تحت وهج الشّمس الحارقة يجوب الشّوارع والطّرقات حافيا وهو يدفع عربته المحمّله ببضاعته البسيطة من الأواني الفخّاريّة. بين الفنّيّة والأخرى يخرج من جيب بنطاله المهترئ منديل قماش يمسح العرق المتصبّب من جبينه. . صوت المذياع من إحدى المقاهي يردّد (عدّى النهار والمغربية جايّة. تتخفّى ورا ضهر الشجر. وعشان نتوه في السكة. شالت من ليالينا القمر. وبلدنا ع الترعة بتغسل شعرها. جانا نهار مقدرش يدفع مهرها) غناء: عبد الحليم حافظ
يعود للمنزل قبل غروب الشّمس بوجه شاحب وعينين ذابلتين. ترقبه زوجته من نافذة الغرفة المطلّة على فناء الحارة. . يترك العربة بجوار المنزل ويغطّي بضاعته بغطاء قديم متهالك ويحكم ربطه بحبل غليظ.. يدلف إلى الغرفة ويلقى بجسده المنهك على الأريكة.. قدماه تؤلمانه بشدّة من المشي حافيا وكذلك ساقيه. في الماء الدّافئ الّذي أحضرته زوجته يضع قدميه.. يشعر بارتياح كبير.. من جيب بنطاله يخرج كلّ ما معه من نقود ويعطيها لزوجته.
يلقي نظرة على أبنائه عامر وصابر وأحلام وهم يغطّون في نومهم على حصيرة من الخوص. يسال زوجته: هل تناولوا طعاما قبل أن يناموا؟ تجيبه بأسى: كلا فقد طفقوا يبكون وناموا من كثرة الجوع والبكاء. يتنهّد تنهيدة ثقيلة موجعة.. بعد برهة من الصّمت قال لها: اذهبي واشترى لنا شيئا نأكله، فأنا لم أذق طعم الزّاد منذ الصّباح وهو يشير إلى أبنائه: أيقظيهم ليأكلوامعنا.
بعد أن تناولوا طعامهم البسيط وشربوا الشاى جلسوا يتسامرون ويضحكون ﺤﺘﻰ ﻴﻐﻠﺒﻬﻡ ﺍﻟﻨﻭﻡ.
في الصّباح الباكر يخرج كعادته يدفع عربته أمامه بهمّة ونشاط كمن يسابق الزّمن مرتديا سترته البالية الّتي لوحتها أشعّة الشّمس وبنطاله المهترئ .