في التاريخ الادبي العالمي يحدث ان يبرز كاتب او اثنان يغطيان على كتاب , وهذا ما اراه في هذه الرواية السحرية النثر التي توارت عن التناول .انطوان دوسانت اكزوبيري <1900 ـ 1944 > هو طيار وكاتب فرنسي قضى في مهمة استطلاعية لاجل فرنسا في الصحراء الكبرى اثناء طيرانه من باريس الى سايفون , وعثر على جثمانه سنة 1988 على الساحل الفرنسي قبالة مرسيليا بعد ستين عاما من وفاته .
يصعب تصنيف عمله هذا هل هومذكرات او نسج روائي . يتناول فيه ايام التدريب ومشاعره وهو يقود طائرته لاول مرة لنقل البريد , خاصة ان المحركات في ذلك الزمن لم تكن تتمتع كما اليوم بشروط الامان . وكيف يعجب بامهر الطيارين الذي لا يجيب على اسئلته وقد عاد من مهمته البريدية توا سوى بضحكة ساحرة منكبا على تناول طعامه ..ينقل لنا تلك الاحاديث الشيقة التي غالبا ما تخص التحليق ومتعته وخطورته في مواقع الاستراحة .. وتلك المشاعر والاذرع والعيون المتحفزة للطيار وهو في قمرة القيادة .. والانطباعات ونظرة (النمل ) من الاعلى لحظة التحليق .. وهو ما لا تسطيع البشرية ان تراه وتحسه .. حيث يواجه الطيارون قوة الريح وعروق البروق وقمم الجبال وكثافة الضباب وهيمنة الظلمة .. وان أي خطأ او تهاون بالابصار او الذراعين سيقود الى التهلكة .
وتشاء الصدف ان تهوي طائرته وسط الصحراء الليبية هناك تندلع الدراما لاقصى مدى .. انه العطش القاتل .. وهما ينتظران ـ هو ورفيقه ـ موتهما بعد تسع عشرة ساعة:
(ابصر تلوي الحياة , احصي حلقات الجذع ,هذه الغابة التي كانت ملاى بالعصافير , والموسيقى اصابتها اللعنة فتحولت الى ملح هذه الحيطان الفخمة الاشد سوادا من دروع التلال الحديدية ترفضني ..ماذا افعل هنا انا الحي بين هذه المرمريات المعصومة انا الفاني انا الذي سينحل جسمه ماذا افعل هنا في الابدية ؟ )… وتستغرق الرواية صفحات طويلة وهي ترسم ذلك العطش البطيء نحو هاوية العدم ..حيث يصبح الحصول على قطرات ماء هي اثمن شيء في الوجود .اخيرا يتمكن البدو من انقاذهما . تتناول الرواية اولئك العبيد المملوكين لاسيادهم وكيف تاقلموا مع الذل واصبح اسلوب حياة يحتمل … وعددا كبيرا من الاسئلة الوجودية وتخوض في الاخلاقيات وحقيقتها …ولكن الكاتب تناولها باسلوب سلس لا بلغة فلسفية مستعصية ..عبر كل ذلك تسحرك اللغة البسيطة الشاعرية العميقة .
عرف الكاتب بروايته < الامير الصغير > 1943 وفيها يرسم لوحات فريدة للطفولة وقد نالت شهرة واسعة .
ومن مؤلفاته (طيار الحرب 1941 , بريد الجنوب 1929 , رحلة ليلية 1931 ).