من سنتين غادرت قراءتها بعد 20 صفحة .. لم ترق لي .. ولاني احارب عاداتي القرائية واحورها باستمرار فقد عدت للرواية بعد يومين اذ انا امام رواية تمكنت من اجتيازامتحان التاريخ وتخلدت .
رواية تتناول رئيس الخدم -ستيفز – يعمل في دار لنجتون هول البريطاني ..الذي يفني عمره في خدمة صاحب الدار اللورد البريطاني , المؤثر بقوة في مجرى السياسة البريطانية .. متخليا عن اية احلام سوى المهنية , كابتا عواطفه مشغولا عن العالم الا احداث القصر ..وهو يرى انه بتفانيه بخدمة اللورد سيساهم بخدمة انكلترا .
حين توج بجائزة نوبل 2017 رسمت الاكاديمية السويدية انجاز كازو ب (كشف الهاوية التي تقف تحت شعورنا الوهمي بالاتصال بالعالم في روايات تمتلك قوة عاطفية عظيمة ).
وعلى القارئ ان يتعامل بحذر مع التوصيفات السويدية لحاصدي نوبل ..لان اهم ما يميز باولو ايضا هو تناوله لشخصيات بعيدة عن التناول ويشبعها بحثا .. ان الكتابة عن مثقف اسهل بكثير من الكتابة عن مثل هذه الشخصيات ..مثلا ان كان البطل حوذيا فانت محدد بالبحث او كان شاعرا او كاتبا فبامكان المؤلف ان يزج بافكار ثقافية وفيرة ما يسهل عليه مهمته .
يضعك الكاتب في بقايا اليوم امام ازمة حقيقية ذاتية وموضوعية من السطور الاولى .. فانت امام جشع رأسمالي واضح فقد تحولت ملكية الدار لغني امريكي وطلب من رئيس الخدم ان يسرح الخدم وان يعتمد على 4 اشخاص .. تصور حال ستيفر وقد كان يدير القصر ب17 فردا و28 في بعض الاوقات …كيف سيحافظ على الفخامة في القصر والخدمة الفائقة .. ولعل المالك الجديد التقط الحرج من ملامح ستيفر فقال له -تتمكن من اضافة خادم خامس وان تستعين ببعض يعملون بالقطعة , مؤقتين -.. انه اول ادانة للجشع الرأسمالي , اربعة بدل عشرين . ويطلب منه ان يتمتع باجازة ليرى جمال الريف الانكليزي وللتشجيع يطمئنه -الوقود على حسابي – هذا الموقف تزامن مع رسالة مهمة من زميلته في العمل انسة كنتيون ـ التي عملت معه لعشر سنين ـ وقد غادرت الدار لتتزوج ..اذن يمكنه ان يقصدها فيقنعها بالعودة الى العمل .
وبين الاستذكار للقصر انكليزيا وامريكيا تشتغل الذاكرة والمقارنة بين حضارتين مختلفتين واسلوبين متغايرين بالتعامل مع الاحداث ..ويتم تسليط الضوء على التغيرات الاخلاقية ..
كان ستيفز قد ركز كل طاقته الفكرية والنفسية لانجاح الخدمة ربما هو يرى بهذا النجاح نجاحا للامة ..لهذا توّج باعلى درجات ضبط النفس والاداء الاداري الفائق .
لكنه خلال ذلك ينسى نفسه فيهمل الانسة كنتيون ولا يعبر لها عن مشاعر, لقد كبح نفسه بجدارة .. ولم يمض لاغماض عين ابيه الميت بل كلف زميلته بذلك ..وهو معهم بالقصر لانهماكه بتادية خدمة في اجتماع مهم ضم اصحاب هتللر وانكليز وفرنسيين .
تتحدث الرواية عن زمن كانت البشرية فيه على شفا حفرة .. وان القبضة الهتلرية الصلبة في طريقها لاكتساح العالم . فهل كانوا محقين عندما ادين اللورد البريطاني بالتواطيء ..وهل استجابت لكبير الخدم زميلته حين دعاها للعودة وما سر تفاني الاب وهو يؤدي خدمة بالقصر اعتادها لكنه تلكلأ بها بسبب العمر. اسئلة تلح ان تقرأ الرواية لتستكشف اعماقها .ورغم ان تراخيا يحدث في الرواية نسبيا الا ان قوة الاحداث لا تدعك تتمكن من الفكاك من سلسلتها التي تسحك بقوة .
اثناء تسلم كازو نوبل ذكر ( لوالتقيتم بي سنة 1979 ربما لوجدتم صعوبة بالتصنيف حولي من الناحيتين : الاجتماعية والعرقية .. كان محقا فقد نجت امه من القنبلة الذرية على اليابان وانتقلت عائلته الى لندن سنة 1960 لكنه لم يحصل على الجنسية البريطانية الا 1982 ورغم ان تربيته صارمة ـ فكانت عائلته تشترك بسلسلات تعليمية وادبية يابانية وتطلعه عيها ليشد الى بلده ـ فانه لم يزر اليابان الا متاخرا ما خلق لديه ما يمكن تسميته -دسنتر سيلف – الفجوة النفسية .
حولت الرواية الى فلم بنفس العنوان ادى دور رئيس الخدم الممثل الاوسكاري انتوني هوبكنر , ما اكسب الرواية شهرة اعظم.
ــــــــــــــــــــــــــ
ولد كازو 1954 باليابان , انهى الماجستير في الكتابة بالفنون الابداعية بانكلترا ..له اكثر من 8 روايات مترجمة, من رواياته : (من لا عزاء له – لا تدعني ارحل -بينما كنا يتامى صدرت في سنة 2000 -ورواية كلارا 2021.
كتب بقايا اليوم بشهر واحد وقد اغلق هاتفه وانعزل حتى اتمها . رشحت رواياته لاكثر من 40 جائزة عالمية .