* كاظم الساهر قريب الدمعة وعنده حزن عميق كأنه اقترف ذنبا ويسعى للتكفير عنه
* ذقنا بصل الشهرة قبل عسلها
* الشيخ احمد الكبيسي يبسّط الفقه ويجعل الجنة على مرمى حجر من الناس
* فلاح شاكر اشطر الكتاب المسرحيين العرب وقع في الخطأ التاريخي مرتين
لا ادري حقا .. من منا كان يحاور الآخر !
من منا كان يسحب الآخر الى بساط البوح أو.. كرسي الاعتراف !
من منا كان يبكي البلاد وروحه المعلقة على أسوارها التي تصورها أنها لن تخيبه ذات انكسار !
من منا كان على موعد مع الدهشة والطفولة والمطر والإنصات في ذلك المساء البهي حيث وجدته يقف أمامي بابتسامته المعهودة التي يطالعنا بها وهو يتجاذب أطراف الحديث والبوح لأجدني اهتف وألوّح له بدهشتي وطفولتي وسط الكثير من الضجيج والفضول واللائات ..
فهاهو مجيد السامرائي يحط أمامي من عمّان الى تكريت في رحلة لم أشأ لها ان تذهب دون ان تترك أثرها على ذاكرة الورق الذي راح يرسمنا دون استئذان .. فكانت كلماته قشرة موز في درب الصمت الذي راح يتألق حبرا بهيّا يتسرب عبر شقوق الماضي .. والحاضر معا :
في البداية قال لي ” لولا فرحة الإياب لما دعوت على أعدائي إلا بالسفر لان السفر شقة من عذاب جهنم “
– الغربة اذن؟
– بالعكس اشعر بالفرحة حين ارجع لعمّان
– نعم تذكرت فقد أعلنت ذلك امام الجميع وعلى منصة القصر الثقافي حين قلت ان عمّان أصبحت عاصمة العراقيين
– بغداد اصبحت عاصمة من ضباب
– ماذا تسمي هذه الحياة اذن ؟ نحن نقرأ ونرسم ونكتب ونعشق ؟
– هؤلاء هم المعاندون الذين سيموتون و قلوبهم مفطورة ، البارحة اكتشفت شيئا وهو ان كل أدوية الضغط والسكر فيها شحّة في العراق ومفقودة لان الطلب عليها كثير ! مرة كتبت ان كريم صالح وطالب المعماري ماتا فجأة و قاسم محمد كان عنيدا لكنه مات أيضا وهو لآخر يوم كان يقاوم الموت وكثير من الناس في بغداد يقاومون الموت ويقاومون الصدأ والغبار والكثير من الأخبار والأنباء السيئة ، يقاومون هذه الحالة اللامركزية والفدرالية واللامركزية في كل شيء لاقرار في أي شيء و لايوجد حتى رجل مرحلة
– سننقترح وطنا بديلا اذن .. وليذهب علي الإمارة الى الجحيم حين نزف عراقا وقال : الحياة هي البقاء الصعب في الوطن
وهي الأطفال المصرون علي المشي بلا شوارع ولا أزقة
– لا ليس البقاء وأنا لست فارّا ولكني لو حاورت أي عراقي الآن فلن يتجلى كما أي شخص في الخارج يحظى بمقومات الحياة البسيطة ،يخرج ويدخل متى ما يشاء ويذهب ويأتي في طريق آمن ويتنفس هواء عميقا نقيا لا غبارا خانقا
أين ذهب هواء الوطن العذب الذي قرأنا عنه؟ هل كان خرافة ؟ وهذه التربة تربة الوطن التي كتبنا وقرأنها عنها ونحن صغارا؟
ولماذا هذا الغبار؟ لماذا وطنا اغبر ؟
يقال انه لما قابيل قتل هابيل قال أبونا آدم بيت شعر كرثاء : تغيرت البلاد ومن عليها فوجه الأرض مغبر قبيح
يعني هذه الأرض فيها غبار لا اعرف أين كان ومن أين جاء ؟
– الأسباب علمية .. هكذا يقولون وليس لأرواحنا المنهكة علاقة بها ، هذه الأمور تعود لعوامل عدة منها تعرية التربة وهو أمر عام يحدث في معظم البلدان
– وقد توافق التصحر الطبيعي مع التصحر النفسي ، أنا لا أجد إنسانا سعيدا في العراق إلا أولئك الذين يقاومون الفناء بالنكتة ! ما مر عام على العراق وليس فيه دم !
ما مر عام على العراق وليس فيه جوع !
ولم يحدث أن كان تسلم السلطة تداول سلميا
تعلمت من برنامج ” الجوار الصعب ” عن تاريخ العراق ان الصراع مع الجار كان من فجر السلالات وحتى الآن وكان انتقال السُلطات بشكل غير سلمي ، كلما دخلت امة لعنت أختها فهذه اللعنة مستمرة يعني كمثال الفاجعة التي حصلت في العهد الملكي ، سألت تمارا الداغستاني كنتم ملكيين قالت نعم وكنا كما يغير البحر ألوانه يغير العراق أعلامه وحكامه وكانت تضع العلم الملكي القديم ، فقلت لها : إذا كان الملك بهذا النبل وهذا الخير وهذه السذاجة ولد مبتسما وعاش مبتسما ومات مبتسما وكان الوصي بهذا النبل وكان نوري سعيد بهذا الدهاء فلماذا قامت الثورة إذن؟ فقالت بسبب إذاعة صوت العرب فهي التي أجّجتها وبنفس تاريخ الانقلاب الذي حصل واستبيح قصر الرحاب
– يعني نظرية المؤامرة التي تسيطر على الفكر العربي ؟
مثلا في نفس الوقت الذي خلع فيه الملك فاروق الوحيد الذي نجى كان عبد الرحمن عارف لأنه حكَم ولم يحكُم أحدا ولم يؤذِ أحدا وثورة 17 تموز سموها بالثورة البيضاء لكن الثورة فيما بعد أكلت رجالها ، القصد ان تداول السلطة في تاريخ العراق لم يكن سلميا هذا كلام من عصر السلالات ..منذ حمورابي و سنحاريب وحتى الان واعتقد ان النقلة القادمة في العراق لن تكون الا دموية .. انا مستغرب من أمر واحد : أين النسيم الذي قالوا عنه : ان السماء صافية والنسمات غافية فقلت هذا وطني ؟ هذا كلام .. خيال ..مجرد خيال … اذكر على أيامنا في السبعينات والثمانينات كنت أرى جسر الصرّافية وبغداد كلها كانت جميلة كانت رائحة (الشبوي) تفوح من الأماكن ، و الأزهار تورق بسلام والبرتقال يتدلى من الاسيجة .. هل كان كل ذلك وهما ام حلما؟
– حتى في العالم حين يريدون يصفون الجمال يقولون متبغدد
– فعلا تأملي اللغة وعلم البديع مثلا ..حكم عبد الله بن المعتز ليلة واحدة ثم سملت عيناه
ولكنه اكبر الشعراء الوصافين العرب هذا دليل على ازدهار اللغة في العصر العباسي
– وهو امتداد طبيعي للازدهار الذي شمل كل مرافق الحياة آنذاك
– نعم كان وليد ازدهار حياة بأكملها
– لكن أجمل الزهور تلك التي تزهر فوق الخراب
– لاتهم الزهور التي ذبلت
المهم الورود التي تشم
لو قيل رأس برأس
لاتصالح على الدم حتى بدم
– كيف رأيت سامراء بعد ذلك الغياب الطويل ؟
(يتنهد تنهيدة طويلة قبل ان يجيب ) : سامراء خربت وساء حالها وقيل ساء من رأى هذا قيل في الماضي والآن أحفظ شعرا لا ادري من قاله :
خربت سرّ من رأى
مالشىء دوام
ماتت كما مات فيل تسلّ
منه العظام
صدمت بدجلة أيضا فقد كان أوسع مايكون في سامراء وهذا الثرثار النهر الذي يثرثر مقطوع وظهرت جزرات فيه ، كان الناس يسمونه (أبو الكليب) لان الذي يقع فيه يموت، وفي طفولتي وفي شبابي كان هناك السمك الذي يسمّونه( البزّ) وكان بطول قامة إنسان وكانت سامراء مشهورة به واشتهرت أيضا ( بالمبطخه) في العصر العباسي كل شي في سامراء كان جميل أما الآن فليس فيها إلا الخراب
– هذه زيارة عابرة لا تستطيع أن تحكم من خلالها
– رأيت مايكفي لأن يقبض نفسي .. حضر تجوال وشوارع مغلقة وسيطرات وتفتيش كأني في ثكنة عسكرية
– أنت تحب عمان
– عمان أكثر المدن العربية صمتا وفوجئت باني لم اسمع فيها نباح كلب ولا صياح ديك ولا نهيق حمار ولا زقزقة عصافير
– يعني لاتحب المدن المكتظة بمفردات الحياة ؟
– لا لكنها توافقت مع نفسي المستسلمة أقول اليائسة
– مفردة اليأس تكاد تكون دخيلة على قاموسك
– أنا لست قانطا لكني فاقد الأمل في شيء
– وأنت تعيش في هذا الترف الذي يشاع عنك؟
– هذه نكته أطلقها الساهر ذات مرة
لكني أحيا الكفاف السعيد ..
– من أي النوافذ يتسرب اليأس إليك ؟
– لايتسرب بل هو قرين تاريخي .. قبل مدة قال لي آل ياسين جئني بقصيدة فرحة ، وأنا استشهد بقول إيليا أبي ماضي :
يا أخي لاتشح بوجهك عني ما أنا فحمة ولا أنت فرقد
قمر واحد يطل علينا وعلى الكوخ والجمان المنضد
وهناك شاعر يقول : ياموت ان الحياة ذميمة ويا نفس جدي ان دهرك هازل ، على هذه الأرض سيدة الأرض ما يستحق الحياة يقول درويش …، فقد الأمل ان لم نعد نرى ونحب بعضنا كما كنا ، التنازع في كل مكان وعلى كل شيء إنها حرب المناصب من فيصل الأول الى فيصل الثاني سبعة وثلاثون عاما كان نوري السعيد موجودا حتى مع الملك غازي و أتساءل لماذا تولى نوري السعيد ست عشرة مرة رئاسة الوزراء.. كأنها قدر!
– في العراق فقط موجود هذا الأمر ؟
– والله اسمعي لو ان كل الناس حكموا كما يقول عمر بن الخطاب : والله لو ان بغلة عثرت في أقاصي العراق لخشيت ان يسألني الله عنها يوم القيامة ، وهو كان في المدينة المنورة لما كان هذا الاقتتال سيحدث
– وأين هو التداول السلمي للسلطة في تأريخنا العربي ؟
– هنالك تعديلات في الدستور فقط
– تعديلات تُفصّل على مقاس الحاكم
– نعم مثلا يطول مدة الحكم مثل بو رقيبة وغيره
– هل هذه عقدة عربية ؟
– نعم العرب ليسوا انبساطيين .. والغريب ان هذه الأمة العربية التي أنجبت الكثير يحدث لها ذلك ، النظام البرلماني الأمريكي الذي نطبقه يقمع كل رغبة لكن كثير من الناس مع التكتل
– على الشاشة تبدو حازما وصارما كأن الضيف فريسة تنتظر ان تُفترس ؟
– هم يفضّلونني هكذا ويشعرون بالارتياح لذلك والكثيرون يطلبون أن أحاورهم أنا والبعض يقول لي إني أنوّمهم مغناطيسيا
– هل تقرا علم النفس؟
– نعم كثيرا وكنت ارغب بدراسة علم النفس وقرأت الكثير ونسيت الكثير وبقي بقايا لكن عندي حدوس تصدق وفي فترة كان لدي فترة خصوبة بالتنبؤ حتى إني أول من اسقط الألمان وكتبت على الفيس بوك حينها سيسقط الألمان ويولون الدبر وفرحت حينها رغم إني لا املك موقفا ضدهم لكني فرحت فقد صدقت نبوئتي
– هل تخطط لحياتك؟
– أقول لك شيئا حين ذهبت لاكمل دراسة الماجستير في الإعلام وانا خريج بكالوريوس فنون حصلت مفاضلة فقالت لي د. سعاد المسؤولة حينها لماذا لاتكمل في الفنون فهو اختصاصك ؟ فرجعت وأكملت في الفنون ، يعني لايمكن ان نخطط لان الحياة مليئة بالمفاجآت يحدث ان تقرر أمرا فتفاجأ بالعكس ، أنا لا اخطط لحياتي فالله هو الذي يخطط وهو يقدّر وحتى الان الله صديقي ويساعدني ويثأر لي من أعدائي رغم إني ليس لي أعداء بالمعنى الحقيقي لكن هنالك أناس يحاولون ان يكونوا هكذا
– إذن لماذا يتساءل حامد المالكي : ماذا يريد مني مجيد السامرائي؟
– حامد غلطان وثمة سوء فهم فقد كتبت مرة عن مسلسل (سارة خاتون) وكانت أحداثه في القرن التاسع عشر وكان حامد عمره 35 عاما وقلت انه لم يعش هذه الفترة والمراجع تخطيء
– لكن العمر ليس له علاقة بالإبداع
– نعم العمر لايقاس بالأيام والسنين لكن فلاح شاكر وهو اشطر الكتاب المسرحيين العرب وقع في الخطأ التاريخي مرتين الأولى اخطأ في مسلسل الباشا والثانية في مسلسل فيصل الثاني
– لكن فلاح شاكر اعتمد المؤرخ سيارالجميل كمشرف تاريخي
رغم ان الجميل تبرأ من النص والكل يدافع عن نفسه حتى ان فلاح شاكر أجابه بمقالة مطوّلة عنوانها ممّاذا تتبرأ أيها المشرف التاريخي .. وكل بدا مقنعا ومقتنعا بما يقول
– اعتمد فلاح على حنا بطاطو وتاريخ الوزارات وكلام مس بيل والحسني ولو رأيت ستجدين انه ليس من المعقول ان تتساءلي بعد هذه السنين هل ان نوري السعيد شرير ام لا ؟
– المسلسل اظهر نوري السعيد بصورة جميلة ووطنية عالية
– لكن الكثير من اليساريين لا يوافقون هذا الرأي
لاحظي حتى الملك فيصل الثاني الرجل البسيط كانت هنالك في عهده ( نقرة السلمان) و الأحكام العرفية وقام بسحب الجنسية العراقية من الشيوعيين وهجّر اليهود من العراق الى فلسطين هذه كلها كانت في فترة نوري السعيد
– هذه قراءة مغايرة في تاريخ السعيد
– نعم استخدم سياسة الحديد والنار مع خصومه لذلك ثاروا منه ثأرا كبيرا ، لماذا هذا الإيغال في الوحشية في التمثيل بجثث الوصي ونوري السعيد ! هل يمكن ان يكون ذلك كله كما تقول تمارا الداغستاني ونجدت و عطا عبد الوهاب انه بتأثير راديو صوت العرب ؟ هذا غير معقول وعلى العموم قيل في اللقاء الذي أجريته ان عبد الإله كان لايفارق سماع صوت العرب وكان حريصا على سماعها بانتظام
– كانت إذاعة تعبوية ؟
– أكيد كانت إذاعة احمد سعيد وهو احد أزواج صباح الثلاثين او العشرين ، والقصد ان كتابة التاريخ مسؤولية كبيرة والكثير من الشخصيات التاريخية عليها جدل واختلاف
– إذن كان سبب اختلافك مع حامد المالكي هو اعتراض على حقائق تاريخية ؟
– حامد المالكي هذا الرجل لم يعش ذلك الزمان
– يعني شرط ان يعيش ذلك الزمن ليكتب عنه؟
كتابة التاريخ أمر خطير لا استطيع أن ادخل فيه ، حين اشتغلت في حلقتي عن فيصل آخر الملوك ، قرأت ودرست على قدر المرحلة ومع ذلك الأحداث التي دارت حينها تروى على أكثر من لسان وثمة روايات متناقضة وأخرى متشابهة مثلا فترة الملك غازي وكان يكره الانكليز وانشأ إذاعة قصر الزهور كان الرجل شابا متهورا ومندفعا ويقال انه كان يصعد عقرقوف بالسيارة وينزل منها ، هذا جنون وتهور حتى انه قتل وهو يسوق السيارة مخمورا ، رغم حب الناس والجماهير له
– ربما لان الفترة التي تلت العهد الملكي كانت دموية لذلك كان هذا النكوص والرغبة بالعودة إليها ؟
– ومن قال ان العهد الملكي كانت فترة ذهبية الم يعدم الضباط الأربعة في الشارع ؟
– لكن الإعدامات تكاثرت بعدها وأصبحت في كل شارع !
– مع ذلك لا اعتقد ان الناس تريد الفترة الملكية
– كحلم للتداول السلمي للسلطة
– ربما لكن الدستور يقضي بان يورث الابن الأكبر للملك وحتى الملك كان قاصرا وعمره 4سنوات حين تولى العرش
– لانريد الخوض في السياسة لكنها متداخلة معنا وفي تفاصيلنا وعلى ما يبدو انك مولع بالتاريخ بدليل ان كل إجاباتك لاتخلو من شواهد تاريخية وشعرية
– أنا مجبر على ان أكون ملمّا بالكثير من التفاصيل التاريخية وحين اقترحت ان أحاور حول الملك كان يجب ان أكون على بينّة فقرأت ماتيسّر لدي من كتب وكان يمكن ان اتعمّق أكثر، وعموما شعرت بالإشفاق على الملك فيصل واعتقد انه لم يكن سويا واشعر انه كان في عمق السوداوية لكن أكثر المقربين يقولون انه كان سعيدا
– ما الذي منحته لك (الشرقية)؟
– الشرقية أعطتني فرصة في برنامجي (أطراف الحديث ) لأقول كلمتي
– يقال ان الشرقية هي التي صنعت مجيد السامرائي
– لا انا منذ عمر اكتب وأحاور في الفن والشريعة واعمل في التلفزيون لكن بصراحة هذا البريق الي لمسته في حواراتي الأخيرة شيء مدهش
– كانت لمن؟
– حلقة الفنان حسين نعمة وحلقة آل ياسين وقبلها الملكية فوجئت في عمان وبغداد وتكريت وأماكن أخرى كثيرة بأصدائها
– هل هذه زيارتك الأولى لتكريت؟
– لا لكنها المرة الأولى التي أبات فيها
– كيف وجدتها ؟
– أول مرة أرى مطرا منذ أربع سنوات في العراق
وشاهدت قصر الثقافة والفنون وكنت مندهشا وكانت على طرف عيني دمعة ولا اعرف لماذا ..مرة رأيت نجيب يونس وهو من روّاد الحركة التشكيلية ، حين رايته بدأت بالبكاء وكان هذا في المتحف الوطني .. كان عمله مدهشا .. هنالك أشخاص يستدرجونني للبكاء ويستفزوني ومنهم عبد الرزاق عبد الواحد
مالذي استفزك في عبد الرزاق عبد الواحد ؟
– هو يسحبني خارج الزمن وهو شاعر استثنائي لا اعرف من أين يجلب هذه المفارقات والتشبيهات والمفردات
– ربما هو عبقر .. جني الشعر والجمال
– هو يسيطر على الكل الموهوبين والمبدعين وهم كلهم غير أسوياء وأي شاعر حقيقي يجب ان يكون مصابا بلوثة هذه اللوثة ضرورية لايوجد شاعر يتمتع بهدوء كامل بل هو هدوء نسبي يسبق الزوابع والرعود التي أجدها ملازمة للمبدع الحقيقي
– هل رأيت دجلة؟
– رأيته مطمئنا لكن من الطائرة ورأيت الفرات وكان هائلا وواسعا وأشعر بالرعب حين اسمع من يقول أنهم عبروا دجلة على الأقدام اذا جف دجلة والفرات مالذي يبقى في العراق؟ كل شيء في العراق ماض لا تمر ولا بطيخ ولا عصافير..
– كأن الحضارة تصادر
كأن الحضارة تحتضر.. الحضارة تحتضر، وكيف سينقطع جهد هؤلاء العمالقة ؟ جهد حمورابي، مثلا حين تقرأين المسلة وتقارنيها بالقوانين الوضعية الان مثل الميراث العقود الطلاق تجدين شيئا غريبا وعجيبا .
– لنعد الى مامنحتك إياه الشرقية من مساحة تتسع لما أردت أن تقوله
– نعم اشعر بالاطمئنان النسبي رغم اعتقادي إني سأموت في الليلة القادمة وكل عملي سينتهي في الليلة القادمة وكل مابنيته من مجد ليس الا كثبان من رمال … دائما يرافقني هذا الإحساس وأعرف كثيرا من الأساتذة ماتوا منهم يونس السامرائي ود. القيسي مات على منصّة المناقشة وتوقعت أيضا اني سأموت على منصة المناقشة في الدكتوراه وكانت غاية طموحي ان أكملها وها انذا أكملتها ولا شيء بعدها رغم انها منحتني الكثير الكثير الكثير فبسببها قرأت الكثير من الكتب وحصلت على الكثير من المعلومات حيث قرأت كتبا بالإكراه
– ماذا كان تخصصك ؟
– فلسفة الرسم والتخصص الدقيق الفنون الإسلامية المدلول الرمزي للتصوير الحيواني في الفن الإسلامي من القرن العاشر الى الثالث عشر وكانت مناقشة ممتعة كأنها برنامج تلفزيوني وكل الحاضرين على قلتهم طلبوا نسخا منها وكنت أخشى ان يطاح بي في المناقشة لكنها كانت جميلة وشعرت بسعادة وزهو كبيرين وبصراحة اقول لك شيئا ان للشهرة فوائد جمّة منها محبة الناس التي تستوقفني في المطار في الشارع في كل مكان
– وماهي مساوئها ؟
– مساوئها ان شخصا ما يتعمد ان يعرقل عملك محاولا الانتقاص منك
وعلى الصعيد العائلي لا اعتقد ان زوجة أي رجل مشهور تكون سعيدة لذا نحن ذقنا بصل الشهرة قبل عسلها
– هل تتبنى سياسة الشرقية ؟
– نعم بالتأكيد فقد وجدتها في كل بيت حتى مناوئيها يكذبون ويتابعون كل مافيها
وفي كل بيت نجدها في الخارج والداخل يتابعونها ويبدو ان سياستها محببة وهذا حسب الإحصاء من جهات محايدة أنها قد تكون الأولى في القنوات العراقية ..
– من ترغب بان يحاورك تلفزيونيا ؟
– لا أقول محمود سعد او مفيد رغم اني أحب عمل مفيد فوزي
– هو أيضا يفترس الضيف افتراسا
– صحيح مرة حاور أنيس منصور ولديه كتاب اسمه أسماء لامعة حفظته عن ظهر قلب وبعدها حاور سامية جمال او تحية كاريوكا وبعدها شيخ الأزهر فهذه هي الحياة واذا نظرت الى الحياة لرأيتها عرسا قام على جوانب مأتم لان الدين مرتبط بمآثم لان رجال الدين ينفرون ولا يبشرون فهذه هي الوجه الآخر للحياة هذه الحياة الراقصة عرس ومأتم لذا هو اخذ هذين الجانبين وفي الحالتين هو كان ناجح
– وانت ايضا متنوع و لديك برنامج في الشريعة
– أكيد هل تطيقين الربيع دوما
– لا
– إذن هذه هي سنّة الحياة التي لا تطاق بشكل واحد
– حاورتَ الشيخ احمد الكبيسي وكان متمسكا بان تكون محاوره كيف وجدته؟
– نعم قال لا يحاورني الا مجيد السامرائي .. والكبيسي إنسان كريستالي وشفاف اعرف كل شيء فيه ..
– على غير مايبدو عليه رجال الدين من صرامة
– اجل هو متذوق للجمال بالإضافة الى كونه عالم .. واتمنى ان أحاور ايضا د.عمر عبد الكافي فهو يعجبني وكذلك الشيخ د . محمد النابلسي حيث شعرت بإحباط وخيبة أمل لأن كثيرين حاوروه ولم يجيدوا ذلك ..يعجبني تفرّسه في علم الحشرات هذه النملة الكائن الصغير هو متعمّق فيها ويتحدث كعالم حشرات والكثيرون في عمّان يسمعوه وهنالك أيضا الدكتور عبد الحميد العبيدي الذي اشتغلت معه “حوار في الشريعة” سنة كاملة
– والمعروف عن العبيدي انه تقريري جدا
– نعم هو نصّي وأشبّهه بغوغل فهو رجل موسوعي ويمتلك أجوبة سريعة وحاضرة في كل شيء مع بديهية متّقدة وهو ماقال شيئا ونسيه و ما قرأ شيئا الا حفظه
كانت الناس تنتظر البرنامج وكنت أسعى للتفوق عليه وإيقاعه بأي وسيلة لكنه لم يقع وهو لديه فضل علي في دراستي بالإضافة للدكتور احمد الكبيسي والكبيسي وضعني في موضع لا اخطيء فيه فقد قال عني : هذا الرجل الوحيد الذي لاتشنق اللغة على لسانه وحمّلني عبئا كبيرا ومسؤولية إضافية .
– في حوارك مع الكبيسي كان تلقائيا وبسيطا وربما جريئا حين قال: لست شاعر كبيرا مثل نزار قباني وهذا أمر غير وارد ان يقال على لسان رجل دين خصوصا في شاعر إشكالي مثل نزار قباني ؟
– الكبيسي شاعر ويحفظ الكثير ويستشهد بالشعر أيضا و لايتورع عن الإجادة بالشعر والشعراء وحتى اختلافه مع عبد الرزاق عبد الواحد لم يمنعه من الاعتراف به كشاعر كبير
وهو الذي يبسّط الفقه ويجعل الجنة على مرمى حجر من الناس وهو يبشّر ولاينفّر وهو الذي يتحدث عن الجنة قنطارا وعن النار قيراطا وعلّمني كثيرا وحمّلني وزرا كبيرا وله فضل علي وأنا اوجه له شكري أينما يكون
– تحفظ الكثير من الشعر هل أنت شاعر؟
– ممكن أن اكتب أبياتا متواصلة لكني لا أبقى مشتعلا دائما وكما أخبرتك الذي يشعل بي جذوة الشعر هو عبد الرزاق عبد الواحد
– في حوارك مع الساهر تبدو كأنك تجنّيت عليه او قسوت عليه؟
– دعيني أقول او ادعي هكذا انه كان من أفضل الحوارات التي أجريت مع كاظم الساهر وكنت قد حاورته أيام غنى (شجرة الزيتون) و(الحية) و(عبرت الشط ) والبدايات وفي التلفزيون في برنامج “شيء ما” استدعيت سبعة من أشباهه وبعد سنة من اللقاء أصيبوا بروح التقمص ، كاظم رجل بسيط جدا وكان تلقائي جدا في إجاباته وهو يجلس على كرسي الاعتراف الكل يريد كرسي الاعتراف هذا والناس لديهم كلهم هذه الرغبة بالاعتراف كأنها رغبة بالتطهر ولكني اقول لك شيئا وللمرة الأولى وقد يسمعني كاظم أنا اشعر بالذنب وأول مرة اقول هذا ماكان يجب ان اكون قاسيا لكني استخرجت منه مالم يقله لأحد
– هل خططت لهذا الحوار؟
– أبدا لم اخطط ولا عمري خططت كنت حريصا ان ادعه ينتهي من الحوار ويذهب وهو راض دون ان ينزعج .. ، مرة يوسف العاني قال لي ان الساهر لديه جمهور وقد يحقدون عليك والذي حصل العكس رغم ان هناك ردود افعال عنيفة ضدي وأخرى تبجّلني كثيرا موجودة على النت يعني هناك توازن بين هجّائين ومدّاحين لكني مع ذلك اشعر بالذنب
– والساهر كيف رأى اللقاء؟
– هو حسب ما علمته حين انتهى وذهب الى جرش قالوا لي انه سأل عني ولم التق به لكن اخبرني منذر كريم ان الساهر شاهد اللقاء سبعة مرات خصوصا فقرة يتحدث فيها عن أكلة اسمها (محروك اصبعه) وكان يضحك كثيرا لهذا المقطع حيث كانوا يأكلوها في الماضي بحيث ان الكثير على النت يسألون كيف تطبخ هذه الأكلة …. اشعر كان المفروض ان أكون ارقّ ولكني وللمرة الأولى أقول هذا أيضا شعرت اني مثل لاعب كان يجلس على مصطبة الاحتياط طويلا ويدعى للعب دور ويثأر لكل سنوات الصمت ويلعب بكل طاقته الكامنة وكان هذا مع كاظم والحمد لله .. كاظم شخص مثير للجدل في صمته محير وظهوره على المسرح محيّر ويمتلك سحرا لم أكن أتوقعه وجمهوره كاسح في كل إنحاء العالم وعرضت هذا الأمر على علماء النفس وعملت استفتاء بحث كبير موجود على النت والكثير من الناس يسعدون بأن يسمونهم باسم مجانين كاظم وحتى البنات تستخدم هذا الاسم مع انه رجل بسيط ومنزوي كما اعتقد وخجول جدا وكأن الشهرة جاءته فجأة وهو إبن حلال وطيب جدا ، ربما لو امتلكت شهرته ربما لم تكن قدماي لتلامسان الأرض لكنه متواضع ويسعد بالحديث عن فترة الفقر التي عاشها .. كاظم قريب الدمعة وعنده حزن عميق كأنه اقترف ذنبا ويسعى للتكفير عنه هكذا اعتقد ، كلنا نسعى للتكفير عن ذنب لم نقترفه او اقترفناه في يوم ما
– اعتقد إننا تربينا على ثقافة جلد الذات
– اعتقد ان الفضل للمرأة الأولى والصدمة الأولى والأحلام المبتورة .. كل الشعراء والمبدعين مكسوري الخاطر
– من رحم المعاناة نشأوا
– نعم نعم .. و أفضل ما كتب أبو نؤاس من قصائد كانت في الابتهالات وهو خطّأء كبير ربما من الخطيئة او أي كان .. على اية حال هناك ذنب ما اقترفه أي مبدع كبير كنوع من التكفير يحاول ان يكفّر عنه وهو في عزّ القوة هناك فشل ورغبة في البكاء وخيبة أمل عميقة
– هذه قراءة نفسية بحتة
– نعم و أطبّقها على الجميع
– ألا تتعارض هذه الرؤية مع الموهبة ؟
– لا الموهبة عطية من الله وسرّ من أسراره ، ان الله يضع سرّه في اضعف خلقه وهن النساء وهناك في السودان وجدت اسم متكرر لديهم وهو سرّ الله وختم الله أيضا
– لديك حضور عربي شاسع لكن ضيوفك عراقيين؟
– لا لكني التقيت في عمّان بمبدعين عرب مثل زليخة ابو ريشة شاعرة مجنونة وخارجة عن القانون والمألوف وخارجة عن السياق تكتب ما وراء النص وماخلف النص وليس بين السطور وتفصح عن كل شيء خفي لا تجيد المرأة الإفصاح عنه
– مع ذلك معظم ضيوفك عراقيون؟
– أنا أعيد إنتاجهم من جديد وأنا عملت أكثر من ألف حوار أيام كانت بغداد ام المهرجانات وكنت اخرج من مهرجان مسرح الى مهرجان موسيقى وغيرها
– انا اتحدث عن برنامجك اطراف الحديث تحديدا هو مخصص للعراقيين؟
– لا ليس مخصص للعراقيين ومفتوح للجميع و سألتقي بالعديد من العرب فللبرنامج حضور عربي واسع
– من هو أفضل من حاورته وشعرت بان حواره أضاف شيئا لك ولمنجزك؟
– والله صبا مبارك كان حوارا على جزئين كانت شخصية غريبة ومتفردة في كل شي الكثير من الناس يريدون ان يتملّكوها ان ينتقموا منها او تكون صديقتهم وأثارت حفيظة الكثير من الرجال قبل النساء هي مثيرة لغيرة الرجال أكثر من النساء ولم أكن اعرفها قبلا رغم انها مثلت (عيون عليا) و(الاجتياح) و(مملكة النمل)
– من تتمنى ان تحاور؟
كنت أتمنى ان أحاور اوباما في الماضي
– ولماذا لم تعد ترغب بمحاورته الآن ؟
– لأنه لم ينفّذ أي برنامج تغيير من الذي جاء به و طأطأ للضغوط التي فوق رأسه ولم يعد شخصا مثيرا للجدل لكنه محبوب رغم ان شعبيته انحسرت ولن تجدد له الولاية وأراهن على هذا .
هنالك مثلا شخصيات دينية بالعراق أحب محاورتهم وسأقول لك مثلا يعجبني ان أحاور عمار الحكيم لا اعرف لماذا لكن فيه هدوء واعتقد انه قاريء جيد
ومثال الآلوسي شخص مثير للجدل لكن كل المحاورين يخرجون بنفس النتيجة
– الكثير عرفوك إعلاميا حدثنا عن تاريخك الصحفي
عملت في صحافة الأطفال مع فاروق سلّوم في صحيفتي مجلتي و المزمار وعملت في صحف أخرى عديدة
– على ذكر فاروق سلّوم ماهو رأيك به ؟
انا أحب فاروق وأذكر قولا لأحد الأصدقاء واسمه محمود حمندي وهو من رواد الهندسة المعمارية يقول حين يكتب فاروق في الهندسة المعمارية فإنه يكتب جمله فيها لحم ، ومرة كان فاروق يلقي قصائد بالتكريتي وعملت له حوارا واكتشفنا ان اللهجة التكريتية قريبة من اللبنانية واخبرني انه توجد في لبنان بلدة اسمها تكريت قريبة من طرابلس ..
فاروق شفاف لطيف مهذب واشعر انه حزين في السويد وهو يتسلى على الفيس بوك لكنه طفل ومعجب بالغيمة ومفردات الحياة ويؤنسن الأشياء كما يراها وهو مولع بالكبّ والحصى وليس هو فقط حتى رافع الناصري مرة اخبرني ان هذا الأفق الواسع في اعماله هو أفق تكريت وحين جئت الى تكريت لم اجد ذلك الأفق كان هناك صحارى كثيرة وأشعر انها مدينة صعبة تنام مبكرا لكني البارحة رأيت شيئا مغايرا رأيت الناس تسهر لأنهم يشعرون بالأمان هنا لذا يسهرون على الشاطيء
– ماذا عن الحنين الى المكان الوطن ..الذكريات؟
– حس الحنين الى الوطن انقطع وأخاف من هذا الشعور الغريب ، حين درست بكالوريوس ولأول مرة أقول ذلك كنت اذهب الى الكراج استمع لصياح السائقين وهم يصيحون سامراء سامراء فأفرح كلهم يصيحون سامراء لأجل الركّاب وأعود والآن لا امتلك أي حنين لسامراء .. هل يعقل هذا؟ مالذي تغير بي؟ خربت وساء حالها فقيل ساء من رأى وبغداد العظيمة أيضا؟ هذا الطريق الذي نسلكه من الصرّافية والرصافة وأكاديمية الفنون اين ذهب ؟ معقولة كنا في حلم ؟ هل اغتالوا المدينة حقا؟
اخشى على حس المواطنة ان ينقطع ..
وانقطع حبل الحوار بيننا حين دخل احد الأصدقاء مذكرا بموعد السفر
لا اعرف كم من الوقت مضى ونحن نتحدث .. نتشكى حينا ونستفز حينا آخر ..
نرتفع بالذكرى ونحطّ على فقر الحاضر ..
وكعادة الوقت الشحيح في حضرة الأحبة .. كان على السامرائي ان يغادر الى بغداد ومن ثمة الى عمان السكينة والسكون ..
بقيت الأسئلة معلقة تنتظرعودته التي وعد بها ..
واستدركت إني كنت أتحدث معه على جناح طائرة مجنونة حطّت في مطار الذاكرة لتغادر مسرعة الى النسيان ..
لكنه الورق كان حاضرا ..
يدوّن ما عجزت الذاكرة عن الاحتفاظ به ليشهره حضورا باذخا
بوجه غياب .. نحلم ألا يكون طويلا .
————————-
نشر في صحيفة الزمان اللندنية