1
جلس في المقهى، وطلب كالعادة فنجان قهوة. لم يفرغ من احتسائه حتى مرّ من أمامه حشد من الأطفال يضحكون، ويجرون خلف ذكر وأنثى من الكلاب متلاصقين، ويرمونهما بالحجارة.
فجأة قفزت إلى ذهنه واقعة شغلت الناس، وأضحكت الكثير منهم، لكنها كانت بين رجل وامرأة من أعلى الهرم الاجتماعي. لم يكن هناك انترنيت، ولا هواتف نقالة. حدث ذلك في بداية التسعينات من القرن الماضي.
كثرت الفضائح الجنسية. في كل مرة تظهر فضيحة تشغل الصحف، والصحف تشغل الناس. ولا تنطفئ حتى تقضي فيها المحاكم، أو يتم حفظ الملف لنقص في الأدلة.
لا حديث في المقاهي ومقرات العمل والدروب والأزقة إلا عن فضيحة هناء وأبي المعالي رئيسها في البنك.
2
قالت امرأة تقف بباب المنزل لجارتها:
ـ (ناري)* يا أختي هل سمعت ما وقع للمسخوطة التي لا تسمى مع مديرها في البنك؟
ردت الجارة بترقب ولهفة:
ـ لا ليس لي علم بذلك. أنت تعلمين أني لم أعد من القرية إلا البارحة. ماذا حدث بالضبط؟
أضافت المرأة بحماس:
ـ سمعت الناس يقولون بأن رجلا يُدعى أبا المعالي يرأس بنكا كبيرا في العاصمة الاقتصادية، لم يمض على عودته من بيت الله سوى ثلاثة أشهر أو أربعة. ولما خرج آخر موظف من البنك، دخلت هناء المكتب الكبير، وأغلقت الأبواب. سارت بضع خطوات، ووقفت خلف الكرسي الذي يجلس عليه الحاج. مرّرت أصابعها بنعومة حول عنقه، وفتحت الزر الأعلى للقميص، وأدخلت يدها الثانية لتعبث أناملها بشُعيرات صدره.
قالت الجارة:
ـ يظهر أنهما ألفا هذا (المنكر) مع بعضهما، وإلا كيف تتجرأ على فعل ذلك لأول مرة؟!
ثم أضافت المرأة، وهي تبتسم:
ـ البداية غير مهمة، لا بد أن الرجل أحس بدبيب لذيذ يسري في عروقه، فجذبها نحوه، وأجلسها فوق ركبتيه، وقبّل عنقها، ثم أخفى وجهه في شعرها، وأدخل يده من تحت القميص!
وضعت الجارة يدها على رأسها باستغراب:
ـ ناري ناري* مشى فيها الحاج*! دخل إلى المناطق المحرمة
تابعت المرأة:
ـ ثم عملا ما نفعله مع أزواجنا في الغرف المظلمة، رغم أنهما لم يحجبا ضوء النهار بإسدال ستائر نوافذ المكتب المطلة من أعلى على الخارج.
علقت الجارة باندهاش:
ـ (قفّروها)* المساخيط!
ردت المرأة، وكأنها تستدرج جارتها لمزيد من التشويق:
ـ لو توقف الأمر عند هذا الحد لهانت!
صمتت المرأة قليلا لتزيد من تشويق جارتها، ثم أضافت قبل أن تقاطعها:
ـ يقولون بأن هناء أجرت منذ وقت معين عملية زرع لولب لمنع الحمل، فحدث ما لم يتوقعه أحد. قيل والعهدة على الرواة، بأن قضيب أبي المعالي علِق من فتحته الطبيعية بأحد رأسي اللولب الذي يشبه صنارة صيد الأسماك، وكل المحاولات لتحريره باءت بالفشل.
قاطعتها الجارة، وهي تكاد تندب من شدة الصدمة:
ـ (ووك ووك)* على فضيحة!؟
طلبت المرأة من الجارة أن تنتظر قليلا، وستعود بسرعة. طعام الغذاء لا زال فوق النار، وإذا احترق هذه المرة سيطلقها زوجها بالثلاث. أطلت على آنية الطبخ، وأضافت كأس ماء، ونقصت من نار الفرن، ثم عادت إلى باب المنزل، ووجدت صاحبتها تترقب رجوعها ، فتابعت الحديث:
ـ هناء بدأت تبكي وتندب وتصرخ وتلطم خديها، وقالت بأن أمها ستقتلها، ولم يعد لها وجه تظهر به أمام الناس، وأقرت بأن الموت أرحم من الفضيحة!؟
صور الزوجة والأبناء والعائلة والمعارف وهي تنظر إلى الحاج بازدراء، أفسدت عليه التركيز والتفكير بسرعة في إيجاد حل ، يُنقذ به ماء الوجه؟!
ـ وكيف تصرف المسخوط ؟
ـ دعا أقرب صديق يثق فيه، ليساعده على التخلص من هذه المصيبة. عندما حضر صديقه عبد السلام، ورأى ما رأى، لم يجد أمامه من حل غير استدعاء سيارة الإسعاف. ولنقلهما إلى المصحة، ملتصقين بعد تغطيتهما بإزار أبيض، لا بد من إخبار الشرطة لتحرير محضر بالواقعة. وما إن وصلا إلى غرفة المستعجلات حتى ذاعت الفضيحة بين الأطباء والممرضات وجل العاملين بالمصحة. ولأن الطبق دسم، فبعض الممرضات غادرن مقر العمل قبل الوقت المحدد بساعة أو أكثر لينقلن الحادث إلى معارفهن من الجيران. وهكذا انتشر الخبر بسرعة في المدينة مثل الحرائق التي تندلع في الغابات عندما تشتد الحرارة في فصل الصيف.
وبعد شهرين نسي الناس الحادث، ولم يسأل أحد هل تمت محاكمة هناء وأبي المعالي أم لا.
3
لازال الأطفال يضحكون، ويطاردون الكلب وأنثاه، ويرجمونهما بالحجر. ربما أحس الكلب وأنثاه بألم شديد، وهما يجريان في الاتجاه المعاكس لفك الارتباط بينهما. بعض الشبان يضحكون، ويلتقطون (لايف)* للحيوانين الملتصقين، ونشره على صفحاتهم في وسائل التواصل الاجتماعي. الكبار أيضا يتابعون المشهد ويضحكون. بعض النساء والفتيات غطين عيونهن بالأيدي، وتركن فراغا بين الأصابع ينظرن منه خلسة، ويضحكن أيضا. بدأ هو الآخر يضحك.
4
وحده جورج غضب حتى صعد الدم إلى وجهه، وعلق على (اللايف) بشتم الجميع، ووصفهم بحيوانات متوحشة تفتقر إلى التربية والتحضر، وتعتدي على حرية كلب في الالتصاق بأنثاه. وطلب في صفحته على (تويتر) بأن يكفوا عن الضحك، ويمنعوا أبناءهم من مطاردة الكلاب. وأقسم إذا لم يفعلوا ذلك، ويقدموا اعتذارا، حتى يفضحهم عند جمعيات الرفق بالحيوان في كل أنحاء العالم، ويدعو سفارة فرنسا وكل بلدان الاتحاد الأوروبي والعالم المتحضر إلى منعهم من الحصول على الفيزا.
5
ورغم ذلك انتقلت عدوى الضحك بسرعة مثل فيروس كورونا إلى كل الهواتف النقالة والمقاهي والدكاكين ونوافذ الشقق المطلة على الشوارع نكاية في جورج والفيزا والاتحاد الأوروبي والعالم المتحضر.
الهامش
ـ (ناري)*: تعبير عامي يدل على شدة الاستغراب.
ـ مشى فيها الحاج : تعبير مجازي في العامية يعني بأنه سقط في المحظور.
ـ (قفروها): عملوا فضيحة عواقبها وخيمة.
ـ (ووك ووك): مبالغة في شدة التحسر.
ـ (اللايف): نقل شريط فيديو بالهاتف، ونشره مباشرة في أحد مواقع التواصل الاجتماعي.
مراكش 21 غشت 2022
1
جلس في المقهى، وطلب كالعادة فنجان قهوة. لم يفرغ من احتسائه حتى مرّ من أمامه حشد من الأطفال يضحكون، ويجرون خلف ذكر وأنثى من الكلاب متلاصقين، ويرمونهما بالحجارة.
فجأة قفزت إلى ذهنه واقعة شغلت الناس، وأضحكت الكثير منهم، لكنها كانت بين رجل وامرأة من أعلى الهرم الاجتماعي. لم يكن هناك انترنيت، ولا هواتف نقالة. حدث ذلك في بداية التسعينات من القرن الماضي.
كثرت الفضائح الجنسية. في كل مرة تظهر فضيحة تشغل الصحف، والصحف تشغل الناس. ولا تنطفئ حتى تقضي فيها المحاكم، أو يتم حفظ الملف لنقص في الأدلة.
لا حديث في المقاهي ومقرات العمل والدروب والأزقة إلا عن فضيحة هناء وأبي المعالي رئيسها في البنك.
2
قالت امرأة تقف بباب المنزل لجارتها:
ـ (ناري)* يا أختي هل سمعت ما وقع للمسخوطة التي لا تسمى مع مديرها في البنك؟
ردت الجارة بترقب ولهفة:
ـ لا ليس لي علم بذلك. أنت تعلمين أني لم أعد من القرية إلا البارحة. ماذا حدث بالضبط؟
أضافت المرأة بحماس:
ـ سمعت الناس يقولون بأن رجلا يُدعى أبا المعالي يرأس بنكا كبيرا في العاصمة الاقتصادية، لم يمض على عودته من بيت الله سوى ثلاثة أشهر أو أربعة. ولما خرج آخر موظف من البنك، دخلت هناء المكتب الكبير، وأغلقت الأبواب. سارت بضع خطوات، ووقفت خلف الكرسي الذي يجلس عليه الحاج. مرّرت أصابعها بنعومة حول عنقه، وفتحت الزر الأعلى للقميص، وأدخلت يدها الثانية لتعبث أناملها بشُعيرات صدره.
قالت الجارة:
ـ يظهر أنهما ألفا هذا (المنكر) مع بعضهما، وإلا كيف تتجرأ على فعل ذلك لأول مرة؟!
ثم أضافت المرأة، وهي تبتسم:
ـ البداية غير مهمة، لا بد أن الرجل أحس بدبيب لذيذ يسري في عروقه، فجذبها نحوه، وأجلسها فوق ركبتيه، وقبّل عنقها، ثم أخفى وجهه في شعرها، وأدخل يده من تحت القميص!
وضعت الجارة يدها على رأسها باستغراب:
ـ ناري ناري* مشى فيها الحاج*! دخل إلى المناطق المحرمة
تابعت المرأة:
ـ ثم عملا ما نفعله مع أزواجنا في الغرف المظلمة، رغم أنهما لم يحجبا ضوء النهار بإسدال ستائر نوافذ المكتب المطلة من أعلى على الخارج.
علقت الجارة باندهاش:
ـ (قفّروها)* المساخيط!
ردت المرأة، وكأنها تستدرج جارتها لمزيد من التشويق:
ـ لو توقف الأمر عند هذا الحد لهانت!
صمتت المرأة قليلا لتزيد من تشويق جارتها، ثم أضافت قبل أن تقاطعها:
ـ يقولون بأن هناء أجرت منذ وقت معين عملية زرع لولب لمنع الحمل، فحدث ما لم يتوقعه أحد. قيل والعهدة على الرواة، بأن قضيب أبي المعالي علِق من فتحته الطبيعية بأحد رأسي اللولب الذي يشبه صنارة صيد الأسماك، وكل المحاولات لتحريره باءت بالفشل.
قاطعتها الجارة، وهي تكاد تندب من شدة الصدمة:
ـ (ووك ووك)* على فضيحة!؟
طلبت المرأة من الجارة أن تنتظر قليلا، وستعود بسرعة. طعام الغذاء لا زال فوق النار، وإذا احترق هذه المرة سيطلقها زوجها بالثلاث. أطلت على آنية الطبخ، وأضافت كأس ماء، ونقصت من نار الفرن، ثم عادت إلى باب المنزل، ووجدت صاحبتها تترقب رجوعها ، فتابعت الحديث:
ـ هناء بدأت تبكي وتندب وتصرخ وتلطم خديها، وقالت بأن أمها ستقتلها، ولم يعد لها وجه تظهر به أمام الناس، وأقرت بأن الموت أرحم من الفضيحة!؟
صور الزوجة والأبناء والعائلة والمعارف وهي تنظر إلى الحاج بازدراء، أفسدت عليه التركيز والتفكير بسرعة في إيجاد حل ، يُنقذ به ماء الوجه؟!
ـ وكيف تصرف المسخوط ؟
ـ دعا أقرب صديق يثق فيه، ليساعده على التخلص من هذه المصيبة. عندما حضر صديقه عبد السلام، ورأى ما رأى، لم يجد أمامه من حل غير استدعاء سيارة الإسعاف. ولنقلهما إلى المصحة، ملتصقين بعد تغطيتهما بإزار أبيض، لا بد من إخبار الشرطة لتحرير محضر بالواقعة. وما إن وصلا إلى غرفة المستعجلات حتى ذاعت الفضيحة بين الأطباء والممرضات وجل العاملين بالمصحة. ولأن الطبق دسم، فبعض الممرضات غادرن مقر العمل قبل الوقت المحدد بساعة أو أكثر لينقلن الحادث إلى معارفهن من الجيران. وهكذا انتشر الخبر بسرعة في المدينة مثل الحرائق التي تندلع في الغابات عندما تشتد الحرارة في فصل الصيف.
وبعد شهرين نسي الناس الحادث، ولم يسأل أحد هل تمت محاكمة هناء وأبي المعالي أم لا.
3
لازال الأطفال يضحكون، ويطاردون الكلب وأنثاه، ويرجمونهما بالحجر. ربما أحس الكلب وأنثاه بألم شديد، وهما يجريان في الاتجاه المعاكس لفك الارتباط بينهما. بعض الشبان يضحكون، ويلتقطون (لايف)* للحيوانين الملتصقين، ونشره على صفحاتهم في وسائل التواصل الاجتماعي. الكبار أيضا يتابعون المشهد ويضحكون. بعض النساء والفتيات غطين عيونهن بالأيدي، وتركن فراغا بين الأصابع ينظرن منه خلسة، ويضحكن أيضا. بدأ هو الآخر يضحك.
4
وحده جورج غضب حتى صعد الدم إلى وجهه، وعلق على (اللايف) بشتم الجميع، ووصفهم بحيوانات متوحشة تفتقر إلى التربية والتحضر، وتعتدي على حرية كلب في الالتصاق بأنثاه. وطلب في صفحته على (تويتر) بأن يكفوا عن الضحك، ويمنعوا أبناءهم من مطاردة الكلاب. وأقسم إذا لم يفعلوا ذلك، ويقدموا اعتذارا، حتى يفضحهم عند جمعيات الرفق بالحيوان في كل أنحاء العالم، ويدعو سفارة فرنسا وكل بلدان الاتحاد الأوروبي والعالم المتحضر إلى منعهم من الحصول على الفيزا.
5
ورغم ذلك انتقلت عدوى الضحك بسرعة مثل فيروس كورونا إلى كل الهواتف النقالة والمقاهي والدكاكين ونوافذ الشقق المطلة على الشوارع نكاية في جورج والفيزا والاتحاد الأوروبي والعالم المتحضر.
الهامش
ـ (ناري)*: تعبير عامي يدل على شدة الاستغراب.
ـ مشى فيها الحاج : تعبير مجازي في العامية يعني بأنه سقط في المحظور.
ـ (قفروها): عملوا فضيحة عواقبها وخيمة.
ـ (ووك ووك): مبالغة في شدة التحسر.
ـ (اللايف): نقل شريط فيديو بالهاتف، ونشره مباشرة في أحد مواقع التواصل الاجتماعي.
مراكش 21 غشت 2022