بين غلبة التاريخ وتاريخ الغلبة خيط رفيع يفصل قوة المبدأ،وتحديد الباطل من الحق،حيث الانسان موقف وفكرة وعقيدة، الحسين بن علي عليهما السلام، ذلك الثائر الحي ،الذي يأبى الموت أن يقف على أعتابه، رغم إنه استشهد قبل ١٤٠٠عام وأكثر!
خرق لقوانين الطبيعة ، وتحدٍ سافر لحتميات الآجال، عندما يولد المرء في كل يوم يموت فيه!!
نعم ذلك هو الحسين بن علي عليهما السلام شهيد الحق وثار الله الموتور.
قص واقعي يربط بين سرد التاريخ، وتكرار الحدث في زمن متأخر، ليكون لنا مزيجا من سيرة شهيدين أحدهما نبراسا لكل طالب حق ،ومثالا لكل من رام الحرية والدفاع عن المقدسات، والآخر مرابط على سواتر الذود عن حرمات الوطن، شاب في مقتبل عمره،عاشق يتلظى شوقا للظفر بمباركة الأقتران، فهل للعرس صورة اخرى؟
عندما تمتلئ النفس بمبادئ سامية تتسامق وتعلو ، ويغدو كل شبر من أرض الوطن هيكل للقداسة يستحق أن يبذل لأجله كل غال ونفيس.
المثال والقدوة في القص:
يربط القاص بين شخصيتين دخلن أرض المعركة ،كلاهما عاشق يدافع عن هواه ومعبد عشقه،عابس الشاكري،ذلك المقاتل الذي سطر أروع صور العشق الحسيني، وهو يذود عن إمام عصره،وريحانة النبي، يدخل المعركة شاك السلاح، فيحجم عنه معسكر الاعداء، لما يعرفوه من مكانته وعلو شانه وقوة باسه وبطشه وهو شيخ قبيلته وتشهد سوح الوغى لوقع سيفه، فيرمي خوذته ودرعه ومغفره ،مجيبا سائليه ؛اجننت ياعابس؟ نعم حب الحسين أجنني.
وحب العراق أجن حيدر ،فتلقى بصدره رصاص العدو كما يستقبل العاشق نثار عرسه، ليجمع بين الشخصيتين حب منشؤه العقيدة، وأساسه التمسك بالله ونبيه.
إنمازت لغة السرد بسهولتها وبساطتها وابتعادها عن تلغيزات المفردة،وغموض المعنى بما يتناسب وثيمة النص التي تأرجحت مابين سرد تاريخي وقطبية عقدية، غلب طابع الحماسة والانفعال العاطفي -العقلائي،الذي رمت إليه فكرة القص وغايته.
فالعشق لاعنوان له،انه المبدأ،الأعتقاد ،الوطن، الأم والحبيبة،كلها مصاديق تندرج تحت مفهوم واحد وهو العشق.
بيداغوجية التفاني ،إلماح عمد القاص الى تضمينه، ولم يزجه في القص ،بل تركه مواربا يستشفه القارئ،ويلتقطه الأريب.
قصية قصيرة
عراق الحسين
بقلم: مهدي الجابري
حوّل بصره نحو غروب الشمس وهي تغوص في الرمل، أجواء باردة تقترب من العتمة كلما اقترب الليل، الساتر بهيم، اكياس التراب مصفوفة بعناية، صحراء مفتوحة تتخللها بعض الشجيرات وسواقي صغيرة ، خندق عريض يمنع العبور الى الساتر، حيدر يترصد العدو من فتحات أُعدت للمراقبة، ومباغتة العدو في كل حين والقناص لا يهدأ، الرياح تشتد، الظلام حالك، القلق الذي اعترى حيدر غير اعتيادي، قلبه يتوجس خطرا مبهما، ، مناوشات قليلة وبعيدة، يضع يديه على خوذته ويترصد، الهدوء حذر يخدشه رنين يتلقفه بشغف
– ألو
– ابني حيدر اشلونك
– هلا يابه اشلونكم
– كيف الوضع يمكم والاجواء باردة الآن في بغداد غبار.
– الليلة تختلف عن الليالي السابقة هدوء.
– إبني أبشرك تمت الموافقة من أهل كوثر .
– ابي انا غير مصدق غير.. غير مصدق.
– غرفة زواجك كاملة. ننتظر قدومك.
– اتمنى لو كان لي جناحان واطير اليكم، الآن انا طائر من الفرح.
– ألف مبروك ابني وإن شاء الله نفرح بعرسك.
– امي شلونها ؟عساها بخير.
– الحمد لله الفرح غامرها تنتظر قدومك.
– اربعة أيام لا اكثر واكون عندكم بأذن الله .
– كن حذرا” لا أمان للهدوء اوصي رفاقك بالسلاح.
– سلامي للأهل والاخوان واصدقائي وجيراني
تحياتي.
قفز من نقطة المراقبة وهو فرحان جذل، وصل المقر أيقظ من كان نائما، احتفلوا معه، حدثهم بأرتباك من شدة الفرح، انتم مدعوون إلى حفل عرسي.
عاد إلى موقعه مع زملائه في المراقبة، تبسم أوووووه كم هو متعب الحب، لقد بان في جسمي الضعف، أنتظر هذا اليوم بفارغ الصبر، عشت عذاباته كلها، بحلوها ومرها ،وها هي تكللت بالفرح أخيرا .
يغمض عينيه هنيهة، تحضره واقعة الطف وموقف عابس الشاكري وهو يدافع عن إمامه ابن بنت رسول الله الحسين السبط، حين لم يستطيعوا غلبته، تقدم مبارزا، احاطوه من كل جانب، وهو يصد كل من يصل اليه، ويذود عن حرم الله ورسوله،رمى درعه وقلنسوته، شق قميصة عارضا صدره للشهادة، وهو يصرح (ويحكم، أعني تعرضون، والله ما على الأرض أحب من الحسين على قلبي، ولو قدرت ان ادفع عنه،وماعندي غير نفسي وهي فداء لله ورسوله)
فزّ على دوي قذيفة، فتحت ثغرة في الساتر الدفاعي، إلا أن حيدر ورفاقه كانوا لهم بالمرصاد، قاتلوا قتال الأبطال، بالرغم من الأجواء المظلمة، وسرعة الرياح الشديدة مع لسعات البرد القارسة. سقط عدد من زملائه بين شهيد وجريح، دفاعهم المستميت امتد لخيوط الفجر،و هو لازال يحث الباقين على القتال، حتى أطبق حصار النار عليهم، رمى خوذته وشق قميصه.. واستبسل في رد الأعداء وهو يردد ( نحن أبناء الحسين ،والله لانعطي بأيدينا إعطاء الذليل،ولا نفر فرار العبيد)
أوفى حيدر بوعده وعاد بعد أربعة أيام محمولا على الأكتاف، من ساتر الشرف إلى النجف التي شهدت
اطول زفة وأبهاها، جموع غفيرة استقبلته بالورود والأهازيج فلقد حضر كل من يحب بلده والشباب.. والده كان في المقدمة، وقد امتزجت دموعه بكلماته “كلنا فداء لعراق المقدسات” .. كوثر تبكي ، روح حيدر التي تسامت إلى السماء، وقبضته المطبقة على حفنة من تراب مضمخة بدمه الطاهر.
مهدي الجابري.. العراق