تساءل وهو ينهض متكاسلا كعادته في صباحات مغلقة، بعد أن حجبت الستارة الغامقة وقت انتشار أشعة الشمس، كي تنبهه عن دفء النهار في بداياته، ما سر هذا الجزع المتكرر وهو يتسلل إلى يومياته، حتى وصل به الحد إلى هجران الكتاب، يتذكر جيدا بأنه لم يمسك بورقة منذ أكثر من عام تقريبا، هذا ما عزز بداخله بأن العالم مغلق على نفسه، ولم تعد السماء فسيحة كما كان يعرف، يجدها مساحة ضئيلة لا تتسع لأفكاره وأحلامه التي تبددت بعض الشيء، الشوراع المزحومة بالناس تربكه جدا، يفكر دائما أن يعتكف خلف سياج عال، أو في غرفة مبعثرة.
حين ينظر في أوراقه القديمة، يساوره القلق ويعجب بما كتب سابقا، يجد نفسه محاصرا من جهات ضاغطة تحاول أن تثير إرهاقه، ربما مر بخذلان بعض أصدقائه وكبر سنه على ما يعتقد، ربما هذا واحد من أسرار وجعه وجزعه من الأشياء المحيطة به، تتكاثر الأسباب لو فكر أن ينبش يومياته، هذا ما يعزز الركون المستمر في أجواء ساكنة، اتخذ من متابعته اليومية لبرامج التلفاز وحرصه على مشاهدة بعض المسلسلات التي كان يحسبها الأقرب إلى مزاجه المتقلب، وقد أعجبته المقدمة التي تقول: ” هل من الممكن لشخص آخر أن يملأ الفراغ الذي تسببه العائلة”، ظلّ يفكر كثيرا بهذه العبارة التي بدأت تحفر موقعا في دواخله وكأنها تحاكي لواعجه، يتابع حركة الممثلين ، وأحيانا يسبقهم في تخيل المشهد المقبل، وما سيقوله الممثل لأمه (هوليا) وكيف تبنت طفلا ليضاف رقما وأخا لــ ( جيهان ) المتردد في محيط هذه العائلة التي تتحرك في دمها قضايا الثأر والقتل لما خلفه لهم الأب المنتحر من وصايا غامضة، وحين يقترن الرجل المُتبَنى بفتاة تعرف بها على متن طائرة، وهي تتمتع بالحركة والكفاح والجهد والاهتزاز من منطوق اسمها.
بدأت الحياة تدب في جسد الرجل المتكاسل وهو يعمد إلى تنشيط ذاكرته بحزمة من الأفعال المستمرة كي توخزه كلما ذهب إلى متاهة النسيان، يحاول أن يجد ملاذاته التي اعتاد عليها بالكتابة في يومياته التي تركها منذ وقت طويل، بفعل الكآبة التي نشبت أظفارها في حياته، وجعلته رهين البيت دون وازع للتطلع والمضي نحو نهر يغسل متاعبه وانتكاساته التي تعرض إليها في آخر أيامه التي عاش صخبها وزهوها، كم هو الآن بحاجة إلى القفز على كل الارتباكات التي خلفتها يومياته المحزونة، لينعم بسكون الليل والانصات إلى الإيقاع الجديد ، والمتسارع للحياة.
في وقت لاحق من الليل وحين ” تلجأ أرملة لخيارها الوحيد المتبقي لتغطية تكاليف علاج ابنها” يصمت كثيرا لهول الصدمة من تصرف رجل يملك المال ليمارس دوره باشتراطاته المريبة، ظل يتأوه كثيرا وهو يعصر كفيه لما آلت إليه الأمور في زمن مضطرب، كان هذا في صراع مرير لـ ( سارة) وهي تدفع الثمن، لكنها تحاول أن تعيد اعتبارها في حلقة الحياة وتعيش قصة حب مخذولة!