خمسٌ وأربعون قصة من أمتاع سفر روح مبدعة يسجل في وقائعها الحياة وما ترصده عيناه وموهبته يسجل لنا الدكتور الناقد والقاص مصطفى لطيف عارف في مجموعته القصصية الجديدة الموسومة ( غبار الرفوف ) ، عندما تريحك متعة القراءة لقصص الحياة المرصودة بعناية وتحليل ومزج بين الواقعي والإنساني في مناجاة روحية يحاول فيها (مصطفى العارف) ان يرينا قدرته على التعامل مع الحياة وتحويل مفارقاتها وإبطالها إلى قصص ابتداء من أول قصة ( جعفوري المتمرد ) وحتى أخر قصة في متعة هذا الكتاب ( المعتوه ) .تنقلات بين عوالم يربطها هاجس قلق القاص على مصائر من يعيش معهم ويصادفهم في الحياة ، حيث تتعامل ذائقة النص لديه عبر خاصية التفاعل مع بطل قصته ،حيث في اغلب القصص هناك البطل الواحد ومن خلاله تتشظى الأحداث التي في اغلبها هي أحداث تعكسها متغيرات الواقع العراقي أولا ثم متغيرات واقع مدينته ( الناصرية ) ثانيا ، وهذه المتغيرات رصدت من قبل (العارف) بشيء من شاعرية التعامل أولا ومن ثم استخدام الدايلوك والقراءة النفسية والروحية لشخصياته رصد مفصل لمجمل فعاليات الحياة ، أناس يذهبون للعلاج في الهند ، آخرون تحملهم نعوش الاستشهاد في سبيل الوطن ، حواءات تحلم بإبداعاتها الفنية ،وآخرون ضيعوا أحلامهم في متعة الجنون ، مراجع دينية وطنية ومحلية ينتمي إلى ذكريات ثقافتها ومحبتها ، بشر يبحثون عن أحلام وأقدار جيدة ، وأخير عكست القصص جوانب في الحياة الوظيفية الأكاديمية للقاص وفيها يرينا قدرة جميلة وإصرار على أن تكون أجفانه مأوى لما يراه ومتى هدأت الحياة وعاد إلى البيت اختار عنوانينا لتلك المشاهد وكتبها قصصا وتعامل معها بتلك اللغة المبسطة في سرد وقائع الحياة وجمالية فطرتها وبؤسها وخيباتها وعدميتها في بعض الأحيان 0 وتلك الانعكاسات أرتنا وجوها عديدة لم تبتعد عن مخيلتنا ،فهي قريبة منا تشاركنا الأحلام والنوايا والعيش المشترك ،الفرق أننا نشاهدها بأعيننا فيما يشاهدها (مصطفى العارف) بروحه وإبداعه ويتعامل معها ويبحث في قدريتها ومصائر الحياة بالنسبة لها .عشاق وشهداء وأصحاب مهن ورجال دين وسيدات مجتمع ومهاجرون ومرضى ومثقفون وحرفيون ونماذج أخرى كلها تصبح ثيمة لتنوع القص والجهد المارثوني الذي يبذله القاص ليرينا وقائع حياة يسجلها هو وتصبح خصوصية تحمل بصمة لموهبته التي لا تخلوا من متعة المفارقة التي يغادر فيها ثوب مهنته ليذهب إلى حياة ابسط ورصد جميل لمفارقات الحياة كما في قصة (اشتباه) التي تعكس حدثا قد يكرر عندما تتوهم واحدة من المعلمات أن شخصا ما يدلف إلى المدرسة زائرا ليبحث عن شريكة هناك فتكون النتيجة في مفارقتها عكسية :((, قائلة -: ها أستاذ نقول مبروك هل أعجبتك الست رواء ؟ اخذ علي يتمتم بداخله ٠-: إجابتها الست نسرين السكوت علامة الرضا, وأخذن يقبلن الست رواء , – صاح علي بصوت عال , يبدو الموضوع فيه اشتباه أنا جئت إلى المدرسة لأخذ نتيجة ابنتي نرمين ))٠
هذه القصة هي لوقائع الحياة بصدقها واقتراب يومياتها من عيون القاص ، ولكن ما أن تنتهي هذا القصة حتى نرى (العارف) يذهب إلى هاجس أخر أكثر شمولا ووعيا لذات أتت إلى الوطن بعد أزمنة النفي والمهجر ليقدم خدماته وعلمه الذي تعلمه هناك, ليكون طائر الجنوب ( عنوان القصة ) الذي عاد إلى مرابع طفولته وصباه وذكرياته وحنينه وتواريخ محطاته النضالية معه .(مصطفى العارف) يوثق لنا الحياة بكل الرؤى التي عاشها في مسرات تخيلات محطات نضوجه الإبداعي ، فهي في كتابه القصصي ( غبار الرفوف ) هذا يتحول من تدريسي محترف ومشرف دائم على اطاريح طلبته إلى راصد حقيقي لمتغيرات الحياة ،ولم يكف أن يتعامل مع العالم الذي ينتمي إليه بكل شخوصه ويستخدم رؤيته الروحية وحتى الرومانسية والإنسانية في أدارة مشاغل الذين يرصدهم في حياته يراقبهم في كل شيء ولا يضع لهم نهايات يفترضها هو بل ينقل لنا تواريخهم الحقيقية وانتهوا إليه .والكثير من وقائع القصص تعكس شفافيتها ومقدار الذي يحمله القاص ( العارف ) لعالمه والمحيطين به ،ويتعامل معهم بنبض من الود ولا يؤمن سوى بفكرة أحب للآخرين ما تحب لنفسك ، رصد يشعر به بمتعة أن الآخر يتمازج معه ،ويعيش لحظة الآخرين بمشاعرهم ويسعى لينقلها إلينا لتعبر القصة عن أفكار الأماني التي تسكن القاص من اجل العالم المحيط به ، أنها ايجابية الروح عندما توظف موهبتها لتكون دافعا لتقريب الحياة والتمعن بتلونها وتجاربها وأحداثها ، فكان رد القاص حتى لتلك اللحظات المؤثرة يمثل وعيا وإتماما لرسالة إنسانية أراد فيها أن تكون القصة منصة لرؤية العالم من خلال مادة السرد وتتحول إلى مختبر يفسر المشاعر عندما تسكن روحا طيبة تريد أن تعيش الحلم على شكل قصة حتى لو كان يسيل وسطها مجرى الدموع والخيبات ونعوش الشهداء .وربما قصة الرابح ترينا مقدار تلك الروح الساردة في جعل محبة الآخرين وفوزهم بعضا من سعادتها لتؤشر تتبعها على منجز وفوز ونجاح الأصدقاء والمعارف :(( وحضرت وسائل الأعلام من اغلب الدول العربية , عم الهدوء في كل مفاصل القاعة , والكل متلهف لسماع النتيجة أعلن رئيس هيأة التحكيم الفائز الأول : الروائي احمد شهاب الجنديل عن روايته( آلهة من دخان) ضجت القاعة بالتصفيق من جميع الحاضرين بقوة , وسلطات الأضواء والكاميرات علي , توجهت إلى المنصة سلمني وزير الثقافة جائزة الدولة , وجاءت إحدى الفتيات الجميلات ألبستني وسام الإبداع لعام 2021 , والأخرى أهدتني باقة ورد جميلة))
أنها الأماني أن كانت حقيقية أو كانت مجرد أمنية ولكنها في حقيقتها تكتشف أن القاص بقصته هذه مثلا يريد أن يحمل نبوءة الفوز لصديقه بعد أن قرأ روايته وأعجب بها .قصص (مصطفى العارف) على تناسل الأقدار فيها وتلوينات أحلام البشر ووظيفتهم الحياتية والمجتمعية وتبدلات مشاهد الرصد الأدبي والنفسي والحياتي لأبطال قصصه ، فهي في نمطيتها سرد واقعي مغلفا بعاطفة ملونة لإحساس القلم حين يتمنى أن تكون رسالته عند مستويات تلك العاطفة وهي تتنقل في محطات الحياة وكأنها اعني ( القاص ) شاهد عيان وصاحب رسالة اجتماعية وحضارية تعيش تحولات اليوم من صباح تدريسي في الجامعة إلى روح تتفاعل مع المدينة والوطن عبر تواريخ الحلم والنضال والثقافة والواقع .
(غبار الرفوف) هي في طبيعتها حكايات لبساطة الحياة ، كتبها(مصطفى العارف )لتكون شهادة ملونة وفاعلة لما يحدث في متغيرات حياتنا ،وفيها الكثير من مفارقها العولمة وما كان قبلها .انه في (غبار الرفوف) يؤسس لحلم العين حين ترصد وتنقل بآمنة ما تراه وتحلله وتنقله إلى القارئ لمتعة القراءة والإفادة وتلك هي رسالة المبدع إذا أراد أن يكون .هذه الرسالة التي يريد فيها القاص أن يعيش التحولات بين أن يكون معلما وعاشقا ومؤرخا وجنديا قائدا وناقدا فنيا كما في قصته الجميلة ( الصدمة ):(( سألتني نورهان: بصوت دافئ معبر عن مشاعر فنانة جياشة المشاعر رقيقة الأحاسيس- دكتور علي: ما رأيك بلوحتي ؟ فوجئت من السؤال ؟ – أخبرتها: بأنها أفضل لوحة في المعرض قلت لها ما يميزك قدرتك على مزج ألوان الطبيعة مع الفتاة الجنوبية الحالمة بحبيبها الذي فقدته ,ولن يعود أبدا))في النهاية ، متعة القصة لدى (مصطفى العارف )هي متعة بساطة الروح حين تعيش بلهجة السرد عبر السهل الممتنع الذي يمتلك أجفاننا تشاهد وتخزن وعلى الورد تعيد ترتيب ما شاهدته وتسكبها على شكل قصة ،وبمجموعها أصبحت أحداثنا تعكس وقائع حياتنا وبعنوان ( غبار الرفوف ).