى اهم جزء في مقتنياتي.
فتح براين درج خاص في المكتب الخشبي ، به مجموعة سكاكين حربية ، مرعبة ، قاتلة. ألتقط براين واحدة و لوّح بها بجوار أنف إدوارد وقال بصوت خفيض:
_هذا السكين قادر على قتل رجل، فكر في هذا ، أنه سكيني المفضل ، و قادر على قتل رجل.
عيناه لمعت ببريق ، و مسك مقبض السكين بقوة .
قال إدوارد:
_ براين ، يجب أن أذهب الآن ، شكراً على هذا الوقت اللطيف.
السيدة العجوز قابلت إدوارد عند السُلم ، قائله:
_كل هذه الألعاب مضيعة للوقت و المال، لكن السكاكين ليست ألعاب ، أنها خطيرة و حقيقية .
إدوارد نظر إلي عينيها ، وجد بهما خوف شديد.
قالت بهمس: أنا أعرف لكن ماذا أفعل له ، لا استطيع إيقافه ، والده حاول إيقافه ، و انظر ماذا حدث………
_ أنتِ قلتِ أن والده لم يعد
_ نعم ، لم يعد ، انا مشتاقة إليه ، لكن براين كان يريد هذا.
ذهب إدوارد في اتجاه الباب مسرعاً ، و لم يقل شيئاً.