-1–
العيون ..
كل عيون المرضى المنتظرين بالاستقبال ومعهم ذووهم تنظر إليك في عطف شديد .. فالمشهد مرتفع درامياً حتى وصل إلى ذروته ..
تسحبك زوجتك من يدك .. تدخل بك إلى حجرة كشف الطبيب .. وطفلتاك ( أمل ، ورجاء ) متشبثتان بأطراف ثيابك المتهالكة ..
تجلس زوجتك أمام الطبيب تشرح له حالتك بالضبط .. ومازالت طفلتاك تتشبثان بثوبك ..
يأمرك الطبيب بالاسترخاء على ظهرك ..
تنام على ظهرك وطفلتاك تمسكان – وبشدة – بأصابع يدك اليمنى ..
تتحول عيناك نحو شاشة التلفاز التي تبث مباراة كرة القدم الدائرة بين قطبي الكرة المصرية ..
يصرخ في وجهك الطبيب :
– الضغط عالٍِ .. عالٍ جداً جداً
تتحول شاشة التلفاز إلى بقعة دماء كبيرة .. كبيرة جداً جداً .. تسع الكرة الأرضية .. فوق هذه الدماء ترقد الشعوب العراقية .. الفلسطينية .. اللبنانية .. الأفغانية .. السودانية .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. ..
هذا التحول اللا إرادي لا يراه غيرك ..
فجأة ..
تجد نفسك تقهقه.. وتقهقه قهقهة تتبعها آهة !!
يتعجب الطبيب لأمرك ..
-2-
بشدة يصرخ الطبيب في وجهك بعد أن ظهرت أمامه نتيجة العينة العشوائية لقطرات دمك ..
– والسكر عالٍ .. عالٍ جداً جداً
الدماء الملطخة بوجه شاشة التلفاز تتحول إلى مظاهرة احتجاج كبيرة .. كبيرة جداً تجوب شوارع العاصمة تندد ببيع البقية الباقية من تاريخ مصر ..
فجأة ..
تجد نفسك مدفوعاً وبقوة .. تقهقه .. وتقهقه قهقهة تتبعها آهة !!
-3–
في غيظ شديد ينظر إليك الطبيب .. إنه في عجب مما يحدث منك .. يضع في فمك مقياس درجة الحرارة..
المظاهرة التي تجوب التلفاز تتغير .. تتحول لتملأ الشاشة بأكملها بصورة المعلم (عجوة) صاحب العقار الذي تسكن في إحدى شققه ، يتحدث إليك وحدك دون غيرك ..
(اسمع يا أفندي الإيجار عندي أهم من الدنيا واللي عليها وأنا ما بتدخلش دماغي كل حججك الفارغة ..المرتب قليل .. العيال .. الكهرباء .. الحياة .. كل ده ارميه على جنب الأهم ثم الأهم الإيجار وإلا قسماُ عظماُ أطر…………)
لا تجد لك من بديل غير أن تضع يدك فوق فمه بقوة حتى لا ينطقها .. يتراجع المعلم (عجوة) عن طردك مثل كل المرات السابقات عندما يرى زوجتك وهى تدخل عليكما حجرة الضيوف لتضع شاي الضيافة ..
زوجتك التي يتمنى الزواج منها مقابل جلوسك في الشقة طيلة عمرك أنت والأولاد هذا ما صرح به في آخر جلسة أنس مع الأصدقاء ..
يتراجع عن طردك لأنه سوف يحرم من النظر إلى قوامها الذي ليس له من بديل .. ولون عينيها الذي أوقعه على وجهه ..
في ذهول وخوف وحذر يتراجع الطبيب إلى الوراء وهو مازال يحدق في الترمومتر.. قال وهو يتصبب عرقاً :
– درجة حرارتك عالية .. عالية جداً.. جداً .. جداً
ثم أردف قائلاً بعد سكون :
– ازاى إنت عايش لحد دلوقتى …؟!!
تنظر إلى زوجتك .. تتذكر لحظة رؤيتك لها وهى تحمل بين يديها آخر مجموعة لديك من أمهات الكتب – لتصبح مكتبتك عارية .. خالية – لبيعها إلى عم (عبدا لمعز) من أجل دفع ثمن الكشف الباهظ .. ثم تنظر إلى طفلتيك
اللتين مازالتا تتشبثان بأصابعك ..
تجد نفسك تقهقه .. وتقهقه قهقهة تتبعها آهة ..!! حتى طفرت عيناك بالدموع ..
على الفور يضغط الطبيب فوق الجرس القابع بجواره .. سريعاُ تدخل إليه (التومرجية) مبتسمة .. وفى أدب جم راحت تقول :
– نعم يا دكتور ..
في خوف وهلع ينظر إليك الطبيب ثم يقول :
– إدى الأستاذ ثمن الكشف ..
في عجب تنظر إليه زوجتك ثم تقول :
– ليه يا دكتور …؟!
الإجابة موجودة على طرف لسانه ..
– علاجه ليس عندي .. علاجه هناك في مستشفى الأمراض العقلية والعصبية ..
فجأة ..
تجد نفسك تقهقه .. وتقهقه قهقهة تتبعها آهة !!