الى صديقي عبد الكريم العامري استذكارا لاحلام المقهى
(1)
اخترق النور العتمة
بين الشارع والمقهى وطن يتنفس خوفا
وجع يخترق الاصوات
فماذا تحمل في راسك
من وجع السابلة المرتادين على المقهى
يتنفس صخب المسرح في راسك كل صباح
يتصيد اخبار الصحف اليومية
في وطن اتعبه البؤس
ففر الى جيبك محتفضا بقرار سري
يصعد
ينزل ,يخرج ,يلتف كما حبل سري فوق الرقبة
هل تعرف ما ينطق في داخلك البوح السري
ثورة صمتك تتعمق مابين الفكرة والبؤس
وشخير الحارس وامراة تتسول قرص الخبز
(2)
من يصحبك الليلة للمقهى
في اي مكان تجلس
مابين الظل وبين الشمس
مابين الشاي ورائحة الكاس
الخمارون يجوبون شوارع قلبك
والنادل ينظر من خلف زجاج المقهى
– هل تطلب شايا ؟ ( سنكينا ) او ……
– هل ياتيك النادل بالشيشة او يتباطا في التحضير
– هل تختار مكانك بين الفقراء
– هل تتحدث عن وجع ياتيك
بإحزان البؤس
تقطع افكارك نهرا يتلوى كالافعى
يسكن جنبيه الشحاذون بلا ماوى
– ما احزن ان تتعلق بين دخان يتكاثف من رئتيك
وبين الأقدام الزاحفة على طول الشارع نحو السوق
ما احزن أن تكتظ الأنفاس
بأحلام الباعة حين يكونون قريبا منك
خذ نفسا
وامنح أقدامك شوقا لعبور الأسوار المكتضة بالراس
انظر .. ……
ها هي تأتيك الأصوات محملة تحشر انفاسك
عبر زجاج المقهى الشعبي
ها أنت توظف نفسك مابين لهيب النار
وبين حصير التخت الخشبي المتآكل بالحيرة
لا تدري اي الاشياء تطل على راسك عبر الافكار
(3)
أهزوجة حزن
حين تمر ببالك
فالمقهى يجلس فيها ( البطالون ) من الكسبة
والفنانون وعمال المسطر حين يكونون بلا عمل
الشعراء المداحون
ورجال الاعمال
وانت تحاور نفسك :
كيف اجتمع الكل على تخت المقهى
خذ نفسا ياصاح
هل كنت حريصا
هل تتبع مايجري في اعماق المجتمعين
(4)
خذ نفسا
فالانفاس على مايبدو اكثر وجعا
لكنك تدري ان بقاءك يمنحك الاذن
بان تكتب ما مر امامك
من احوال الناس
سكارى الليل يبولون على ارصفة الشارع
ارشف ماشئت
فالصورة قابعة في اذهان الفارين من النوم
وانت تمارس لهوا
مابين اصابعك المملوءة ضجرا
وحصير المقهى
والجلاس
(5)
لا تكتمل الصورة بالنوم
حين توقفت الشمس على راسك
وانتفض العرق المتصبب منك على ثوبك
ياالله
شوارع سوق العشار
ما زالت منذ الصبح
تتدفق بالناس
الفوضى تتزايد وصياح الباعة
– هل ترحل ام تبقى مثل البعض ؟
الشيشة مازالت عامرة
خذ نفسا
وتخيل بدخان النفس المتصاعد من فمك الان
نساء يتسكعن
يتسولن على ابواب الباعة
ياتينك يمددن بايديهن اليك ويهمسن
( على باب الله )
ادخلهن على ( كاروكك )
فالمسرح يعتم من دون نساء يتسولن على الابواب
انحت لك قلبا معجونا بالطين
واحلم ماشئت من الاحلام
تعكز تاريخا ممتلئا بالوجع البصري
فما بين اللحظة واللحظة ازمنة عابرة
ارملة عابرة
اطفال بين الفقر وبين الفاقة
اقدام تتسابق مابين الباعة
والحمالون وباعة صحف اليوم
وحين يمر صباحك مغمورا باللهب الحارق
والاقدام المتسكعة المهروسة بالهم
تناسى وجع اللحظة
واكتب ما شئت
ففي البصرة ما يدمي القلب
من الهم واحوال الناس
سيرة ابناء الحرب
المقهورون تمر عليك بدون عناء
– لا تضجر
فهنالك من ياتيك بانباء الحرب
ومن ياتيك باحزان النسوة ويتامى الاطفال
واساطير المدن المغدورة جراء الرعب
ثكالى ويتامى من حرب التخمة في الموت
يعتاشون على ما يلق به العابر من نقد
ياهذا ……..
هل تنظر من مر على ابواب المقهى
هل يجري الوقت امامك
هل يعبرك العمال البسطاء
وهم يشوون قلوبهم الملتاعة من تعب اليوم
هل ياخذك النوم وانت تغطي جسدا يتضور جوعا
هل تاتيك الاسماء المغشوشة بالتزوير
هل تتذكر ( ساجدة ) وهي تمر امامك متعبة
هل تسالها عن سيرة ادباء المقهى
اواخبار النسوة في الرابطة البصرية
اتراها تتحدث عن سفر قضته علاجا في المشفى
ام عن سفر في الغربة
لا باس
عن ماذا يخطر في بالك
وهي تصارع موتا يزحف للقلب بلا استئذان
(6)
لك ان تشرب الم الشارع
او تعتصر القلب باحزان الفقراء
الشحاذون
وصباغوا الاحذية المعتادون على وجع الجوع
– هل تصبغ ياعم ؟
هو يعطيك النعل
ويخلع عنك حذاءا اكلته شوارع اسواق العشار
لك ان تختار الان
الناس امامك تركض كالشريان
اصوات تتارجح مابين البائع والشاري
ضحكات تملا أفواها لا تدري مصدرها
وانت بلا حق تتآكل بين الجدران
اسمع ياتيك الصوت الخافت من مذياع المقهى
النادل ياتيك سريعا يتساءل
– هل ارفع صوت المذياع
ام كلثوم تردد مايذكي فيك الروح
يرتعش الشارع
وتغمر أنفاسك رائحة التبغ
المعجون بأفواه أتعبها الصمت
فأضحت لا تعرف مايعني الخوف
حين تغني او تنطق
اه من وجع يمتد بأنفاسك
خذ نفسا
واعزف عن مسرحك المملوء بحزن الناس
وتلق الطعنة مازلت مليئا بالاحساس
(7)
في البصرة
لا يجتمع الفقراء سوى في المقهى
تجتمع الاحزان مع الافراح
شمس تصهرهم صيفا
وهواءا مملوءا بضباب الشيشة
يتنفسه الجالس و العابر
وشتاء اكثر قسوة
هل تدري ان شتاءا مر عليك
وانت تمارس عزلتك المعهودة في المقهى
تخت خشبي يتعب جلاسه
هل اوجعك البرد صباحا
هل زارتك الشمس وانت تعاقر بوح الشيشة
خذ نفسا
وتذكر ان الليل سياتي في وجع اخر
من داخل بيت تتخلله الاحزان
هذا زمن لا ينضب من وجع
خذ اوراقك واكمل ماتكتب من حزن
الحزن طويل يتناقل في الاعين
في البصرة
مدن ترحل بالموتى
لا شيء سوى ان تجلس في المقهى
او تركن في جدران البيت
تشرب شايا ممهورا بالصمت
محترقا بالنكهة من اثر النار
والشمس تمر عليك لتجمع احزانك
ترميها في نهر العشار
او تشرب معك الشاي
وحين يغطي وجهك صمت الليل
تدفع اقدامك اوصال الشارع
تعبر اصواتا تتبضع حزنا
لا شيء سيجبرك الان على الصمت
ادخل مسرحك الان
لا تتدخل في مفرمة الساسة
وسياسيوا اللحظة والاذعان
او تعطي رايا يدخلك السجن
كن مستمعا مثل عباد الله
(8)
خذ نفسا
فالشيشة ما زالت عامرة
والشاي يمر على شفتيك بدفء
مرا كمرارة هذا الوجع المتراكم في عينيك
واستمتع بقراءة طالعك
المكتوب من الفنجان