نظر اليها مليا, تأمل كيف كانت سورا منيعا لم يستطع تحطيمه في نزواته الماضية ,كانت عينيه تزحف على جسدها المختوم بالصقيع .صمت قليلا وقد مرت به غيبوبة فشل في ان يضمها الى مملكته من النساء نموذجا للذة العابرة في سراديبه السحيقة
– يالها من امرأة لا تصلح الا للفراش
كان مثل هر يحاول شمها من بعد , او يتمنى ان ينشب اظفاره في ظهرها اورقبتها , او يود بمبضع ان يرسم نزواته على بطنها وهي تحتضن رحما متروكا منذ خمسة عشر شهرا.
كانت هيفاء تمثل له فجوة قاسية تنبعث منها روائح محاولاته اليائسة لابتزازها , وقد جرب طرقا شتى معها , تارة يعدها بتسهيل لقاء عابر لها بزوجها المعتقل ,نظير ان تأتيه بلحمها ودمها وتقضي معه ليلة واحدة , اويهددها بان يحشد الحشود لإعدامه بمعزوفة يتقنها جيدا ,وهي ارتباطه بجماعات تعارض السلطة, او يشهد هو اوغيره ممن يعمل بجهاز الامن , انه كان يسب رئيس الجمهورية اويطعن بعفة امه.
كان يتكلم عن زوجها من حافة الموت , و انه ألان ينتظر محكمة لم تنعقد منذ خمسة عشر شهرا ,فكم ارعبها مرات ومرات وجهر ذات يوم امامها بانه سجل له كاسيتا تعرض به لشخص رئيس الجمهورية .
و طالما كان يقف اما م عينيها وهو يرتدي سكونا مصطنعايخفي البحث الشاق لثمن خياناته المتعرجة , كان مبدعا بسوق قصص وهمية واكاذيبا واوراقا زائفة لمحظر محكمة وهمية , وكم كانت عينيها تتوسل لقراءة ماكتب عن زوجها حينما لوح لها ذات يوم بملفات يزعم انها سرية للغاية , فيهمس بابتسامة صفراء عاقصا عنقه الطويل:
– تستطيعين الاطلاع عليها عندي في البيت
لم تكن حينها بلهاء لتصدقه , لكنها كانت كمن يقف في ابواب مستوطنة يهودية لتحلم بخبر عن زوجها
انه يسمى سامي(طيرة) , ابتسمت ذات مرة لما سمعت بهذا الاسم ,اجابها ابن اخيها جمعه -انه يعنى الكذاب هكذا يتندر الاخرون به اذ كان يُطَيّر (الفيلة) بكذبه
كانت تدرك انه لايجيد الا القليل من الكتابة والقراءة و تدرك ايضا ان رحم امه صبريه قد تخصب من ستة عشررجلا, وربما هذه الاوراق لم تكن الا محض كذب او كتابات وهمية استعارها من احد مخافر الشرطة .وعرفت ايضا معنى ان تتسول منه خبرا عن زوجها مثل من يستأمن لصا في الظلام , ربما عرَّت آلامها أمامه ذات مرة فشعرت بذلة السؤال من يد بخيل .
هكذا كانت تنظر الى وجهه عبر هذه الخواطر التي تبعثرت بين انفه القصير وشاربه الضارب الى الحمرة وهي تبحث عن زوجها ومن ثم اخيها بواد سحيق منذ ان اعتقلا قبل
اكثر من سنة اذ اخبرها ان اخيها مودع في زنزانة ينتظر حكما نهائيا , وقد اوصل له المال الذي بعثته له , وامام حيله لم يكن بوسعها الا ان تصدقه . لم يكن صادقا لكنها يجب ان تصدقه وان قالوا عنه ما قالوا , كانت تراه احيانا مثل الضبع , يقظ ترشح من منخريه كل صور الخيانة و الموت لكن الوقت لم يكن بصالح زوجها ايضا فأي تهاون منها يعني انه سوف يلاقي حتفه سريعا ومما زاد في شكوكها ان ثمة شائعات ترددت عن ولائم كان يقيمها لكبار الضباط في بيته ,كل هذه الاخبار تناهت الى سمعها في لحظة ان كُتبت احداثها في كتاب سوف تشتعل اوراقه فيه .
شعرت بالخوف من شبح الايام والساعات القادمة وان اللحظات تلسع زغب وجنتيها ……انها تقف امامه الان !!
لقد فاجأته في ذلك اليوم وهي تبتسم أمامه ابتسامة عريضة ونظرات جريئة ,كان وجهها القمحي يبحث عن شاعر لكي تلهمه قصيدة غزل زائفة تصف انفها الاشم وعينيها الواسعتين لتقف أمامه متوشحة بجمالها الاخاذ لقد اسكرته فلم يتذكر ماضيه حينما اراد ان يمسك يدها عنوة ذات يوم ممطر فبصقت بوجهه حتى امتزج البصاق بماء المطر, بينما كان شعره القصير المنتصب في فروة راسه يكاد ان يهرب من الدهشة و حتى تحول وجهه الى شحوب يشبه اديم الارض اليابسة ليمتص رغوة البصاق , الان تحولت امامه الى صورة جديدة تشع الوانا راعشة سوداء او بيضاء , كانت اشواكا من الخوف تنبت في جبينها ,فهذا الوجه الماثل امامه هو هو ذلك الوجه الذي حدَّثه يوما بحديث المساومة في ان تأتيه الى دار اعدها في اطراف المدينة او كما قال لها بعد بضعة ايام :
سوف تتعاظم ملفات زوجها واخيها في دائرة الامن .
وقفت كمن يقف على ساق واحدة , تكاد ان تنهار او تتعثر بين خياله الكابي , كانت تنظر إليه شزرا بابتسامة مبتسرة للبوة حبيسة . انها الان تعانق شبحا قضت ليلتها تتهرب منه , كانت امضت ليلتها ارقا تداعبها بين الفينة والاخرى نشوة عابرة ماتلبث ان تعثر بين تلافيف دماغها فتغمض عينيها كمن يطرد خيالا مرعبا ….انها الحيرة و تقريع النفس وشيء اخر.
-انه كلب ولابد ان اهشم راسه …. همست لنفسها وتصنعت الصمت
لكنها تمتمت بحنجرة متخشبة :
-ها انا ذا جئتك بلحمي ودمي مستعدة لكل طلباتك
كانت كلماتها مثل بزوغ الشمس في حيرَتِهِ, لقد تفاجأ مثل كلب يبحث عن شيء يعضه فقفزت هي أمامه مثل سمكة تكسرت زعانفها ليمضي مبهورا بعرض سخي توسل بها منذ بضعة اشهر فلم تنفحه برهة شيطانية واحدة , وها هي الان جاءته بقوامها اللدن الذي تمنى ان يرصد كل نتوءاته لولا ملابسها السميكة , حتى انه لم يستطع ان يتخيل الا بصعوبة ان لها مثل باقي الفتيات اعضاء خفية , كان ثعلبا يبحث عن صيد ربما فكر يوما ما بان يمسك يدها و يشدها بعنف لينتقم من تمنعها الزائف او يمزق عباءتها السوداء او يطيح بشالها الداكن, يشدها من ضفيرتها او يستخرج ولاعة السيكاير ويحرق جلبابها الاسود او يخرق بدنها كله بجسده المسعور … اما الان فلا داعي لكل هذه فهي امامه لقد تبدلت اذ اصبحت عاشقه لم يصدق ان يمسك القلم ويكتب انشودة بيعتها وهاهي قد جلبت زنابق الرغبة الى ساحته الاسنة . كانت ترتدي في ذلك اليوم جلبابها الاسود وبكامل هيئتها وصك البيعة بيديها الباردتين …. قال:
– مرحى ما هذا التطور الغريب
قالت:
– راجعت نفسي وكنت على خطأ
-حسنا لتدخلي في البيت
قالت :
سامي ….وصمتت .
كانت المرة الاولى التي تنطق باسمه من دون سب او صياح
-لا ليس البيت مكانا للقاء
-اين
-اني اخشى اولاد عمومتي او ليست لديك بيت خارج المدينة
-نعم المزرعة
-اذن هناك …حسنا سأتركك الان
-انتظري
-سأسير امامك, اتبعني الى نهاية المنعطف لاقف عند نهاية الشارع حتى لا يرانا احد
وانطلقت تحث السير كانت المسافات تصغر امام خطواتها القصيرة كان يتابعها بنظراته وقد تحول كل جزء من بدنه الى شظايا من الهوس, لا يسع اي غيمة دكناء ان تغسل رائحه الرغبة فيه حتى سترته الزرقاء قد تحولت الى خيوط مجنونة لا تستر جماحه وكأن الأزرار السوداء بدأت تنصهر بحرارة اللذة العارمة, انه يسير الى ساعة عارية تماما كلما استحضرها اتسعت حدقتاه وسالت رغبته مثل مياه النهر تتابع تزايد ضربات قلبه المتسارعة
وكانه فتى غر يشعر بدفء ارملة احتضنته, لم يتمالك نفسه ان سار وبيده مفتاح السيارة الحمراء وهو يتأمل في كل موضع من بدنها يحاول ان يجد ربوة او واديا او ارتجاج لشيء ما كيما يستحضره . اما هي فقد كانت تقف في نهاية الشارع الترابي .
كان الطقس غائما وكانت نسمات الشتاء تمشط خصلات شعره الخفيفة وثمة نثيث من المطر الخفيف اشبه برذاذ من البصاق اللزج ينقر جبينه وصلعته الصغيرة بينما كانت السماء تنذر بالرعود .
اقترب منها , ابتعدت منه ففتح باب السيارة الامامي لها , تمتمت بابتسامة مبتسرة:
-سأجلس خلفك
قال تعالي …. ليلامس ردفيك مقعدها الامامي
– لاتستعجل
كان العرض صاعقا وتساءل اذ كيف سقطت هذه الاميرة العاهرة في حبائله وهمس لنفسه
– ساجن حينما نجلس معا, اذن هذا الزائفة كانت تخفي كل هذا العهر الجنوني اين كنت يا هيفاء ؟ كانت الجملة الاخيرة انطلقت بلا وعي فسمعتها ولم ترد
حبات المطر بدأت تحدث صوت تساقط بسيط فوق قمرة السيارة و صوت محرك السيارة هادئ بالكاد ان يسمع والطريق يكاد ان يكون خاليا الا من كليهما على امتداد مساحة الزفت التي تضفي عليه لونا نفطيا مميز, وعلى جانبي الطريق ليس ثمة الاعاقول واشواك يابسة,كانت تشعر انها تسير في واد سحيق بينما كان تكاثف الغيوم يحمل حزنا ونداء خفي بالبكاء ارادت ان ترفعه عن كاهلها , تيقنت من انها لم يرها احدا وهي تضع عفتها مثل باقة من زهور صناعية بين يديه .
ادار وجهه لينظر اليها كانت تائهة في خيال بعيد لم تكن فيه روائح ازهار حمراء انما كانت فيه رائحة سقوط المطر على ارض رملية في بداية شتاء جديد وحدث مرتقب …. تمتمت:
– انتبه لنفسك
– لا ليس ثمة من عثرات ..,
واردف بثقافة جعلت فرائصها ترتعد:
– كم مرة مارست مع احد غيري؟
– ها انا جئتك وردة حمراء لتسافرمعك في عالم اللذة , قطعني اربا اربا تحت لهاث رغبتك من هو الرجل الذي يساويك قوة وفحولة
– هيفاء …..
صمت قليلا وهمس لها ملتفتا :
– هيفاء وددت لو افعلها الان هنا. واشار الى الكثبان الترابية التي تناثر عليها العاقول والعرفج فتمتمت وهي تبتسم ابتسامة انفرجت بصعوبة من فمها فكانت اشبه بملكة حزينة يزيد ذبول ابتسامتها أسارير وجهها جاذبية , كان يلتفت اليها بين الفينه و الاخرى وبدا وقع كلماتها كأنما يمتزج مع هزيم الرعد بينما تصاعد صخب اغنية شعبية من راديو السيارة التي اخذت تسير بهدوء بين اشجار بدت تتكاثف شيئا فشيئا في نهاية الطريق وكان ثمة منعطف يتجه الى المزرعة ومنه الى ممر ضيق يتسع لمرور سيارة اذ خفف من سرعته لكي يلج في الممر الضيق وهو يتأملها كان مرور السيارة وهي تحتك بأغصان الصفصاف يضفى عليها شعورا بالهدوء والسكينة بينما كان هطول المطر اخذ بالتزايد فبدت كل رغباتها صدئة اما م خيال لا تستطيع اطفاء جذوته , كان يقف امامها جائعا مثل فوهة قبر فاغرة , شعرت ببرد شديد في بدنها في عصر شتائي بارد وبدا امامها سامي وهو يختال في سيره البطيء , اركن السيارة جانبا ولأول مرة اخذت تنظر الى وجهه المحتقن ورقبته البيضاء الطويلة وشعرة الاجعد الذي الذي تخيلت كانه استطال , تأملته وهو يمسح شاربه الضارب الى الحمرة , رفعت يدها تدعوه ان لايقربها قالت الطريق مكشوف واي قادم سوف يرانا.
ابتسم ابتسامة مخذول واشار اليها ان تسلك ممرا اخر اخذ يتبعها يحاول ان يحقق حلما حلم به منذ بضعة شهور وتمتم
-انتظري
كان قد اخرج مفتاحا فضيا لامعا وانعطف قليلا كيما يفتح بابا حديديا اسود ,امتدت يداه لفتحه على مصراعيه وهو زائغ البصر, لكنه بهت فجأة وهو يرى مصراعي الباب بلا قفل وثمة نور في ركن الغرفة المبعثرة ولم ير الا السرير الحديدي فهو مازال مرتبا بشراشفه الحمراء,شعر ببعض الدوار ولكنه حاول ان يخفيه وهو يستنشق رائحة شيء غريب هل هي ..؟! لم يستطع ان يكمل تساؤله حتى انتصب جمعه من وراء الباب يخفي سكينة وراء ظهره
كانت هيفاء خلفه تشيح ببصرها تنظر الى مسمار معوج نبت في خشبة الباب المصبوغة بدهان احمر, وكادت ان تقع على الارض عندما رأته….كان سامي اخذ يصيح مثل ثور مذبوح يتلوى ثم ترنح فجأة وهوى في لحظة عذاب ابدية لم يعيها في يوم ما جعلت منه سادنا لمحراب الموت , كانت طعنة نجلاء في صدره باغته بها جمعة, لم يصدق سامي ان يرى بريق النصل حتى اتسعت عيناه من الدهشة انتزع جمعه السكينة من صدره ثم طعنه طعنة اخرى في بطنه اغمد كل نصل السكين حتى اندلقت امعاؤه الدكناء سقط سامي على الارض كان وجهه اشبه بوجه شحاذ شاحب تحول الى ليمونة ذابلة بينما كانت هيفاء ترتعد مذهولة , حينما انسلت يدا جمعة لتمزق سرواله بحثا عن مكان لازال دافئا لم تصله برودة الموت , كان بريق النصل يهتز بعنف و يمتزج بتنهدات مكتومة جعلت جمعة يجتث اسم سامي الرباعي بعنف ليزيحه عن سكرات الموت ….بطقوس أشبه بالختان ولكن …. اي نمط من الختان لمن اختتن منذ أربع واربعين عاما
20 نوفمبر 2021