ومع كل دورة للقمر تتفجر أنوثتي الملتهبة، تتورم أثدائي، دوامةٍ عاصفةٍ مِن الألم تدور أسفل بطني وظهري، لا تنتهي إلا بإنفجار بركان الدم النازف، ازداد توتراً، تتلبد سمائي بالغيوم الداكنة، يخيم الحزن على قلبي، أنوثةٌ مجروحةٌ تبكي طفلاً، أملاً يضيعُ مع كل دورةٍ للقمر، تصرخُ بداخلي الأمومة:
أين طفلي؟ أين و لدي؟
يجيب جسدي نفس الإجابات المتكررة كل شهر، ولا أمل يلوح في الأفق، أُخرِسُ أمومتي المذبوحة من الوريد إلى الوريد، تقتلني نظراتُ الأبوة المفقودة في عينيه، وحين أسأله، يُنكِرُ رغبته الجامحة في طفلٍ يْكمِل معنى الحياة ويهبنا شرف الأمومة والأبوة.
ثمانِ سنواتٍ، مَكّنتْ اليأس من أملي، بعد أن طرقتُ كل أبواب العالِمين و العارِفين، صارحته بقراري .
كان جالساً عصر ذلك اليوم يحتسي قهوته في شرفة المنزل، تقدمتُ نحوه وأنا أقول:
سوف أترك البيت… سأرحل عن حياتِك…من حقك، أن تجرب حياة أخرى، لِتُصبح أباً.
نظر لي نظرةً حانيةً وهو يقول:
ألم أقل لكِ إنك عندي بالدنيا وما فيها… إن حبكِ يغمرني… لا حاجة لي بحياة أخرى…بل لا حاجة لي بطفلٍ…متى تفهمي هذا الأمر؟
نكستُ رأسي خجلاً من موقفه…لكن حبي له أكبر من أنانيتي.
حملتُ حقيبتي وتركته مستغربا من أصراري على الرحيل.
نادى عليّ ببضع كلمات ضاع صداها في أرجاء البيت.
علمتُ إنه لم يُشَدّد عليّ البقاء، ليسمح لي بالرحيل، يمنحني وقتاً استريحُ به من غوصي اللامتناهي في بحر أحزاني.
شهراً كاملاً وأنا أصارِعُ بعضي، لأُنفّذ إرادتي في الإنفصال، لكن كيف؟
كيف أنساه وهو شمسيَ الدافئة وقد طَبعتْ بِنورِها على وجهي، فأصبحتُ قمراً يدور حوله يضيء أيامه.
كيف للأفلاكِ أن تتخلى عن بعضها، وقد ربطها الإله برابط كوني يستحيل فكه؟
فوضت أمري لله، جردتُ نفسي من أي رغبةٍ، مهما كانت مشروعة، صغرتْ الدنيا أمام ناظريّ، غفتْ عيناي إغفاءةً استشعرُ بها شيئاً من هدوء لم أخبره من قبل.
وبينما أنا مسترخيةً في هدوئي بين صحوٍ وغفوٍ، طافتْ عليّ روحٍ استشعرتها حولي، وما هي إلا لحظات، حتى تجلتْ أمامي، نظرتُ إليها مبهورة بجمالها، إمرأة مشرقة العينين، ينبض وجهها بالحياة، يعتلي رأسها تاج نجمي بثمان رؤوس، ومن أعطافها يعبق العطر والشذا، سررتّ لرؤيتها، ترردتُ قليلا قبل أن اسألها…أنتِ من تكوني؟
فكان جوابها: أنا أنتِ…وأنتِ أنا.
– ولكن هل تسخرين مني؟
– لا …ليس من طبعي السخرية بأحد.
– إذن مَن تكوني ياربة الجمال؟ وما هو أسمك ومن أين أتيتِ؟
– حسنا …سأجيبُ عن أسالتكِ …أنا هي عشتار …إلهة الحب والخصب والجمال، لا يحدني زمان ولا مكان، اتنقل عبر الحضارات والعصور، أُزهرُ في الصباحِ والمساء ، فكوكبي هو الزُهرة.
– وماذا تريدين مني لماذا أتيتِ إلى هنا.
-شعرتُ بحزنكِ… لأنكِ مني …فأتيتُ لاسقيكِ شُربة من كأسي.
وظلتْ تفرغ من كأسها في فمي حتى امتلأ جوفي.
شعرت بالغثيان وبحاجةٍ ملحةٍ لأستفرغ كل ما في جوفي، نهضتُ مٌسرعةً نحو الحمّام، استرحتُ قليلاً، خطر ببالي فكرةً اربكتني، رحتُ أفتشُ عن شريط المختبر، اختبرتُ نفسي، وأنا أنظر إلى الشريط فإذا بخطين أحمرين ارتسما عليه.