القصّة التي وصلت الجريدة قيد القراءة، وقد تكون غير صالحة للنشر. قال ذلك وهو يشير إلى الصفحات التي تجاوزتها. بقيت الحروف ترابط في موقعها خشية حدوث مواجهة معها.. وما عساها أن تفعل في عالم يبحث وراء قصيدة النثر الشِعريّ التي تخطف الحروف من اغوار الشاعر. هكذا هي ولربّما من التفسير، أو ربما يعود إلى الجرأة التي تتسلّح بها الكلمات في الشعر ما يجعله قد لا يترك مجالاً للسرد..
شيء واحد انقذ القصة المحظورة والمنظور في خطوطها الازليّةالبطل الذي خرج منها ليلقي بعض الآسئلة عسى أن ترضي الجريدة، وتوافق على نشرها.
وكان مما سأل :مَنْ سرّب قِطع الآثار النفيسة خارج حجراتها؟ كان السؤال متجهاً إلى لابس البذلة الجديدة وهو يصدر صوتاً في الشارع. ينهر السواق للتريث.. يقف مذهولاً. أمام السؤال عند ضحى القرن الواحد والعشرين. أحسّ بغبار عاصفة الصحراء يغطّي الشارع والحديقة ربّماغيّرت قِطع الآثار جلدها، أصبحت اشباحاً من الغبار أصابها التّسللّ واحدة فواحدة..
وهنا يخفق بطل القصة في الصاق تهمة تهريب قِطع الآثار خارج أسوار المدينة التي شاع خبرها على صاحب البذلة الجديدة في زمن الثعالب، وقد فاته أن يشغل فكره ويروّض عقله على خفايا الأجناس وهي تعيش حوله فطريق الحرير مازال يشتغل حتّى زمن العولمة، آثار البغال والحمير لا تدركها الأضواء عند صريم اللّيل، وعند ضفاف الأنهار تحرس موجات المد أمام اشرعة القراصنة.
وفي الوقت الذّي مازالت فيه القصّة مرفوضة عند الجريدة. كان بطل القصة يفكّر بمغامرة تخرجه مِن المأزق الذي رفضت فيه. فتّش عن كلمة آثار نظر في الأسواق، الشوارع نظر تحت المفروشات، أين أصبحت الآثار التي كانت شاخصة في المُتحف شامخة عبر أزمان تبدّلت؟
اسرع إلى المكتبة تصفّح عنواناً للكاتبة الساخرة (آجاثا كريستي) وقبل أن يوجّه لها السؤال جاءته إشارات الأصابع من هنا وهناك.
_مااهميّة هذه الكاتبة بقطع الآثار المسروقة؟
_أجاب بطل القصة :هي كاتبة ساخرة لها في القصص البوليسيّة ما يُعيننا إلى الوصول للمحنة في أرض عشتار.
_وكيف يكون ذلك؟
_هذه الكاتبة الروائيّة كان موعدها في بغداد رفقة زوجها في الآثار، كانت تشّم رائحتها من تربتها، تروّض آلة الحفر.. فرشة التنظيف تتابع البقع المتروكة على نقوش الجِنّ والثيران، نقوش آثار الوشم على شبعاد وعشتار، وارنمو، والمنحوتات المصبوغة بالدهّان.
_ما علاقة ذلك؟
_كانت مقتنعة إنّ رجل الآثار وحده مَنْ.ُيمسك اطراف الوطن، وهو يحتضن تلك القِطع القرمزيّة البرّاقة، وهي تشّع على ارض الرافدين ويستمر بطل القصة في السرد أنّ دور الروائيّة (آجاثا كريستي) في الوصول إلى النتيجة التي تضغها نهاية قصصها. كان يزوّدها بكُلّ شاردة وواردة عن الآثار التي طاوعت يداه تتلقّفها أصابعه بكلّ حنان، كان يعتقد أنّ الأرض الواقف عليها فيها مِن الشعاع الذي لا يخفت، شعاع يسحره كلّ دقيقة عند الفجر، ويوقظ في نفسه سبات الظهيرة ينظر إلي النّاس حوله بعينين فيهما الحسد للارض الخازنة.
كانت صاحبة الرواية البوليسية تكتب من لمعان تلك القطع الآثريّة، وقد تُصيبهاا غِشاوة لكلّ حرف تكتبه. تفحّصت اللصوص والشطّار حين تركوا السرقة بأيد.ٍ نظيفة دون آثار تُهمةٍ.
أظهر بطل القصة مقدرة فائقة على متابعة خيوط جريمة سرقة الآثار، عَرَضَ في شريط للأخبار عناوين للدول التي اشتركت في السرقة، ها هم ينظرون إلى التُحفيّات والقطع بعيون حاقدة شامتة لضياع تلك القطع، يمزجون ضحكاتهم بداية التوقيت لتهريبها خارج المتحف. ولكن كيف توصّلوا إلى أبوابها، مسّراتها أسئلة دارت في ذهن(آجاثا كريستي) فهو رغم خبرته في علم الآثار لم يتمّكن مِن معرفة الأسباب، إصابته الحيرة، اطرق إلى الأرض التي كانت مثار نقاش المستشرقين، والباحثين، والمنقّبين عن الآثار. كيف يصعب عليه أن يكتشف السارق لها حتى بقيت الممرات والغرف التي ضمّتهاخاوية ِمنْ جدران لم تتمكن من طبع صورتها عليه، لتظهر في يوم ما شاهدة على لونها، نقوشها، زخرفها هكذا ضاعت كلّ الدلائل وإختفت خيوط الجريمة.