
الموت لا يوجع الموتى. الموت يوجع الأحياء بعدهم. تلك لازمة تعيش للأبد بعد كل عزاء و تُعشش في نبض قلوب الأحبة عند عودتهم من مدفن موتاهم.
كان ذلك انطباعي الأول على خبر موت مهدي أو لنقل بلغة دقيقة مقتل المهدي. فالقتل هو ما يشكل ثقل الفراق و بالتالي دافع الكتابة عنه من أجل تخفيف وطأته. إن الحسرة و المداد محجوزان معا للذين لم يشبعوا من الدنيا و لم تقنع بدورها منهم. لذلك تبدو الكتابة عنهم إطالة لأعمارهم.
المهدي ليس غريبا عن ذاكرتي و مخيلتي . إنه ابن الرجل الذي تعرفونه في قصة سابقة. أقصد زبون النادلة نادية الذي كان يطارد دخان سيجارته في أقصى ركن من المقهى بعدما فقده كل شيء يملأ عقله أو فؤاده.
ذلك الموظف في إدارة السجون الذي تعامل طوال خمس و عشرين عاما مع المجرمين الفعليين أو الذي جعل منهم القضاء مجرمين غصبا عنهم، لم يَدْرِ أن رائحة القتل التي استنشقها في زنازين المحكوم جنائيا سترافقه إلى منزله لتخطف منه أغلى قطعة من قلبه. ابنه الوحيد الذي سمحت له الإجازات الخاطفة بإنجابه. و الآن حين أصبح في الثامنة عشرة؛ زهرة العمر و يرعانه خصوصا مع استعداده للحصول عل شهادة باكلوريا تفتح له صفحة جديدة من كتاب الحياة .لكن سِكيناً في سن الرابعة عشر؛ بأمر من مشروب خمر و حبة هلوسة كان بالمرصاد في غبش ليل حالك في بقعة مظلمة تقع بين بيت المهدي و المكان المخصص للدروس الليلية.
في مجتمعات مصر القديمة يُحتفل بالجمال عبر تشبيهه بالقمر الرابع عشر. عند الإسبان ريال مدريد فريق ملكي لأنه متوج بأربعة عشر لقبا أوربيا. الهولنديون يقدسون الرقم أربعة عشر أكثر من ملكهم لأن اللاعب العظيم كرويف كان يحمله. ثم يصل هذا الرقم ليحمل لعنة مغربية مُعلنا عن قتل و تشويه و ترويع المئات من البشر كما لو أن حامله يحن إلى عهد السيوف و البربرية، حيث يتوقف نبض قلب بريء في ربيع عمر مزهر بقرار سكين لم يتجاوز الرابعة عشر.