وهُم ينتشلون جثتها من البحر، سألها الجنين الذي بأحشائها :
– ما الذي رماك على هذا يا طيبة ؟
اغرورقت عينها اليمنى وزهقت لؤلؤة ندية تدحرجت على الخد حتى استقرت في الأذن مع حركة مفاجئة من أحد رجال الإنقاد عند دفعهم بها إلى فوق :
– الأمرُّ منه يا عمري !
كيف أنت الآن ؟ لا تفزع .. سننجو .. اطمئن ..
– ما الأمرُّ ؟ أمغصوبة الصبا ؟!
– بل موؤودة على كِبرٍ يا ضناي.
– وأين ضريحك يا أجمل شمعة ؟
استدار رأسها المتدلي بين يديّ رجل الإنقاذ نحو أيسرها وبثت تمرتَها سرّها :
– في وطن ما عادت الإنسانية تسوى فِلسا. كلٌّ نفسي .. نفسي.”
– وأين أبي ؟
– ينتظر أن أُُزَفَّ إليه مرة أخرى .. بموطننا الرحب .. حِين أُوارى الثرى، عند الجذور ومستقر القطر.
– وهل سأُسلَخ عنك ؟ كيف أعيش دونك؟ ماذا يخبئ لنا القدر ؟
أحست بالكلمات بين أضلعها تلتهمها نارا في الهشيم كما تنخرها برودة بيت الموتى وتلفّها من كل جانب، تطوّقها لكن لا تستطيع لها دفعا. وهي كذلك فإذا بصندوقها داخل المشرحة يتحرك نحو النور. تسرب إلى جبهتها وعينيها وخديها ومبسمها وعنقها بعض الهواء فصارت بعض قطرات من عرق يتعانقن على هضاب وجهها حتى وصلن إلى صدرها وإثر حركة خارجة عن الإرادة، قام بها من يمينه على المقبض، زهقت يدها اليمنى إلى بطنها تتحسس من كان يسألها. بين ثمالة الموت وقلق الأمومة تسأل جنينها :
– ألا زلت هنا ؟ أتحجرت أنت أيضا ؟ هل سنسير سويا على الصراط ؟ هل سنقف وقفة نسائل فيها من ظلمنا وقذفنا في لجج الموج ؟ سأتركك عليهم عَلِّيَ أنعم براحة القبر .. لا ترض إلا وكرامتك تاجا إليك تسير كالسيف مسلولا من غمده ..
روائح بخور، تراتيل، ململة ذات اليمين وذات اليسار، استقرار على اليمين، ظلمة حالكة .. لا حراك .. لا ونيس .. وفضوٌ يفضي إلى سراديب الروح ..