أراد تأليف كتاب بعنوان : ( صور من حياة القيادة)!
امتلك كاميرا حديثة متطورة، بدأ التصوير الميداني للزعامات والقيادات والنخب المختلفة، أكسبته الشمس لونا آخر، وجد صورهم مجرد براويز سوداء المفردات!
بينما ظهرت صور المخيمات، وطوابير الجوعى، والقتلى، والجرحى، والمشردين…
استعار كاميرات أخرى مختلفة، ولم يبال بقدمها، أو رداءة صناعتها، استأنف التصوير ، تصفحها مستعيذا بالله من الشيطان الرجيم، حذفها وهو يقرأ آية الكرسي، خشية أن تراها نساء نصف المدينة، فيقطعن أيديهن، ويتمردن على رجالهن الذين يعملون في رفع الركام، للنصف الآخر منها،
تعذر ظهور صورالمآسي السابقة!
أعادها لأصحابها، وهو يتمتم :
_ ليت أن الغرب قد صنع كاميرا بعينين !
ذهب لأحد أثرياء الزهد، طلب أن يرقيه والكاميرا خاصته، قص عليه ما حدث،
_ كلاكما بخير، لكن الكاميرا بحاجة لمصور شرعي، يجيد فن التحميض والتجميل، بدأ بلي أعناق النصوص، كسر باب التأويل الفاسد، مجد كل الأصنام موجبا الطواف حولها.
سأله وأجاب معه في وقت واحد،عن أسباب الفقر، والخلافات الدامية…
_ ابتلاء من الله سبحانه وتعالى!
رفض رقيته تلك ، وصفها بالأشد من الكفر !
انصرف وهو يسائل نفسه :
_ماحاجة رجل دين لأن يحاط بكل أولئك الحرس، المدججين بالسلاح؟
ألهمته التجربة أن يؤلف كتابا آخر، أملاه عليه فقه الواقع، وبعد جمع البيانات والمعلومات، حبرها ضميره،
احتار_ فقط_ في أي اللفظتين تتوسط عنوان كتابه :
( رجال … الرسول )،
” فوق” ، أم ” خانوا” ؟!
استشار بعض الثقات، تاه بين ردودهم، أصر على أن يطمئن، وصل مجهدا، لثلاث شخصيات مختلفة التوجه، استحثت أمارات ثرائهم، تنهيدته التي تقاطع زفير فقرها بشهيق غناهم الفاحش، على أبواب وطن بلا غد، أعاد اتزان ارتعاشه من نباح كلابهم المتصلة سلالسها النحاسية بقبضتين بشريتين، تمارس الوظيفة نفسها، افتأد وعيناه تغزلان حرية النظر لأسوارها، وأفنيتها المبستنة، بما في ذلك جزر خطوطها الأنيقة المعبدة، وشريط ذاكرته يستعرض أحد شوارع المدينة المحفرة، المكتظة أرصفتها بالقمامة،
همس متلفتا :
_ مساحة ( أحواش) قصورهم تكفي لبناء قرية سكنية، للمهمشين الذين يستقفون الخيام منذ قرون،…
أكد له نقيضهم سذاجته التي أثبتت كل ظنونه عن وطن بلا إنسان!!
وصل لحقائق تفسر كل مبكية، امتطى صهوة المثالية والنقد البناء، وكلما أثبت فساد حاضرهم، ذكروا له صلاح الماضي، فتلوا له شواربه ،عبروا به من خلال السين وسوف، نحو المحال، ولما رأوا معنى الوطنية في عينيه،
حاكموا نواياه بغضب كتوم، عبرت عنه ملامح وجهوهم،
أفلتت منه بعض الكلمات بحرية حذرة، رد عليه أكبرهم بعبارات بللها رذاذه، أما الآخرين فقابلاه بصدر سياسي رحب، لم يفرد عضلاته بسفور، انسحب بشجاعة ينازعها خوفه، أقنعته عيناه وشاهد العدل في ضميره بالمضي قدما، لإكمال كتابه المحفوف بالموت :
( رجال خانوا الرسول ).
أنهى الجزء الأول من موسوعته،
مستندا على كثير من المصادر والمراجع المعتبرة، كان أحدها برفوسور بعينين زرقاويين، يعتمر قبعة جميلة تداخل لونها الأحمر بالأبيض، تخصص في شؤون الشرق الأوسط، أمده بالمعلومات والوثائق الصادمة، التي شدت أزره حد أنه أرسل لكل منهم، رسالة فجائية قصيرة جدا:
( تحديث
صنعوا الإنسان الآلي، ادخر الغرب أسلحة الدمار الشامل، تلوثت البيئة بضجيج فقاعات الدم، ضغط المستخدمون زرٌ إعادةَ ضبط المصنع، شاع نظام التشغيل عن بعد ).
استقبل وفدا رفيع المستوى، عرضوا عليه بلباقة محترفة، طبع ونشر كتبه وسط وعود وتطمينات تجيد ممارسة الإثم الرسمي، المؤكد بالعقود وكرم الدفع المسبق، شعر بأن نوافذ الليل قد فتحها الحظ، على شعاع صبح وعيه المنتظر، لم ير أعينهم التي تخفيها عدسات نظاراتهم السوداء،
عبر عن امتنانه، وفرض حسن النية فيما حدثته به نفسه، بعد فترة قصيرة، دهسته سيارة في الظلمة قبل صلاة فجر ما تنفس صبحه، إذ بقيت تلك السيارة بلا سائق إلى يوم القيامة، ذاع صيته، تلقت أسرته برقيات التعازي وبيانات تفاقست نعيا وشجبا، عبر وسائل الإعلام، ظهر اسمه على غلاف الكتاب الأول مكللا بالورد،
بينما بقي كتابه الثاني معتقلا، يبحث عن مؤلف.