١..واجد
كان اكبرنا سناً ولكنه كان معنا في نفس الصف الدراسي فقد أدخلوه المدرسة متأخرا بعامين حيث أصيب بشلل أطفال ترك في قدمه أثر وكانت أمه تخشى عليه إلى أن أقنعها عمي بضرورة دخوله المدرسة وعندما رأتني واولاد عمي الآخرين نتجهز لدخول المدارس انتابتها غيرة فطلبت من عمي أن يلحقه هو الآخر بالمدرسة وليكن ما يكون…لم يشعرنا أبداً بأن هناك مشكلة في قدمه بل على العكس كان أكثرنا همة ونشاط في( الغيط) وفي الدراسة..وصل للمرحلة الإعدادية وعندما كان علي أعتاب الثانوي فضل والده دخول الدبلوم قائلاً
..(.كده كده هيتعين في نسبة المعاكين..فعلي ايه شيلة الهم ف الثانوي)…
وفعلاً تم تعيينه بعد انتهاء دراسته في المجلس المحلي للبلدة…وهو الآن جد لبنت وولد من ابنه .
٢..أنور
لم يحظ من إسمه شئ فهو كان أكثرنا شقاوة وعندما تنظر إليه تتوجس منه خيفة فعينيه حادتين.. السواد يغمرهما وأوداجه بارزة العظام ولسانه يسبق عقله فيرمي الكلام ثم يوزنه فيجد نفسه قد أفسد كل شيء لذا كنا أنا والآخرون من أبناء العمومة نتحاشا أن يحتك بأحد خارج نطاق معارفنا حتى لا يجر إلينا المشاكل…وقد أوقع نفسه في إحداها وكانت تلك هي مفرق طرق بمستقبله فعندما كنا في الصف الثالث الثانوي دخل مشاجره مع احد الطلبه من بلدة مجاورة انتهت بمركز الشرطة حيث قام بطعنه بمطواة فتم تحويله للأحداث ولم يستطع إكمال دراسته وهو الآن يسافر من بلد لأخرى من العراق إلى ليبيا بلا فائدة…ولم يؤسس اسرة ويعيش منفرداً حتي إخوته ( رموا طوبته) كما يقولون…
٣..عماد
لكل مجتهد نصيب..تنطبق حرفياً على عماد او د.عماد فهو طبيب تخدير متمكن وأستاذ بكلية الطب..كان أكثرنا التفاتاً للدروس خاصة عند دخولنا الثانوي فابتعد عنا وانكب علي التحصيل حتى التحق بالطب…لكن رغم نجاحه العلمي واجه فشلاً ذريعاً في حياته العاطفية فقد أحب إحدى زميلاته بالكلية وكان دائما يأتي ويحكي لنا عن لقاءته معها والغرام الملتهب بينهما وكيف أنها فضلته على كل أقرانه وأنتصر علي كل من حاول الإقتراب من عرش قلبها…وفعلاً تمت الخطوبة بعد فترة الإمتياز وجاءت لحظة مواجهة اغراءات الحياة …فلم يبق في التعيينات إلا قسم التخدير وكل منهما يرغب والمطلوب واحد.فقط..فاحتدم الصراع بينهما في أول اختبار حقيقي لهما بمعركة الدنيا…وكلنا بحزم وقفنا ضده عندما لمحنا لينا منه واتجاهه لتركه المكان لها..وكان قراره معنا وضدها فتفرقا…لكننا كنا نختار له الأبقى والأفضل من وجهة نظرنا ومن وقتها لا يأتي للبلدة إلا في المناسبات ولاندري شيئا عن عائلته الصغيرة ولا يشركنا في أي شيء يخصه
٤…درويش..أنا..
لمسني شيطان الشعر كما يقولون..كنت أكتب الأزجال والفصحى منذ أن كنت بالسادسة الإبتدائي وتطور معي الأمر حتى دخلت كلية الآداب قسم اللغة العربية…تخرجت ووجدت نفسي في مكان لم أتوقعه وهو مدرس لغة عربية بمدرسة اعدادي ..هذا فقط ما وصلت إليه..أين طموحي في أن أكون أحد رواد التنوير متل الرافعي وأحمد لطفي السيد والمنفلوطي وكذلك شاعرا مثل شوقي وحافظ وروائياً مثل طه حسين ونجيب محفوظ….كله انتهى إلى ساحة بوار…
رضخت لما وصلت إليه وسرت في ركاب الحياة بأفراحها وأتراحها ومن آن لآخر أكتب شعراً نثرياً او قصة قصيرة أشبع فيها هوايتي وكنت أرسل بعضاً منها للجرائد الأدبية.والبرامج الاذاعية..وجاء إسمي في كشوف المعارين لسلطنة عمان وأحسست أن مرحلة جديدة في حياتي ستبدأ…وفي يوم السفر المحدد…أتاني خطاب مسجل ..بأني مطلوب غداً في الإذاعة حيث فازت إحدى قصائدي في البرنامج الثقافي وسوف يتم تكريمي مباشرة عبر الأثير….وهنا جاء الإختيار بين ما أتمناه منذ زمن..وبين لقمة عيش أبحث فيها عن اطمئنان الغد …