آهٍ وألف آه على تلك الأيام.. كنتُ مأفوناً.. من يجبر خاطري في ناقوس المرايا.. لا أعتقد أني وجدت بيادر الحقِّ وبواعث الأمل.. كل الأعزاء رحلوا وبقيت أنا!!.. أتسربلُ غياهب النسيان.. أعيش في رحم سماء عقيمة لم تبعث ذاك الخلاص..مازالت الطبول تقرع أقبية الظلام الحالك تتوسد الأكوان.. إلا أنايَ.. تلك النجمة التي تلمع بين اللاشيء.. دونما إرادة.. دونما رغبة في البقاء.. دونما بهجة في ثنايا السديم.. أنا ذاك الحرف التائه لما هجع السكون.. وأسدلت أغلال الصمت حكمها النافذ في خاصرة الحياة.. أو بالأحرى—في حانوت القرابين التي ملأت صفحات التاريخ.. كيف لي أن أخطَّ سطوراً مغلولة في أنين اللواعج!..كيف أكتب خاطرة وأنا مازلت أفتِّش عن المحجَّة البيضاء….
حينذا لذتُ بباحة مثخَنة بألبومات اللحظات المنيرة في ريعان الشباب.. أقلبها وكأن الألوان قد أضحت باهتةً يغمرها الرمادي أو ذاك الضباب الموحش… كلُّ الرسالات تخبو والعناوين تتلاشى… لم يبقَ سوى حرف هزيلٌ متمردٌ بين أطلال الرفات!!!
لا أذكر أني كنت أتغنج أو أتغندر أو أزهوَ بازدهاء كما كانت كل الحروف تتراقص بين السطور بمعزوفات الخلود.. لا أذكر أني كنت أعشق الخطوط بل في ركود وجمود!.. مازلت أبحث عن يرقان فراشات الحرية التي تلهو في الربيع وتمقتُ ذاك الأصفر الخريف وتلك الرمضاء القاحلة.. مازال حرفي يبحث عن غوث المطير وسط الهجير والنفير.. مازال يعشق نُدف الثلوج الذي يولج الأكوان في طيلسانٍ من بياض وعنفوان.. مازال حرفي توّاقاً لمجموع الثريا في الفضاءات.. ليستجدي كلُّ جميل بين النتوءات والفلوات والمغارات.. وقتئذ—سأنبلج من شرنقة المتاهات إلى أروقة يخضور الوريقات.. سأكون حبلى بكل الأفراح واللآلئ والسيمونيات.. سأزيح رَهج الغيمات.. سأَمحوَ السَّرابات.. وتلكمُ اللعنات!! نعم —حرفٌ بمثابة تصحيح لكل ما هو آت.. حرفٌ كأثير وذو تأثير يعتلي الوثير.. يغرد كالباسقات الشاهقات السامقات.. يجتاح شرور أبالسة ويمنع أيةُ تهديدات.. كيما أعودُ حرفاً يعيد بهاء الإنسانيات!..
أسبح بحروفي بين اللغات… هاقد وطأ مداد أحباري أرصفةَ الأمنيات.. لكني—وصلت متأخرا جداً أنكفئ بين سجالاتٍ من إحداثيات بغير هُدى.. أطوي تتراً كلمات تتقاطر زخاتٍ زخات.. لا شيء سوى نزيف براءات.. لا شيء سوى التضحيات.. وَيْحي… واأسفاه! أمازلت أعيش مراهنات.. بأنّي سأعود كما كنت.. ذو قيمةٍ.. وأيمُ الله الذي بيده الغيبيات.. سأظل شهيداً لكل الأوقات.. علّي أزهرُ من جديد بأرضٍ وسماواتٍ.. حتى يأن ذاك الميقات!!!.
إمضاء: تائهٌ بين سرادقات التيه