مونديال قطر، مونديال العرب بامتياز، صال فيه العرب وجالوا تنظيما، ولعبا، وتشجيعا، وتعبيرا عن الرقي في الذوق والإحساس. مونديال بصم تاريخ العرب من جديد، وأماط اللثام الذي فرضه الإعلام الغربي عن ثقافة ضاربة في عمق التاريخ والجغرافيا. مونديال الأمل والحلم غيّر نظرة الغرب النمطية، وأسقط كبرياء فرق اعتبرت نفسها مالكة لنواصي اللعبة الأكثر شعبية في العالم.
إنه مونديال الحلم، بدأ ذلك من إسناد تنظيمه لدولة عربية صغير الحجم كبيرة الهمة، إنها قطر ، قطر دوحة الخير ، منبت التحدي. حلمنا مرورا بنصر السعودية على الأرجنتين، وتونس على فرنسا، وانتهاء بوصول المغرب إلى المربع الذهبي.
مونديال كشف أن الحلم مشروع، فلنحلم أحلاما كبيرة، من حق أي عربي أن يحلم أحلاما لا تسعها مخيلته شريطة أن يكون الحلم مرفقا بالعمل. فالعمل الجاد سبيل لبلوغ المنال مهما بدا بعيد.
احلموا بالرقي والسمو والرفعة… شرط أن تطردوا المحال من مخيلاتكم، وأن تشمروا على سواعد الجد، وأن تطرقوا الأبواب الصحيحة: وما نيل المطالب بالتمني لكن تأخذ الدنيا غلبا.
يولد الأمل من رحم الأحلام، لكن بعد الولادة لا بد من رعاية وعناية خاصتين، الرعاية هي بداية العمل، والتشبث بخيط الأمل مهما بدا واهنا في بداية المطاف اعتناء. فخيوط العنكبوت واهنة لكنها ترسم حدود بيت داخله تولد الحياة.
لقد أسقط الحلم والأمل كبرياء فرق أرضا. فرق كانت تعتبر نفسها سيدة كأس العالم والمحكمة قبضتها عليه. تذوقت طعم الهزيمة، وذرفت الدموع على فقدان المكانة ليس آنيا ، بل حتى مستقبلا. من كان، من الفرق العربية، يتجرأ على البرازيل، الارجنتين، إسبانيا…. فرق كانت تدخل الملعب مستقوية والفوز بين يديها، ولو كان الفوز يمنح قبل اللعب لمنح لها.
مونديال قطر قلب موازين كل شيء، فحتى نظرة الغرب( الشعوب) إلى العرب ستتغير، النظرة التي سوقت لها وسائل الإعلام ردحا من الزمن، لقد أكممت أعين مواطنيها، وتركتهم ينظرون إلى العرب بأذانهم. شرق متخلف، ضعيف، غير قادر على صناعة أي شيء، فقط يستهلك.
بدا جليا للعالم أن العرب قادرون على الخلق، الإبداع، الإمتاع، العطاء ، الإبهار… بل تحدي الغرب نفسه متى توفرت الإرادة.
علاوة على ذلك، لقد رفعت قطر سقف التنظيم عاليا حتى كاد يلامس السماء. فكل الدول التي ستنظم المونديال، ولو مجتمعة، ستجد خرجا كبيرا لأنها لن تستطيع مضاهاة قطر.
كشرت قطر ومعها أقطار عربية أخرى عن أنياب الجد، ومحت تلك الصورة النمطية التي سوقها الإعلام الغربي عن العرب إلى حد حجب الرؤية عن مواطنيه الذين سيحزمون، بدون شك، حقائبهم بعد المونديال لزيارة بلدان عربية، نافضين غبار التسليم الذي ظل مترسبا في أذهانهم.
زكى الحلم الذي كان مدثرا بإيزار شفيف الثقة في النفس، وهي مفتاح الوصول إلى الإنجازات، تلك الثقة هي التي تنقص العرب. الثقة في الكفاءات الوطنية، مدربين، لاعبين، أطرا… وفي كل المجالات المختلفة، سياسية، اقتصادية، اجتماعية…
فكل ما تحقق بمنديال قطر يدعو الغرب لتغيير نظرته للعرب، ويدعونا- نحن العرب- لنغير نظرتنا الانتقاصية لأنفسنا والإعلائية للغير. فلنغير سلوكنا، ولنومن بقدراتنا.