ايزدور چين لويز مورين رجل غنى من الطبقة المتوسطة ، مالك لعدة شقق سكنية فى ” پيلڤيل “. يعيش فى واحدة منهم بالدور الأول. تربى مورين فى الغرف الخلفية لهذا البيت القديم ، يرعى حديقته و يتسكع حوله مثل كثير من الباريسيين. فى سن الأربعين كان غبياً بما يكفي ليتزوج بنت أحد المستأجرين . شقراء في الثامنة عشر من عمرها ، عيناها رمادية بهما بريق لحظي يشع لطفاً كعيون القطط.
بعد ستة أشهر وجدت طريقها للدور العلوي ، تعرفت على طبيب شاب يعيش فى الشقة التي تعلوهم مباشرةً. كان حدوث هذا طبيعياً – فى أحدي الأمسيات الرعدية – حينما كان مورين في باريس .كبر حبهم حتى وصل إلى مرحلة العشق الملتهم ، وجدوا أن اللحظات القليلة التي يسرقونها سراً غير كافية .حلموا أن يعيشوا معاً كزوج و زوجة . المسافة القريبة بينهم – حيث أنه لا يفصلهم سوي السقف – جعلت الرغبة عندهم تشتعل أكثر و أكثر . اثناء الليل كان هذا العاشق يستطيع أن يسمع صوت الزوجين في الفراش.
مورين رجل من النوع المقبول. معروف عنه أنه زوج مثالي ، لا يتطفل علي أحد ، متسامح مع الجميع. وهذا ما جعله عقبة مثيرة للسخط بطبيعته ، فهو قليلاً ما يترك الشقة مما جعل زوجته تشعر كأنها سجينة بالبيت.
بعد عدة أسابيع خلقت بعض الأعذار لكي تصعد الي الدور العلوي. قررا العاشقان أن يتخلصا من الزوج، كانا مترددين أن يلجأون إلى عنف أو جريمة ، كيف يذبحا رقبة كالخروف ؟ و أيضاً خافا أن يقبض عليهما و يرسلا إلي المقصلة. علي أي حال ، الطبيب شاب عبقري ، لا يخاطر ، دائما يفكر بطريقة إيجابية. هذه هي طبيعته الغريبة التي أشعلت الخيال الرومانسي في قلب المرأة الشابة .
في أحدي الليالي ، استيقظ البيت كله علي صرخة مدوية آتية من شقة المالك. الجيران فتحوا الباب عنوة ، وجدوا الزوجة في حالة مزرية ، تجثو علي ركبتيها ، في الأرض. ملابسها غير مرتبة ، تصرخ ، تصرخ بشدة . مورين يقف أمامها مذهولا ، مرتعشا ، محرجا ، غير قادر علي التكلم ،يتلعثم مثل السكاري ، قائلاً:
_ أنا لا أستطيع أن افهمها ، أنا لم أقترب منها .
عندما هدأت هنريتا ، قالت كلاما غريباً ، غير مفهوم ، جعلت الجيران يخرجون و هم حانقون ، يقولون لأنفسهم ” لا شيء واضح ” .
هذا المشهد تكرر مراراً ، البيت كله أصبح في حالة السكون الذي يسبق الإنذار. كل مرة تدوي الصرخات ، الجيران يدخلون الباب الموصود عنوة و يرون نفس المشهد . هنريتا ملقاة علي الأرض في حالة إنهيار ، ترتعش ، كأن شخص ما ابرحها ضرباً بلا رحمة. بينما مورين يفرك في الغرفة ، في حالة كبيرة من الحرج ، عاجز عن قول يفسر الحدث.
الرجل البائس ، الهموم مزقته .كل مساء يذهب للفراش يرتعش من خوف دفين أنه سيصحو علي صرخات هنريتا. لا يستطيع أن يمسك رأس أو ذيل لتصرفاتها الغريبة. فهي فجأة تقفز من على السرير ، تضرب نفسها بعنف ، تمزق شعرها ، تدور في أرضية الغرفة دون سبب. أنتهي مورين إلي قناعة أنها جُنّت ، و اخذ عهداً علي نفسه أن لا يجيب عن أسئلة الناس ، و أن يحتفظ بهذه المأساة الخاصة لنفسه .سلامه العقلي تلاشي ، وحياته السهلة اختفت . فقد وزنه و أصبح شاحب الوجه و فارقته ابتسامة الرضا.
إشاعة انتشرت بين الجيران ، لا أحد يعرف مصدرها ، أن الحمى أدت به للجنون بسبب تصرفات هنريتا. وجهه الشاحب و إجاباته المراوغة ، سلوكه الذي به احراج ، كل هذا أدى إلى تأكيد الإشاعة. منذ هذا الوقت و كل شيء يفعله مورين يترجم على أنه فعل جنون . إذا خرج تلتهمه الأنظار ، و يفسرون كل كلمة تخرج من فاه بمعنى مختلف ، يناسب شطحاتهم. أصبح بالنسبة للناس مجنون كليتاً. إذا انزلقت قدماه ، نظر إلي السماء ، حك أنفه ، تضحك الناس و تهز أكتافها شفقةً عليه. الاطفال الصغار يتبعوه كأنه حيوان غريب ، و بنهاية الشهر أصبحت كل ” پيلڤيل ” تعتقد أن مورين فقد عقله.
بدأ الجيران يتهامسون أشياء غير طبيعية عنه. امرأة تقول شاهدته يمشي على الرصيف تحت المطر بدون قبعة ، لكنها تعلم أنها طارت من الريح. و اخري تقول إنه معتاد أن يتجول في حديقته بعد منتصف الليل يحمل شمعة كنسية و يرتل تراتيل جنائزية ، هذا يبدو مرعباً. لكن الحقيقة كان مورين ذات مرة يتفحص نبات الخس من اليرقات و الديدان أثناء الليل.
تدريجياً ، أخذ الجيران يجمعون في لائحة الاتهام حول أفعاله المشبوهة ، و يرتبون قضية سلوكه المجنون ، و الألسنة تهمس باقاويل مختلفة.”أنه رجل طيب” ، ” يا له من عار ” ، ” كيف يحدث له هذا ” ،” ربما يقتل هنريتا الشابة الجميلة المسكينة” .
في صباح صافٍ، ذهبوا الجيران إلي الشرطة ، بعد مشهد مرعب مثلته هنريتا بغاية الاتقان ، أدى إلى أخذ مورين إلى مصحة الأمراض النفسية”تشارنتون” عندما وصل إلى هناك و أدرك ما حدث ، انتابته ثورة غضب قضم خلالها أحد اصابع الحارس المنوط بحراسته. البسوه سترة بيضاء و وضعوه في عنبر المجانين الخطرين .
قد رتب الطبيب الشاب لهذا المسكين أن يظل في غرفة مغلقة بقدر الإمكان ، و ادعي انه يتابع حالته المرضية ، و اعراضها الغريبة . زملائه اعتقدوا أنهم اكتشفوا نوع جديد من أنواع الجنون . بعد ذلك جاءت ” پيلڤيل ” كلها لتدلّي بتفاصيل أكثر ، و المتخصصين العقليين اجتمعوا ، و مقالات علمية كُتبت.
العاشقان ذهبا للاستمتاع بشهر العسل في مقاطعة “توريان” .
بعد أحد عشر شهراً ، هنريتا أصابها الملل من الطبيب الشاب ، و بين القبلات ذهب بها فكرها إلى زوجها المسكين ، يصرخ في أحدي غرف المصحة . عاطفة ما نمت بداخلها نحوه ، كيف يكون هذا القدر المرعب نهايته. لم يعد يستطيع الاهتمام بنبات الخس في الحديقة ، أو يتمشي في الضاحية. امرأة ذات عينان قططية رمادية ، تنفع أن تكون موضوعاً عن تقلٌب الأهواء.
تركت حبيبها و ذهبت بعد تردد إلى مصحة “تشارنتون” و عزمت على الاعتراف الكامل. اندهشت هنريتا لأن الأطباء اخذوا وقتاً طويلاً ليقتنعوا أن مورين ليست مجنون . أخذوها إلى زوجها ، فوجدته في ركن الغرفة ، شاحب ، هزيل ، كالحيوان المريض ، يشبه الشبح أكثر من الإنس. وقف ينظر إليها و عيناه خالية من العقل ، مليئة بالرعب . المسكين لم يتعرف عليها. هي تقف في رعب و هو بدأ في نوبة ضحك هيستيري. فجأة انفجر في الكلام متلعثماً:
_انا لا استطيع ان أفهمها ، انا لم أقترب منها.
رمي نفسه على الأرض مثلما كانت تفعل هنريتا ، و اخذ يضرب نفسه ، و يصرخ ، و يدور في الأرض ، قال الحارس :
_ أنه يفعل هذا عشرون مرة في اليوم .
هنريتا امتلأت بالخوف ، قاربت من الإغماء ، غطت عيناها لكي تتجنب أن ترى الرجل الذي حولته إلي حيوان مريض.