أخيراً حلمتُ بأمّي. رأيتها تقترب مني لكن بهيئتها الأخيرة قبل أنْ يختطفها الموت. المطر يتساقط غزيراً والرياح تعوي ورغم ذلك لم تتوقف حتى لامس جسمها جسمي. انحنتْ عليّ وغطتني بجسمها النحيل كي لا يبللني المَطر ولا تَحرقني الصواعق. كانت اختي تمسكني من يدي اليمنى وتأخذني معها للسوق. توغلنا في الزحام حتى شعرت بالإرهاق لكني لم أخبرها. وعندما وصلنا الى البيت رأيت أبي جالساً على سجادته، يسبّح بمسبحته السوداء، ينتظر انتهاء الأذان كي يبدأ صلاته. في تلك اللحظة لم أستطع الصبر. رَكَضْتُ وفتحت الباب على مصراعيه. رأيت الكثير من الطيور الملونة تترك الأشجار وتحلّق بعيداً، راسمة اشكالاً منتظمة في السماء تغيّرها بين الحين والآخر، كأنّها تأخذني معها أينما ذًهبتْ. كنت مسحوراً برفرفة أجنحتها، وطرباً بغنائها الجميل، لوحتُ لها بيديّ. كانت قد رَحلتْ بالفعل إلّا انني لا زلت أعتقد انّها سوف تعود وتأخذني.
استيقظتُ عندما سقطت وارتطم رأسي بأرض الغرفة، وضعت يديّ خلف رأسي وضغطت على مكان الألم. كنت أشعر بدوار وصداع شديد. سمعت زوجتي تقول (كُنتَ ترفرف بيديك كأنّك تطير وتُطلق أصواتاً غريبةً من فمك).