الأستاذ أسماعيل خوشناو من مواليد 1973 أربيل ، قرية كنفلوس/ حاصل على بكلوريوس شريعة من جامعة دهوك/ بدأ في النشر في مجلة (افاق تربوية ) الصادرة باللغة الكردية / نُشِرَت نصوصه باللغة الكردية في مجلة (نوالة ي نوى) وجريدة (خبات) / بعدها بدأ الكتابة باللغة العربية ليكتب ثلاثة مجموعات شعرية هُنَّ على التوالي (لوحات من نون) و(نوارس الامل) و(قوافي البقاء) / نَشرت قصائده كل من جريدة الزمان وجريدة النبأ وجريدة المرايا .
قوافي البقاء ، من هذا الاسم والمضاف اليه وَشَمَ أسماعيل خوشناو مجموعته الشعرية ، هذا العنوان الذي حملَ توأمين من القصائد (عمودية ونثرية) استطاع من خلاله ان يُشير الى الغرض الشعري من قصائده ، القوافي هي جمع قافية ، القافية كما قال الأخفش ” هي اخر البيت الشعري” ؛ او كما قال الخليل ” هي من اخر ساكن في البيت الى اقرب ساكن يليه مع المتحرك الذي يكون قبله” ، وقد سُميت القوافي في الشعر لأن بعضها يقفو بعضاً أي يتلوه ؛ هذا عند العروضيين ، اما في اللغة فهي مؤخرة العنق ، ويبدو ان الشاعر لايعني القافية بعينها انما ارادَ قفوة البقاء ، ذلك البقاء الذي يدلُّ على الثبات والدوام والمكوث والأستمرار من باب البقاء لله جملة تقال في العزاء و البقاء للأصلح والصراع من اجل البقاء وهكذا ؛
ضَمَّت المجموعة بين صفحاتها ( 29) قصيدة عمودية الحصة الأكبر كانت للبحر البسيط بينما توزعت البقية مابين الكامل والمتقارب ، و19 قصيدة نثرية عُنوُنِت بعناوين لافتة دالة على محتوى القصيدة (امنية وذكرى/ واقع مؤلم/ علم ونور/ أيَّا شعبي/ الاميرة/ وطن وضياع/ سامحني ياوطني/ أعتذر منك/ حب الرسول/ الغياب/ شاعر بلا وطن/ شموس زائفة… .. الخ ) ،
ان العلاقة بين البحر الشعري والغرض الشعري علاقة وطيدة ، يقول ابو الهلال العسكري ” وإذا أردتَ ان تعمل شعراً فأحضر المعاني التي تُريد ، ينظمها فكرك وأخطرها على قلبك ، وأطلب لها وزناً يتأتى فيه ايرادها وقافية يحتملها ، فمن المعاني ماتتمكن من نظمه في قافية ولا تتمكن منه في اخرى ” ؛ وبما ان للشعر أغراض ولهذه الاغراض علاقة بالوزن فقد نجح الشاعر بالأتيان بكلمات واضعاً لها مايناسبها من الاوزان لتحقيق المقصد من كتابة قصيدته ،
في قصيدته (أدعو وأبكي) التي كُتبت على البحر البسيط والتي كان حرف رويها الميم وهو صوت مجهور متوسط الشدة والرخاوة ، يدلُّ على الحدَّة والاضطراب كما يدل على الخنوع والضعف هذا الروي جاء مناسباً ومنسجماً مع الغرض الشعري من القصيدة ؛
…
ما السَّعْدُ باتَ لنا بَيتَاً فَيَجْمَعُنا
هَلْ زَوجَتي تَشْتَفي يَوماً وَنَبْتَسِمُ
أَيُّوبُ طابَ لَهُ ضُرٌّ أُصيبَ بِهِ
مِنْ رَبِّنا قَدْ شَفَى مِنْ أَمْرِهِ الْأَلَمُ
لَولاكَ رَبِّي لَما صارَ الْأَمانُ لَنا
نَشْفَى إِذا لَو مَضَى مِنْ عِنْدِكَ الْقَلَمُ
ما زِلْتُ أَبْكي لَعَلَّ اللهَ يُفْرِجُهُ
عَنَّا الْبَلاءَ وَما يَأْتي بِهِ السَّقَمُ
قَلْبي وما ظَنُّكُمْ والنَّارُ تُحْرِقُهُ
شَوقٌ وَقُرْبٌ هُما فَجْرٌ أَوِ الْعَدَمُ
أَدْعو وَأَبْكي أَنا ما زِلْتُ ذُا أَمَلٍ
يَوماً سَتَشْفى وَشَقُّ الْبَهْجِ يَلْتَئِمُ
أَشْكو لِرَبِّي فَرَبِّي خَيرُهُ مَدَدٌ
يَأْتي بيُسْرٍ فَمِنْهُ الطِّيبُ وَالنِّعَمُ
—–
القصيدة هي ليست شكل هندسي يتم قياسه لأستخراج الطول والعرض والارتفاع ، ولأنها ليست كذلك فلا يمكن قياس القصيدة اعتماداً على طولها او عرضها ، القصيدة الرصينة تقاس بعمقها الدلالي ، وهنا تكمن عملية اصطياد المعنى وصياغة التراكيب التي تتلائم مع الموسيقى الشعرية (البحر) والغرض الشعري(المعنى) ، فمتى تطابق البحر مع المعنى وُلِدت بنتٌ جميلة أسمها القصيدة ، وشاعرنا نجح في ابراز هذا التطابق فأنتج قصيدة عمودية رائعة ؛
قصيدته (ياقيس) التي كُتِبت على البحر الكامل :
يا قَيسُ هَلْ في الْحُبِّ أَبْقَى صائِماً
بَعْدَ الْجُنُونِ أَلا تَراني نادِما
ها قَدْ أَرَى الْآَشْجارَ ها قَدْ أَثْمَرَتْ
وَأَنا وَقَلْبي نارُ قَحْلٍ آُضْرِما
أَفَما تَرَى بِالْحُبِّ قَدْ صارَ الْفَطي
مُ عَظيمَ دارَ شَهامَةٍ نَجْمَ السَّما
يا لَيتَني هَلْ لَيتَني أٌتُفيدُني
فَالْحُبُّ لي ما كانَ يَوماً باسِما
أَلَمٌ وَلا يَدْري الْغَبِيُّ بِعُمْقِهِ
فَبِذِكْرِ لَفْظِ الْحُبِّ دَمْعي قَدْ هَمَى
أَبْكي على حالي وما لي حيلةٌ
شِعْرٌ بِلا حُبٍّ كَبَيتٍ أَظْلَما
وَتَعِبْتُ مِنْ خِدَعِ الْحَياةِ وَزَيفِها
يا لَيتني قَدْ كُنْتُ دَوماً نائِما
فَعَلى بِساطِ قَصائِدي مِنْ كُلِّ لَو
نٍ لَوحَةٌ مِنْها الْجَمالُ فَقَدْ نَما
أَنَّى لِآَهْلِ مَشاعِرٍ يَبْقَى بِلا
حُبٍّ وَلَو مُرَّاً يَفُوقُ الْعَلْقَما
يا قَيسُ هَلْ تَأْتي فَإِنِّي حائِرٌ
فَالْحُبُّ هَلْ أَمْسى لِجُرْحٍ مَرْهَما
حِرْمانُ قَدْ عانَيتُهُ مِنْ يَومِ ما
أَدْرَكْتُ أَنَّ جَمالَنا قَدْ أُعْدِما
كَمْ كُنْتُ في شَوقٍ لَعَلِّي قَدْ أَرَى
حُلْماً بِلَيلَى بِالْجُنُونِ فَأُكْرَما
فَرَأَيتُها وَالْبَدْرُ يَمْشي خَلْفَها
بِبَهائِها إِنْسٌ وَجِنٌّ أُغْرِما
يا حُلْمُ لا تَبْخَلْ عَلَيَّ بِذِكْرِها
كُنْ بي رَؤُوفاً كي أَراها دائِما
—-
من باب ان الشعر حسَنهُ حسِن وقبيحهُ قبيح على قول (الشنقيطي) ، ففي قصيدته (مولد النبي) صلى الله عليه وسلم مدحَ الشاعر النبي وهو مدحاً ليس للتكسب المادي انما لكسب الشفاعة فقد انطلق الشاعر من رؤية روحية مليئة بالتجليات الصوفية ، مؤكداً الحقيقة المحمدية ، فجاءت منسجمة على مستوى العمق الدلالي وجزالة الجُمل وفخامة الكلمات ، وصورة شعرية مطرزة بالنور والضياء ؛
مُذْ كُنْتُ طِفْلاً وَقَلْبي باتَ في شَغَفٍ
في حُبِّ مَنْ قَدْ جَلا في عَهْدِهِ الظُّلَمُ
فَالْمُصْطَفى خَيرُ مَنْ في الْقَلْبِ مَنْزِلُهُ
نَبْقَى وفي حُبِّهِ دامَتْ لنا الْقِيَمُ
قَدْ جاءَ مَوْلِدُهُ أُنْظُرْ لِفَرْحَتِنا
في كُلِّ صَوبٍ تَرَى شَوقاً وَيَبْتَسِمُ
رُوحي وَفي ذِكْرِهِ بَدْرٌ وَفي فَرَحٍ
مازالَ في لَهْفَةٍ يَرْوي لَها الْقَلَمُ
نُورٌ أَنارَ لَنا الْأَيَّامَ كامِلَةً
أَيَّامُنا دُونَهُ قَفْرٌ لَهُ الْعَتَمُ
في غارِ حَرَّاءَ قَدْ كانَتْ رِسالَتُهُ
إِقْرَأْ وَكُنْ عَلَماً يُهْدَى بِنا الْأُمَمُ
قَدْ صارَ في عَلَنٍ لِلْكُلِّ مَدْرَسَةً
نَهْجٌ أَحاديثُهُ أَقْوالُهُ حِكَمٌ
لا نُورَ نُورٌ إَذا يَرْضَى بِلا قُدُمٍ
نُورُ الرَّسُولِ فَلا يَغْفُو لَهُ الْعَلَمُ
مِنْ يَومِ ما شَهِدَتْ أَرْضٌ وِلادَتَهُ
عَمَّ السَّلامُ بِهِمْ وَالْخَيرُ والنِّعَمُ
غَرْبٌ وَيَحْسُدُنا كَنْزٌ وصارَ لنا
تَحْتَ الْغُبارِ اخْتَفَى لا يَنْفَعُ الرَّقَمُ
—-
القصيدة النثرية كما هو معروف نثر غير موزون ولاتلتزم بقافية تحمل صوراً شعرية ومعاني شاعرية ، ولكن هذا لايعني ان نعتبر كل نثر شعر ، فهناك اسس تُكتَب على اساسها القصيدة النثرية ، ان قصيدة النثر يجب ان تجمع بين لغة الشعر ولغة النثر وبين الكتابة الشعرية والكتابة النثرية ، ففي قصيدته (سامحني ياوطني) تمكن من رسم صورة شعرية استدلالية اتسمت بالكثافة ،
…
أَنا مِثْلُكَ يا وَطَني
عَرْشُ نُصُوصي
وَ عِنْواني
تَحْتَ وَطْأَةِ الْإِحْتِلالِ
غَريبٌ مُنْهَارٌ
اِغْتِصابٌ
على كُلِّ مائِدَةٍ
وَقَتْلٌ
وَهَتْكُ عِرْضٍ
ما حُفِظَتْ مِنْهُ
أَحْرارٌ
قَدْ دَنَّسَ رِجَالٌ
أَلْوانَ الْحُسْنِ يا وَطَني
لا يَسْتَحْيُونَ مِنَ الْفَضْحِ
حَتَّى لَوْ فاحَ مِنَ التَّأْريخِ
أَسْرارٌ
سَأَموتُ ياوَطَني
وَذِكْرُ اسْمِكَ على لِساني
صارَ قاصِراً
عُقُودٌ وَأَنا أَحْلُمُ
كَيْ أَتَغَنَّى بِاسْمِكَ
وَتَغيبَ عَنْ حُدودِكَ
الْأَشْرارُ
سامِحْني يا وَطَني
الْمَوْتُ
داهمَ كُوخي
وما زِلْتَ
تَحْتَ دَنَسِهِمْ
يُخْفيكَ بِظُلْمٍ
عَنِ الْمُخْلِصينَ
غُبارٌ
—-
ان كتابة القصيدة النثرية لاتشبه كتابة كتاب علمي او تاريخي فالكتابة فيه قد تخلو من الليونة والطراوة ، اسماعيل خوشناو كتب قصيدة نثرية فيها طراوة الشعر ولغة مفهومة مفتوحة المعاني والدلالات ؛
للسيرة ألفُ حكاية
—
لِلسِّيرَةِ
أَلْفُ حِكايَةٍ
طِفْلٌ مُسِحَ فَمُهُ
فَنُحِتَ لَهُ السُّكُوتُ
شِعاراً و هِوايَةً
لُعَبٌ
أَصبَحَتْ شَيْخَاً
كُوني وَقُوراً
فَقَد جُسِّمَ لَكَ السُّكُونُ
حَتَّى الْبِدايَةِ
شابٌّ
أَصبَحَ الْغَزَلُ بَعدَهُ
أَرمَلاً
مَعرَكَةُ الْجَدَلِ والسِّياسَةِ
قَد سَرَقَتْهُ
مِثْلُ الرِّوايَةِ
رَجُلٌ
يَبْحَثُ عَنْ فِراشِهِ الْمَفْقُودِ
فَالرَّاحَةُ
صُورَةٌ
عَلى جَبينِ وِسادَتِهِ
تَنْسِجُ مِنَ الْقِصَّةِ
كُلَّ الْخَفايا
عَجُوزٌ
عَلى مَهْلٍ
تَعُضُّهُ الذِّكْرَياتُ
وَتُرجِعُ بِهِ
مِنَ النِّهايَةِ
إِلى الْبِدايَةِ
فَلِلسِّيرَةِ
أَلْفٌ
بَلْ أَكْثَرُ
مِنَ الْحِكايَةِ
——
اسماعيل خوشناو من خلال مجموعته الشعرية التي اتَّسَمت قصائدها بالوجدانية والوطنية والصوفية بينَ تجربته الشعرية التي أنضجتها الأيام ، فمن يتأمل صورها الشعرية يجدها خير تعبير عن نفسية الشاعر ، لقد كان الشاعر حذراً في التنقل بين صور قصيدته الشعرية ، ولهذا اتت تدريجية متناغمة وسهلةً مستساغة ، قصائده العمودية مُفعمة بالايقاع والموسيقى ، استطاع من كتابة عبارات شعرية منحت القصيدة وهج النشوة ، قصائدٌ صادقة نابعة من اعماق روحة .