
عرضت منصة نيتفلكس التي تهتم بالغرائبية فلم بيدرو بارامو من اخراج رودريجو وسينياريو ماتيو جيل سنة 2024 وهو يعتمد على رواية بنفس الاسم كتبها المكسيكي خوان رولفو( 1917-1986) الذي كان يميل للعزلة.
اشاد بورخس بالرواية ووصفها باهم عمل ادبي في القرن العشرين وقال عنها ماركيز انها كانت دليله ليبدع مائة عام من العزلة وانها قرأها اكثر من عشر مرات.
لم يتمكن الفلم من نقل تلك اللغة الشعرية وحذفت من الرواية مقاطع هامة،لكنه انجاز رائد لصعوبة تناول مثل هذه الاعمال.
لقد تمكن خوان رولفو من ابتكار الواقعية السحرية او رسخها..ما احدث تغييرا جذريا ليس في الادب المكسيكي بل في القارة الجنوبية.
ورغم ان النقاد استقبلوا العمل ببرود فان السنين كشفت عن اهمية الرواية التي ترجمت لاكثر من ثلاثين لغة وسجلت رقما مرتفعا بالمبيعات.
تبدأ الرواية باظهار شاب يمضي في طرق حجرية وعرة قاصدا قرية امه كومالا تنفيذا لوصيتها..بحثا عن ابيه الاقطاعي المستبد بيدرو بارامو الذي هجرهم قسوة ( طالبه بحقوقنا..وسترى قرية مزهرة جميلة كثيرة الاشجار. .).
يصقعه ما رأى لم تكن قرية كومالا الا قرية اشباح و موقعا مسكونا بالرعب واصوات الموتى.
تبدأ الرواية من لقاء البطل الشاب خوان برسيابو بالحوذي بيدرو يقود حمارين فيصف له كومالا بانها قرية مهجورة تماما.. يقول له جئت ابحث عن ابي بيدرو فيجيبه انا ابنه ايضا..هذا الرجل المعدم الذي كان مرسالا ينقل للعالم اخبار قريته وينقل منه لقريته الاحداث..الرجل الاكثر ضعفا سيواجه الاقطاعي الذي اذل الناس ومارس الاغتصابات واستولى على ممتلكاتهم..وتمكن من قتله اخيرا.
لم يكن ابنه انها اشارة رمزية ذلك ما تكشفه الرواية فيرد فيها قول( كلنا ابناء بيدرو).
وهي اما اشارة لكثرة الاغتصابات او لان بيدرو يتحكم بالجميع حتى انهم لشدة الاذلال احبوه. وان ظاهريا او نزولا على حكم العبودية.
فالشعوب بعد سنوات من الاضطهاد تعده حالة طبيعية.
وهو ما ظهر حين فضحت( دونيا ادونيخس) سرا لخوان واخبرته بانها ذهبت بديلا لامه ليلة زفافها..وبعد تردد وافقت متاثرة بسحر عيني صاحبتها..لكنها كانت ايضا ترغب ببيدرو الذي عاد ثملا وكل ما فعله رغم اغرائها له ان وضع ساقيها بين ساقيها ونام ثملا وفي الفجر غادرته وهو في غفوته لتدعو العروس صديقتها المقربة ان تلتحق ببيتها الزوجي..وكان مشعوذ قد حذرها من الزواج بتلك الليلة نظرا لطبيعة القمر.
هذا المشعوذ يدعي تخليص المرضى من الارواح الشريرة ويتعرى امامهن احيانا ويدخل بين سيقانهن وهو يملؤهن بصاقا هاذيا وقد ينال واحدة منهن.
كل الاسرار التي كانت تجري في كومولا سيفضحها اناس موتى. .اشباح ..في زمن متشظ يتداخل فيه الماضي والحاضر والمستقبل.
في الرواية ادانة للكنيسة في ذلك الزمن حين يحرف الدين ويستغل لتغطية الفسق والمنافع الذاتية..
القس لايطلب الصفح لامراة خاطئة لكنه يمنحه لابن بيدرو الغارق بالدموية والانحراف.بعد موته.. ويتقبل نقود بيدرو للكنيسة ولسان حاله يقول( ان الصلوات لا تملأ المعدة.).
وحين يحاور ابنة اخيه الذي قتل اباها نجل بيدرو وجاء لها يطلب الصفح فاغتصبها..يسألها القس عمها هل قاومته اجابته بل ابتسمت له لانك علمتنا ان نسامح ونعفو.تلك مهزلة وتحريف لتعاليم المسيح.
لم ينتج خوان رولفو في حياته غير هذه الرواية ومجموعة قصصية (السهل المحترق 1953).
لكنه تمكن من صنع ثورة اسلوبية في تاريخ الرواية العالمي.