منذ الليلة الأولى فى حياتها الزوجية ، أدركت أحلام ذات الثلاثة و العشرون عاماً أن أيامها القادمة ليست وردية كما تخيلت.انصرف المدعوون من حفل هذا الزواج ، من قصر السيد حسين رجل الأعمال ذو الستون عاماً.دخل السيد حسين و عرُوسه إلى غرفة النوم و تبادلا الحديث بعض الدقائق. قالت أحلام:
_ أرجو أن تخفض الإضاءة ، لاننى أشعر بالحرج و أريد أن أغير ملابس.
تمدد السيد حسين على السرير و خفض الإنارة بجهاز التحكم عن بُعد. و قبل أن تكمل أحلام تغيير ملابسها سمعت غطيط نومه ، قالت فى نفسها – كذباً – ربما انهكه تعب اليوم و الحفل.
أستيقظ السيد حسين باكراً فى السادسة. أمر الخادمة أن تعد الإفطار. عاد إلى غرفة النوم لكى يوقظ عرُوسه و قال لها:
_ بعد الإفطار سوف نذهب إلى النادي لكى نداعب نسيم الصباح ، و اشرب قهوتى .فهذا أول روتين يومى تعرفينه عنى . أننى احب أن أشرب أول قهوة لى بالنادى الموجود بالجوار. بعد ساعة تقريباً ، خرج الاثنان من باب القصر ، و أحلام يكتسي وجهها كآبة ، وبعيناها حزن ملحوظ . المفاجأة ، سيارة جديدة فارهة عليها شريط أحمر من الحرير أو الستان ، و قال السيد حسين:
_ هذه السيارة ، هدية الزواج ، أنها سيارتك بالسائق الخاص. أول هدية لكِ ، حبيبتي. ردت أحلام على زوجها :
_ شكراً ، دام حبك و هداياك زوجى العزيز.
أقبل المساء راكضاً. ذهبا الإثنان إلى الفراش. بعد برهة من الوقت ، سمعت أحلام أسوأ موسيقى – التى سوف تعتاد عليها – و هى غطيط نومه. أستمر هذا الوضع قائماً أسابيع قليلة و هى صابرة دون كلام ، لكن بداخلها نار مشتعلة ، و سيل من الأفكار لا نهاية له ، و رغبات جسدية مكبوتة تنخر فى العظام و تحرق فى الاحشاء. ذات يوم ، ايقظته من نومه ، كلمته بلا حياء ، سألته:
_ هل سوف تنام فقط؟ قال لها :
_ نعم ، انا ليلاً لا أصلح إلا للنوم .
حاورته ، كلمته عن حقوقها الشرعية كزوجة.عبر لها عن عدم استطاعته ، و قال لها :
_ أنا مريض منذ عامان ، و لا أقدر أن أقوم بهذا الواجب الشرعى، أطلبى أى شيئاً آخر وأنا البيه لكِ.لا تبخلى على نفسك فى الطلب ، أطلبى!
عرفت أحلام أنها زوجة واجهة اجتماعية فقط. و لن تأخذ حقوقها الشرعية من هذا الرجل. توالت الشهور. أصابها نوعاً حاداً من الأرق الدائم ، و طوفان من التفكير المنهمر ، كادت تُجن . هل تطلب الطلاق ؟ هل تستطيع مواجهة هذا الغنى الأنانى ؟ و هى الفقيرة التى وجدت الفانوس السحري و مارده !! لكن كيف تتخلص من الأرق و نداء الجسد ، و تحتفظ بهذا المارد الذى يلبى الطلبات بحكة واحدة؟
أربعة أيام من كل أسبوع ، يصحو السيد حسين ، يذهب إلى النادي ، يحتسى قهوته ، و لم يعد إلى البيت ، بل يذهب لكى يتفقد أعماله و مصانعه.ثلاثة أيام ، يحتسى قهوته و يعود إلى البيت ، لم يخرج هو و أحلام للتنزه إلا مرة فى الأسبوع.و يعود كل يوم ليلاً إلى النوم و خذلان النفس و الجسد. أحلام يفترسها الأرق ليلاً ، و يضرم النار فى هذا الجسد العشرينى . و كأن الليل متآمر عليها ، يأتى مسرعاً راكضاً ، فهى تجيد قتل الساعات أثناء النهار.
فى أحد الأيام التي يغيب فيها السيد حسين عن البيت نهاراً ، استدعت أحلام السائق إلى الداخل ، ضايفته، قدمت له العصير و طبق ملئ بالتفاح الاحمر و الموز . دار حديث بينهم ليس طويلاً. أدرك السائق من بعض التلميحات القاسية المتخفية بين الكلمات أنه مجُبر على إقامة علاقة مع هذه السيدة الشابة . إن لم يفعل سوف يفقد عمله ، مصدر رزقه .تكرر هذا الأمر مراراً و مراراً. لم تكتفى أحلام بهذا ، بل فكرت بدهاء فى الاستحواذ على شخص ما ، يرضخ لها وقت الحاجة ، ليلاً أو نهاراً. فالسائق يعمل دوامه و يعود إلى بيته.
طلبت أحلام من زوجها أن يتخلى عن خدمات الحاج عبد الستار ، الجانينى الذى يرعى الحديقة. و ذلك لكبر سنه . اقنعت السيد حسين أن يصرف له معاش شهري دائم . و قررت هى أن تعلن عن وظيفة مهندس زراعي أو طالب كلية زراعة تحت التخرج فى إحدى الجرائد. ليتم تعيينه فى وظيفة الاعتناء بالحديقة. بعد الإعلان ، جاء كثيرون لمقابلة ربة العمل .بعد المقابلات ، وافقت أحلام على بدوى .شاب من المحافظات النائية ، قدم إلى العاصمة لكى يدرس الزراعة في الجامعة ، فى العشرين من عمره ، قوى ، طويل ، عريض الاكتاف ، وسيم. وفرت له إقامة دائمة فى إحدى غرف الحديقة ، و جهزتها لكى تصلح للمعيشة. اتفقت معه على راتب شهري مغرى. بدأ بدوى العمل ، نسجت أحلام خيوطها حوله ، و عرقلت قدماه فى فخها. أغدقت عليه بالهدايا ، اشترت له الروايات الرومانسية و بعض داووين نزار قباني و فاروق جويده. وفرت له جهاز حاسوب ، وضعت فيه ملف خاص باسمها ، ملئ بالافلام الرومانسية و اغانى الزمن الجميل.امالت قلبه بحنكة الأنثى عندما تريد أن تنتقم لنفسها و لحرمانها من لكمات الحياة. استغلت فوران شبابه شبه يومياً أثناء نوم السيد حسين.
أخذت تفكر في نفسها و فى مدى ما وصلت إليه ، و كانت لا تعرف هى التى ظلمت الحياة ، أم الحياة التي ظلمتها.