الفجر هارب بضبابية من الأوطان ، سحابة تسير ببطئ شديد لتتجنب الاصطدام ، ضجيج ريح مقترنة برعد ، والنفوس منخطفة ، والذات تجلد نفسها بالسياط …
صمتتتتتت … … …
كلام وكلاااام … وهسهسة … أوهام من مكبر الصوت منبعثة تطرب الأذان بلوغة خشبية مبعثرة ، ركيكة .
زينة معلقة فوق الرؤوس بلا ألوان ، وبين العمود والعمود أشباح ترى بالعين المجردة نزلت من الصحف المشتتة بالمجرات. تتحرك ولا تتحرك ، تنبعث منها رائحة كريهة ، شبيهة برائحة الجواميس والثعالب . وجوهها وملامحها تنخطف خطفا وتومض كمس كهربائي تتبدل بسرعة البرق حسب الموقف والمشهد . تارة ، قرد ضاحك بلحية زرقاء بنفسجية وتارة اسدا مكشرا عن انيابه ، وأحينا كلبا مرقطا . وفي لحظات كثيرة حمارا أزرقا منقطا بالعقيق ، مزركشا بالدنتال حول رقبته بابيون ، ربطة عنق لفراشة مذهبة… تنسحب الوجوه فجأة ، وتطلع حسب تعويذة الضوء المنعكس على الشبابيك والنوافذ المهترئة ، المفصولة عن بعضها البعض بالحيطان المتهالكة.
الحائط يئن ويشتكي ، مرض من صور ووجوها لايعرفها ، لا يحبها ولا يحتملها لصقت دون رغبته به ؛ منددا منذ عشرة سنوات بالظلم. بقايا الياجر المنهوب ، أسودا ، مرقعا ، ببعض الحجر الرملي المهترء من سبخة الملح ، المطلية ببخار الجير الرصاصي اللون المصفر ، رخيص النوع والثمن ، يحترق ودمه يسيل منذ ازمنة ؛ يبصق من الغضب …
شجر رمادي اللون مائل ، بلا جذوع ولا عروق ، بعضها ، نصفها ، مقطوعا ومحروقة اوصالها .
لا ظلال لها ، بأيادي أشباح غرست قبل الفجر ، قبل الصحو ، أمام تكدس الزبالة تتصارع على مملكتها ، ذبابا وقططا برؤس دامية ؛ مكتوبا عليها ، ا ح ب ك …
نظارات سوداء ، قاطمة ، من الماركات العالمية المشهورة “rayban ” تحتها تبحلق عيون حمر ، حذرة ، غزت قبل الجمع المكان ، والأعصاب مشدودة .
أجسادا جالسة على كراسي السيارات الفارهة الأمريكية الصنع ال GMC ، في ساحة 14 جانفي . دخان يتصاعد من هنا وهناااك … ومن الأجساد المبلولة بالعرق الأحمر الدموي … أغلب الناس نيام والألسنة مأسورة .
قنوات التلفزيون الغير مشفرة ، ال ful hd ابدلت شعارها عشرات المرات ، ازرارها بباب ومفتاح مصدد ، والأخرى العالمية المشهورة المقرصنة ، والغير عالمية ، محملة بقصائد الجمر والنار ، تزغرد ، تولول ، تتلاعب بنشرات اخبارها. وجوه ثقال ، بألفاض سريالية ، رنانة ، وبالبزاق تنفخ الفقاقيع والبالونات للمحظوظين ؛ وتعلن الحرب على الفوضى في نفس الوقت . تعد المشاهدين بجوائز قيمة بالدولار الأمريكي وبعشرة اعوام شكولاطا من النوع الفاخر “Nutella “وجبنة البقرة البنفسجية الضاحكة ” la vache qui Rit (Brand ) ” ، هدايا من الأب نوال .
البنات على شكل حوريات من الزمن النازف ، ترقص، بالمحارم الزرقاء .
أشبال وشباب خارج التاريخ واقفون بلباس وقبعات “Nike” الرياضية زرقاء خضر باهتة ، بأحذية “adidas” مستعملة من الفريب هبة خيرية للعالم الثالث من بلد العم سام وجوههم مكفهرة ينددون بالإمبريالية المسيطرة على العالم .
أمرأة عجوز بملامح رجل من عصر الديناصورات ، دمها متخاثرا ضاغطا على اوردتها تتقيأ، بلا ذاكرة ، ذو أبتسامة صفراء متحجرة الأحساس ، بقفازات تصفق مع مثيلاتها ، قبلهم ، تشير للزاحفين من رتابة الزمن ، باللحي الملونة ، سكنوا خريطة الترقب وساحة المبكى بالجهات الأربعة . تشير لهم بالتصفيق والتكبير…
جزء منهم كالأصنام والدمى ، يسكبون دمعا باردا شبيها دموع التماسيح ، كالديكورات في واجهة الحوانيت صائمين عن الكلام يلتهمون بسكوت ال ” Chocotom ” . والبقية الباقية يرددون ، ويعيدون نفس لقطات الشريط المسجل بعلبة دماغهم ؛ ماسكين أعلاما بلاستيكية بحمام يطلقونه في الفضاء الأسود المزرق . يوزعون علب ” Coca Cola zero ” ، وخليط مشروب شبيه ” السلتيا ” وال “Nescafé Gold ” خال من الكحول ؛ ويهدون مشموم الياسمين .
كلام حنون للجمع والجميع يرمم الروح المنكسرة ؛ يفرغ بطونهم الجوفاء .
كلاب سائبة ، تلهث ، عطشى ، بدون مأوة تجوب الفناء والساحة ، معلقة برقبتها لافتة وسلاسل فضية ماركة ” Chanel ” مقلدة ؛ مكتوبا عليها حروفا باللاتينية، اليوم عيد ثورة الياسمين …