. .
لا أدري كم مرّ من الوقت وأنا ساهمٌ، بصري ينفذ عبر نافذة القطار، وبالي يخلق سيناريوهات تجعلني أبقى هناك.
قبلها، ختمت رواية لهاروكي موراكامي! وكوب قهوة اشتريته من المحطة، رفعته حركت ما بقي فيه وارتشفته بلذة.
كم وددت مذ مدة زيارة مدينة الرباط، وها أنا مسافر نحوها، عربة القطار شبه فارغة، لا يجلس بجانبي أحد. غير نفسي المتعبة..
وصلنا محطة الرباط، حملتُ حقيبتي الصغيرة، طويت كوب القهوة المصنوع من الكرتون، رميت في قمامة عند قدمي، وضعت السماعات وهممت بالنزول.. جمهرة من المسافرين الكل يبتسم لا أعرف السبب، فقط صبي عبوس وجهه، لا اعرف السبب ايضا.
غادرت المحطة بغرابة تسبح فوق رأسي كغيمة، وقفت عند ساحة المحطة الخارجية، أقول لنفسي المتعبة، أي وجهة نسلك يا آنستي!
رفعت يمينها مشيرة من هنا، فتقدمنا لا ننبس!
أرمي خطاي وأنظر للمحلات والسابلة، اشتريت علبة شيبس من محل صغير يديره رجل كأنه ياباني أبا عن جد، وجهه مستدير وعينيه ملتصقتين.. وشعره أشيب ذكرني ب “ميازاكي” صانع افلام غيبلي”
صادفت رجلاً يفترش مجموعة من الكتب على الأرض، توقفت أمرر ناظري في العناوين، والرجل يمسح جبينه وينظر للكتب امامه كأنه يعدها، وينسى العدد ثم يكرر عمله.
انحنيت فحملت كتاب زينة الدنيا لحسن أوريد، ثم فتحته.. أشرت للرجل ملوحاً بالكتاب وقلت له : كم الثمن يا عمّ!
-أجابني بسرعة: ٤٠ درهم. وعاد لفرك جبينه والعدّ.
توقفت بجانبي، كيف أسميها؟ إنسانة جمالها يجعلك تخشى النظر لوجهها؟ أم ملاكٌ يخفي نفسه في أديم البني آدم؟ أم هي!
خيلَ إلي أن مكامن الشعور داخلي، وجمت للحظة، ثم هتفت في صوت رخيم: الله الله!
انحنت وحملت كتابًا بالفرنسية، شعرها مسترسل وترتردي نظارات طبية تناسب وجهها الملائكي.
ماذا أقول لها؟ اخبريني باسمك! واجعليني اذهب؟ أحمقٌ أنا.. ما هذا الذي يجعلني أقدم على امساك يديها والبوح لها بكل أسراري دفعة واحدة؟
انتشلتني من غياهب تفكيري بقولها: أهلا! قرأته؟
أجبتها وانا افرك جبيني: لعمري لا أقرأ الأدب الفرنسي الا لماما، لا أعرفه، آسف!
تبسمت، ففتح بابٌ بين اضلعي ودلفت منه بهدوء.
جمعت قواي وانشأت قائلا: اذن انت تحبين الادب الفرنسي؟
أجابت وهي تقلب الرواية: نعم، لكن أقرأ بالعربية والانجليزية أيضا، ماذا بين يديك؟
منحتها الرواية، ونسيت وجود صاحب الكتب، والناس والسماء! انا بين يدي رحمة الله الان!
قالت: جميل، قرأت له رواء مكة، اه! اسمي منال! يظهر عليّ من سليقتك انك لست من هنا! أقصد الرباط.
اسمها منال!
-نعم! أنا من فاس، اول زيارة لي للمدينة صراحة! لشرف لي بمعرفتك، انا محمد.
تبسمت، فانغلق الباب بين اضلعي، وبقيت داخلي للأبد.