El Refugiado
Miguel Hernandez
20/10/1910 – 28/03/1942
صاحب النص:
شاعر ومسرحي ومقاوم. ولد ب”أوريهويلاOrihuela”؛ ضاحية أليكتنتي Alicante، على الرغم من أنه قد تم تأطيره تقليديا في جيل 36، إلا أنه حافظ على تقارب أكبر مع الجيل السابق لدرجة أن الشاعر “دامانسو ألونسو Damanso Alonso” كان يعتبره” معلمًا عظيمًا ” لجيل27 ..
في الخامس عشرة سنة كان قد قرأ لعباقرة الأدب الإسباني: ثيرفانطيس Cervantes، روبين داريوRubin Dario، لوبي دي فيغا Lope de Vega.
في عام 1925 تخلى عن دراسته بأمر والده، ليكرس نفسه، حصرياً، لرعي المعز، وأثناء رعاية القطيع قرأ قصائده الأولى التي كتبها بشغف
تنقسم أعماله إلى مرحلتين: الأولى تميزت بالزحرفة إلى جانب انكفائها على المساحيق الكاثوليكية، والأخرى تميزت بالسريالية والاشتراكية.
حين انفجرت الحرب الأهلية الإسبانية (1936/1939)ثار على الاستبداد والظلم؛ وتجند في صفوف الجمهوريين؛ حيث انظم إلى الفرقة الخامسة وقاتل في الصفوف الأولى.
ترك مذهبه المحافظ مؤمناً بالإرادة المحولة للإنسان، ومعتبراً أن الشعر هو الأداة للصراع الاجتماعي.
يتميز شعره بلغة استعارية مسكونة بذكرياته القروية وبمعجمها: ليمون، ثيران، حمام، طين، ياسمين، ضفادع، عناقيد العنب …يتحول الثور إلى رمز في شعره؛ الشعر الذي يتغنى للوحدة والحب التراجيدي.
نظراً لأفكاره الحادة، ولمواقفه خلال الحرب فقد اعتقل وأودع جدراناً أورقت عليها العفونة وأزهت بها رائحة الرطوبة.
من أعماله:
-خبير في الأقمار :ديـوان 1933
-البرق الذي لا ينقطع : ” 1936
– ريح الشعب : ” 1937
-أغنيات وقصائد الغياب (1938-1941): ” 1958
– هدهدة البصل : ” 1939
– مرثية (1910-1942)
– ست قصائـد مجهولـة
– المصارع الأكثر شجاعة (مسرحية) 1934
– أطفال الحجارة (مسرحية) 1935
– المزارع الذي يتمتع بمزيد الهواء 1937
– مسرح الحرب(6 مسرحيات قصيرة) 1937
– راعي الموت (مسرحية) 1937
النص:
اللاجـــئ: (يأتي حاملاً جراب زيتون صغير) تحية!
المحارب: مرحباً، أيها الصديق!
اللاجـــئ: لقد تهت بين أشجار الزيتون.أين الطريق الذي يقود إلى “جِيَان”(1)؟
المحارب: لستُ من هذه الأرض، وأسير باحثاً عن الطريق أيضاً. أتيتُ كي أستحمَّ في هذا الجدول، متشرباً بخرير المياه، وقد أضعتُ الخطواتِ السابقة. إذا استطعتُ أن أعثر على آثارِ خطواتي سأتبعها.لكن يبدو أن هناك ضجة العربات تُسمع، من هناك يجب أن يكون الطرق.اجلس؛ ثمَّ نتابع السير معاً.خذ سيجارة.
اللاجـــئ: هل أتيتَ من جبهة القتال؟
المحارب: لقد جئتُ ليلاً. كنتُ أحملُ جسدي كمزبلة. منذ زمان طويل لم أغير قميصي.
اللاجـــئ: كم رصاصات صفرتْ في أذُنيك.
المحارب: لم تكن قليلة. أكثر من ألفٍ شعَّثَتْ شعري بريحها القوية.. أكثر من ألفيْنِ غرقتْ في الأرض من حولي، وواحدة فقط تركتْ في رجلي اليسرى ندبة أحملها بكبرياء وفخر.
اللاجـــئ: في أيةِ جبهة تقاتل؟
المحارب: في جبهة مدريد. فقد دافعنا عنها بكل ثباتٍ وحزم..كيف تسيرُ الأمور في جبهات القتال الأندلسية؟
اللاجـــئ: أشخاص قليلون هنا يتحركون. الشمس تحرق كثيراً، والبندقية تنام بجانب الذي يمسكها. العدو أيضاً لا يهاجم.
المحارب: حين لا يهاجم هناك، فإنه يهاجمنا نحن. لا تستطيع أن تحاربَ مع أناس نائمين.واحدة من الأشياء الرئيسية التي يجب أن ينساها الجندي هي النوم. الخنادق يجب أن تكون كل شيء إلا أن تتحول إلى سرير.
اللاجـــئ: هنا لا تؤخذ الحرب بجدية تامة.
المحارب: يثيرني الرجال الذين يفهمون الحرب على أنها سهرة حمراء. يمكن أن يكون لنا الفرح؛ لكن لا تسليات أمام العدو.
اللاجـــئ: ديك آخر سيغني إذا كان كل الرجال الذين يسمون جنود الشعب أحسوا مثلك. إن “رُومِيرَا” وقرى أخرى عديدة لم تكن لتضيع كما ضاعت.
المحارب: هل أنت من :روميرا”؟
اللاجـــئ: في واحد من بيوتاتها ألقت بي أمي إلى هذا العالم. كان علينا أن نغادرها بسرعة كبرى؛ لأن المستبدين والطغاة كانوا ينقضون علينا من فوق. إن الفارين الأوائل كانوا يفتخرون في كل ساعة بأنهم شجعان. حسناً، لقد تقوى هؤلاء الأوباش بغلة زيتوننا السنة الماضية، وخمرنا المعتق. من أجلهم كنا نشتغل قبل يومين من صدور أمر الجلاء.
المحارب: إذن، فأنتَ لاجئ؟
اللاجـــئ: نعم، للأسف؛ بالرغم من سنواتي السبعين، لم أستطع أن أتحرَّك من “روميرا”. خلف الباب وقفتُ بسوطي لأحول دون وصول أي فَاشِسْتِي إلى مدخل البيت، والذي وصل بقي معضوضاً.إن بيتي لن يدوسه واحد من تلك الكلاب. يخجلني أن أفكر أن واحداً منها بات في السرير حيث وُلِدَتْ ابنتي. أعتبر ذلك وصمة عار. بالفؤوس، بالعِصِي، بقضبان الأسل أحس أنني على جعله يجري؛ حتى لو تبعني أربعة شبان، فلن يدخلوا إلى بيتي …لكن المتسكعين في الشوارع؛ الحاملين البنادق كانوا يريدون أن نترك لهم الحقل مستوياً ودون عثرات. كم نذل كان يجب إعدامه في ذلك اليوم.
المحارب: كل شيء سيتضح.
اللاجـــئ: أنا لست أدري إذا كنتُ أتكلم مع رفيق حقيقي. عيناك تقولان نعم. ألا تظن أن قرية “روميرا” لها الحق في محاكمة الذين وجهوها، ووجهوها خطأ؟.
المحارب: نعم، إنها الساعة التي يجب أن تكون فيها الشعوب وحدها قضاةٌ؛ قضاة شرفاء.
اللاجـــئ: منذ شهرين فقدنا “روميرا”، ومنذ شهرين نمت على ارض “جِيَان”، في مطبخ أحد ألأصدقاء. بينما النساء والعجزة اللاجئات يَمتن بسبب الفاقة؛ فإن أعضاء لجنة “روميرا” يأكلون مالاً هو مُلْكٌ لجميع الجيران، ويمشون هناك بألبسة أنيقة وربطات عنق عديدة.
المحارب: إنهم من طينة الأسياد الذين لم يكونوا كذلك مادام لن يستطيعوا. أي طعام تقدمه لكم الجبهة الشعبية ل”ديان”؟
اللاجـــئ: الأرز. لكن يخجلني أكله؛ لذا لم آكله. أريد أن أرافق المليشيات؛ لكن سنواتي السبعين لا تسعفني. كم أفتقد سنواتي الخمس والعشرين.
المحارب: من أين تقتات إن لم تأكل الأرز؟
اللاجـــئ: أحيانا؛ من الهواء. البعض ينظر إلى اللاجئ بعينين عاطفيتين. وبالنسبة لي، لا أريد رؤية وجه الشفقة. وآخرون يتقبلونها رغماً عنهم، الذي لا يجب عليه خدمة رفيقه المخذول؛ بلا بيت ولا أرض. لا يؤلمني ولا يحقرني أي عمل، أعرف كل الأعمال. سيان عندي غرس أشجار الزيتون أو جمع أحقر الأزبال. جميع المهن حسنة حين يمارسها المرء بكرامة. طلبتُ عملاً فرفضوا أن يُشَغِّلوني مغتاظين. متى تختفي هذه الحدود التي تفصل العالم عن القرى، والقرى عن الأحياء، والأحياء عن الجيران…
المحارب: في طريقنا نسير.
اللاجـــئ: أرى الطريق وعرة.
المحارب: لكن، سنمشيه. لا تشك.
اللاجـــئ: إنك شاب، وتنظر إلى كل شيء بعين الأمل. أما أنا فعجوز؛ ولي شكوكي.الحياة المتعبة التي أحملها تزيدني شكوكاً.انظر، من السادسة صباحاً وأنا أبحث عن الزيتون. لقد طفتُ مراراً بيارات الزيتون هاته. تؤلمني عظامي؛ ومن أجل مردودية قليلة لهذا العمل.
المحارب: كم يدفعون من أجل كيلوغرام من الزيتون؟
اللاجـــئ: عشرين سنتيماً.
المحارب: هل سيعطونك هذا المبلغ من أجل ما تحمل؟
اللاجـــئ: أكثر قليلاً.
المحارب: قطف الزيتون مهنة سيئة.
اللاجـــئ: لم أجد عملاً آخر. بالسنتيمات التي أربح كل يوم أتجنب أكل الأرز، ويبقى القليل لأشتري البرتقال لابنتي الموجودة في مستشفى الأمراض العقلية؛ بسنواتها الثانية والعشرين.
المحارب: هل هي مجنونة؟.
اللاجـــئ: لا، فقط تصيبها نوبات بين الفينة والأخرى. وبما أنني أتنقل من مكان إلى آخر؛ وحين أعود إلى البيت أجدها دامية عارية، لذا كان علي أن أنقلها إلى هناك، لأن في المستشفى العادي رفضوها. بما أنها ليست مجنونة؛ فهي تعاني الكثير من وجودها بين المجانين. إنها ستشفى من كل شيء، ولدا تطلب مني أن أخرجها من هناك:”والدي، إني أموت، وسأفقد عقلي أيضاً” في أيام الأحد، بينما تأكل البرتقال، تكرر فقط:” حين تموتً من سيأتي لزيارتي”. ورغبتي أن أراها مدفونة قبلي.
المحارب: أتريد أن تأخذ هذه النقود لتشتري لها البرتقال؟
اللاجـــئ: كلا. من طلب منك هذه الصدقة؟
المحارب: إني أساعدك؛ ولا أجعل منك شحاذاً. إن الذي يقضي أيامه متسولاً ليس أفضل من الذين يستغلون كي يعطون ببخل. الثروات يجب اقتسامها، لا لزخرفتها بصدقات. إني أعطيك؛ ليس لأن لدي فائض بل لأنك محتاج. إن الذي يعطي ما يزيد عن حاجته يعتبر كلباً كالذي يتقبل فائض الذي يعطي.
اللاجـــئ: ياللفرحة التي أحسها حولي وبداخلي حين ألتقي بشخص كريم.سنوات كثيرة تنقص من عمري. من أنتَ؟
المحارب: محارب قروي. مدافع عن القرية. بذرة شعب.
اللاجـــئ: أنتَ، لإسبانيا، بذرة طيبة جداً. إسبانيا!…يؤسفني جداً أن نضيعها. إني فقير، ليس لي سوى الليل. ليس هناك سوى إسبانيا واحدة، وأحبها كما لو أني ولدتها.
المحارب: سننقذها. هل أنتَ مستعد للذهاب معي؟
اللاجـــئ: أذهب إلى حيث تريد. أشعر أني أجدد شبابي كسنديانة عتيقة قرب أخرى فتية. هل تقبلي في القتال رغم سنواتي السبعين؟
المحارب: نعم. فلنذهب لكي نخرج ابنتك من مستشفي الأمراض العقلية ونتركها في مكان آخر ملائم وآمن. في مدة قصيرة ستسترد عافيتها. أعرف أن ابنتك هي إسبانيا. هيا لنخرجها من المستشفى الدامس الفقير؛ حيث وَضَعَهَا قَهِرُا الشعب ومضطهدوه.
اللاجـــئ: أولاً سأحمل الزيتون إلى الطاحونة.
المحارب: القه أرضاً قبل أن يجف أو يتعفن. إسبانيا قد بدأت وجودها، مستقلة، حرة. إسبانيا بستان العالم.
اللاجـــئ: (يفرغ جراب الزيتون الصغير بفرح. يذهبان) هكذا، أيها الصديق.
جيـــان
17/03/1937
(1) جيان Jaen مدينة إسبانية، تقع في شمال شرق الأندلس.
• النص مترجم من “الأعمال المسرحية الكاملة” الصادرة
عـن
“دار النشر أيوسو”
Editorial Ayuso
الطبعة الأولى ، الصادرة 1978
صفحات :423/429