شابة نحتت حروفها على الواح الطين الاشوري وكتبت قصائدها ببراعم الاشجار ممزوجة بروائح الزهور وعطورها لتهب الحرف نبضاجديدا يتنفس رحيق ايحاءاتها ,لتجتمع فيها عذوبة ماء الرافدين ونوارس شط العرب وحلاوة تمرالبصرة وبساطة اهلها
جميلة رقيقة شجاعة وطموحه وهي من مواليد حي الجزائر بالبصرة اجتمعت فيها صفات النرجسية وعذوبتها فتنوعت ممرات حياتها بين احياء البصرة من مدرسة الاعتماد في حي الحسين الى حي الجزائر خرجت من بين ركام القذائف مطعمة بروائح البارود موشحة بالام وذكريات مسكنها الذي امتلا باحلام الطفولة تاركة وراءها احلاما مروعة عن الحرب والموت والشهادة في محاولة للهروب من ضجيج الياس الى ارض السكون اللؤلؤية والبحث عن زمن بلا صخب وفي حضرة الحلم المشتهى تتكامل عندها شهقات الاشياء
حاورتها واقتنصت من بين شفتيها الموردتين حوارا عذبا
• قبل ان نبدا الحوار هل لك ان تحدثينا عن شخصك بشكل موجز
– انا انسانة بسيطة وعفوية جدا حالمة وطفولية اعشق الطبيعة والالوان وكل شيء جميل حقيبتي تمتليء بصور الازهار والفراشات والتوت والحشائش
• ماذا تحبين في الحياة ؟
– احب تصوير الطبيعة والحيوانات البرية فمكتبتي تمتليء بقصص الاطفال والحكايات والاساطيروخزائني تظم انواع الفساتين الملونة والمزركشة شخصيتي تكاد تشابه شخصية اميرة حالمة من اميرات ديزني
• لديك ثقافة حديث مميزة فماذا تحملين من شهادة جمعت فيها هذا النسق المتكامل بين المهنة والكتابة
– لديَّ بكالوريوس طِب بَشري من جامِعة كوبنهاكن. و حالياً قدمت على الدراسات العليا Master Degree in Medicin. أكتب الشِّعر في أوقاتِ فراغي و أحيانا تُباغِتُني القَصيدة أثناء تَصَفُّحي لكُتُب الطِّب او أثناء عُبوري الشارع أو جُلوسي على كُرسي الإنتظار في مَحطَّة
• لكل شاعر طفولة مليئة بالحب و الشوق وربما هي ابعاد اخرى ، فما هي أبعاد طفولة الشاعرة وكيف التقيت بكراسة الشعر ؟
– لا شكَّ ان لِطفولتي أثرٌ كبير على تَبلوُر شَخصيَّتي و مِيولي فأنا وُلدتُ في مدينةِ البصرة، تلك المَدينة الشاعرَّية الجميلة ذاتِ التاريخ و الأصالة والَّتي ضفائِرُها من نخيلِ أبي الخَصيب و عُيونها بِصفاءِ شطِّ العَرب. البَصرة الأُم الَّتي أنجبَت العُلماء و الأُدباء فلا عَجَب ان أجدَ إلهامي في شناشِيلها وعشّارها وكورنيشِها. لقد بَدأتُ بالقراءة منذ نُعومةِ أظفاري وإلتقيتُ بكراسِّ الشِّعر حين وقع بيدي ديوانٌ للسيّاب من مكتبةِ والدي الزاخِرة بالكُتب و المؤلفات.
• هل للعائلة تاثير على طفولتك وهل هناك من شجعك على ممارسة الكتابة الادبية
– نعم لوالدي تأثيرٌ كبير على مَسيرتي ليسَ فقط في المَجالِ الأدبي فحسب بل و العِلمي كذلك فهو النَبع الَّذي نهلتُ منه مُختلف أنواعِ العُلوم و الآداب لما رفَد بهِ مكتبتنا من كُتب و مُؤلفات. ناهيكَ عن إنَّه يمتلِك قلماً جميلاً و عقلاً نيِّراً. أبي فِعلاً موسوعة علمية و ثقافية و أكثر شخص أستمتِعُ بالحديثِ معه
• البعد و الشوق و الحرمان والسلام هي مفردات الشاعر.فما هي مفردات شعرك ؟
– مُفردات شِعري لا تكادُ تنحصر بِرؤى مُعيَّنة فقد كَتبتُ عن الحُب و الفُراق، عن الغُربة و الحَنين الى الوَطن و لدَّي قصائد مُستوحاة من قِصص الأطفال و الأدب الاسكندنافي. كما اني وجدتُ في قِصص الانبياء نَبعاً لا ينضَب من الصُور الشِّعرية و إستخدمتُها لتوظيفِ التشبيه و التَّجريد و الاستعارة.
• لكل شاعر بعد يميزه عن الآخرين فما هي أبعاد قصائد الشاعرة
– أعمدُ الى كتابةِ القصيدة النثرية لكونِها لا تُقيِّدُني بأوزانٍ او قواف فهي تُعبِّر عن حريةِ الجسد الشِّعري وتعددية إحتمالاتِه. تجعلُني أطلقُ العَنان لأفكاري و أحاسيسي فأؤثث بيتي الشِّعري و أزينهُ بالفِكرة و الصُّورة و التكثيف و الإنزياح دُون قيدٍ او شَرط. فتُصبح قصائدي تَرجمة صادِقة لمشاعري في كلٍ من المبنى و المعنى.
• هل يتحول الشعرلديك احيانا إلى حصان مشاكس
– انا اشاكس القصيدة قبل ان تشاكسني حتى عندما يجمح حصان الشعر لي فانا انتقي من الكلمات ما احول فيه القصيدة الى شعلة من نار لكي تهدا نفسي
• اي حزن ينبعث في شعرك حين تتماوج العصافير ويرحل السنونو وتتكسر الورود على سيقانها
– حين تَتماوج العَصافير يَنبعِث حُزن الإغتراب بينَ ثنايا روحي فأرى نَفسي ذلك العُصفور التائِه عن غِصنِه و ذلك السُنونو المُهاجر عن أوطانِه و تلك الوَردة المكسُورة على ساقِها!
• يقال أن بعض الشعراء يكتبون قصائدهم و أن البعض الآخر تكتبه القصيدة فمن أي الشعراء أنت و كيف تولد القصيدة لديك ؟
– القصيدة تكتُبني ولا أكتبُها و أشبِّه تجربة كتابتِها بالمَخاض الَّذي يِباغِتُ على حين غرّة. .
• في عصرنا كَثر الشُعراء فمن يستحق لقب شاعر وما هي صفات الشاعر
– الشاعر يجب قبل كلِّ شيء أن يكونَ انساناً صادقاً مع نفسِه و مع الآخرين. إنساناً عقلهُ نيَّر و يتقدُ ذكاءاً و على مستوىً عالٍ من الثقافة و الإلمام باللغة العربية و قواعِدها، فتكون مفرداتُه طيَّعة و سلسة و موسيقية. لا يستحق لقب شاعر من إغترَّ بنفسه و بموهبته و تكبَّر على الناس و نأى بأشعارهِ عن مشاكلهم وهُمومِهم.
• همسة في أذن الشعراء على اختلاف اجناسهم
– لا تغتالوا شهرزاد
• هل القصيدة لديك تحمل بعدا ذاتيا و بعدا وطنيا و بعدا انسانيا. ما هي ابعاد قصائدك ؟
– لقصائدي ابعادها الخاصة المملوءة بحب الوطن والحياة فالانسان مزروع في داخلي منذ الطفولة كيف لا امتلك تلك الروح الانسانية بين جوانحي وانا قد عايشت ابناء بلدي منذ ولادتي وشهدت معاناة الانسان ابان الحرب وما تركته من الام وفواجع لشعب دارت عليه الدوائر وسلبت حريته
• ما موقفك من الشعر النسائي واين هي مسيرة الادب النسوي
– أنا شاعرة و مازلتُ أُناصر كُلَّ حَرفٍ يُكتبُ بأنامِلِ إمرأة مثلي.في وطَننا العربِّي لدينا الكَثير من الأديبات و الكاتبات اللواتي يُشار لَهُنَّ بالبَنان و يَتم الإشادة بمسيرتهنَّ الأدبيَّة. لكني أجدُ إستخدام لفظ الأدب النسوي نوعٌ من التمييز السِّلبي ضِدَّ المرأة، إذ إنَّه يعد ظلماً أن يُختصَر كُلَّ ما تكتبُهُ المرأة من إبداعٍ وتنوُّع ويُقَلَّص ضِمنَ صوتٍ واحد هو الصَّوتُ الأنثوي، الذي يُنظَر إليهِ مُسبقاً بنظرةٍ نمطية تُلغي هَويَّة الكاتبة وشخصيَّتها.
• رسالة شعرية تريدين أن تقولينها للقارئ العربي
– اريد ان يكون الشعر نابعا من الاعماق واريد من القاريء العربي ان يتخطى الحواجز الضيقة ليكون قارئا وناقدا فالشعر روح العصر والشاعر ارضه ونبعه والقاريء الجيد هو من يقرا خفايا القصيدة ويستوحي ملكوتها
• ولدت في البصرة و هاجرت الى الدانمارك منذ عام ٢٠٠١حيث اكملت دراستك هناك فما هو تاثير الغربة في كتاباتك
– صدَق من قال أنَّ الغُربة كُربة. فرُغم مُرورِ ستةِ عشر عاماً على مَجيئي إلى إسكندنافيا إلا إنَّ طعم الغربة لم يَزدَد إلاّ مَرارة! لا يَمُرُّ يومٌ دون أن أُحِسَّ بأنَّي غريبة و مُختلفة. فأنا نَخلةٌ عراقية لا أشابهُ أشجارَ الصُنوبر في شوارعِ المنفى. في عراقي أكاد أرى نفسي في كُلِّ نخلة مزروعة في أحياءِ بغداد و طريقِ الحِلَّة وبساتين أبي الخصيب. اتماشى مع ألوانِ الشَّوارع و أتحدَّثُ لغة النوارس و أفهمُ موسيقى هديلِ الحَمام القاطِن على ضِفاف دجلة. و لا يمكنني الجزم بأنّ الغربة قد إحتوتني بشكل او بآخر و لا انا احتويتها يوماً، بل نحنُ في صِراع يومي و نكاد نقتلُ بعضنا بعضاً!
• في نهاية الحوار هلاّ سجلت لنا بعضا من قصائدك ؟
– الحُلم اليَمانّي
أعِرني فُرشاةَ حُرُوفِك
لأرسِمَ مُدُناً نَحَتَتْ مِنَ الجِّبالِ قُصُوراً
ألبِسْنِي أكالِيلاً مِنَ الفِردَوْس و كِساءاً يَمانِّياً
مُطَرزاً بأبْجَدِيَةِ هُدْهُدِ سُلَيْمانْ
إهْدِني كُحلاً حَبَشِيَّاً وَسِرْ بِي بَيْنَ البُيوتِ المَنْحُوتَة
كَقافِلَةٍ مِنْ قَوافِلِ سَبَأْ
خُذنِي إلى مُدُنٍ الذَّهَبُ فِيها كالطِّينِ فِي الشَّوارِعْ
أشْجارُها طَويلَة مُذْ بِدأُ الخَلِيقَة
تُسقَى مِنْ جَنَّاتِ عَدنْ
إبنِ لِي عَرشاً مِنَ العاج بأرضِ حَضْرَمَوْتْ
فأنا مُذ عَرَفْتُكْ أصْبَحتُ بَلقِيساً
بَغدادُ.. ها هو اليومُ الأخيرُ لي بأحضانِك
وبَعده سأتلاشى كالرَذاذ من نَفاثاتِ الطائِرة
ولَن تأخُذَني شَوارِعُك مُجَدَداً لقِبابِ الكاظِمية
ولَن تَدُلَني نَوارِسُك لأبي حَنيفة و ضَواحِي الأعظَمِية
بَغدادُ يا بَغدادُ كيفَ لي أن أُوَّدِعَكِ
و كُلُ نخلةٍ فيكِ تُناديني: لا تَرحلي لا تَرحلي
ففي رَحِيلكِ سَيبكي شَهريارُ في شارع أبي نؤاس
و سَتَصُبُّ كَهرمانه الزَيتَ في عُجالة على الأربَعين حَرامِي
حتّى تَلحَق النَّورس الأخضَر قُبيلَ الإقلاع
لا تَرحلي فسيُلقي المُتنبي كراريسَهُ أرضاً
فتِلك اليَمامة المُهاجِرة لم تَلحَق مَوعِده في كُلِ جُمعة
و غادَرت دُونَما سَلام ودُونَما كلام
و حَديثٍ مُطوَّل مع شُعراءِ القِشلة
وعازِفي العُود وصانِعي الخَزَف
بغدادُ يا بغداد كيف لي أن أوَدِعَكِ ؟
و كل شِبرٍ من شوارِعُك يُناغيني
و كل كنيسةٍ من كنائِسكِ تُواسيني
إبقي هُنا .. إبقي هُنا فهُنا إفتَرَشَت حَدائِقُ الزَوراء..
أزهارَها وَسائِداً و رَوَتْ شَهرزادُ حَكاياها قَصائِداً
وطَرَّزت بِحَديثِها صَفحاتِ ألفِ ليلةٍ و ليلة
عَلّها تَحُطُّ كسَربٍ مِن الحَمام على رَفَّ مكتبةٍ إسكندِنافية