
عالم النفس هو عقل وقلب وﻻيطلق أحكاماً أبداً إنه يلاحظ ويحب ويفهم وﻻيرى العمل ذاته اللهم إﻻ من أجل إصلاحه .. عالم النفس هو إنسان تقي وأعني بهذا أنه يرتبط بكل مايحيط به شعوراً وارتباطاً يتعاظم بالتدريج فهو يعلم أن الخوف يسيطر على كثير من الناس وأن القلق يغمر نفوسهم، و يبحث الناس عن اﻷمن قبل كل شيء أمن ينبغي للأسرة والمجتمع أن يوفراه له فإن لم يجدوه فيهما تفاقم هذا القلق
ودور عالم النفس منح أمناً جديداً والعمل على أن يجد كل امرئ في ذاته اﻷمن ويسير عالم النفس على رمال اﻹنسانية برمتها وينظر إلى جميع اﻷعمال بعين واحدة، فلا شيء يدهشه وﻻشيء يثير في نفسه النفور، ويفهم دون أن يصدر اﻷحكام .. عالم النفس يتحدث إلى كل فرد بلغته ويسمع أسراراً واعترافات ﻻيسمعها أي شخص آخر إنها المادة اﻹنسانية التي تنسكب أمامه فهو يعتبر هذا اﻷمر شرفا له وﻻيتباهى في نفسه بذلك أبداً، وليس كل هذا الكلام عاطفة بل هو الشرط واﻷساس الجوهري الذي يعمل وفقه عالم النفس .
تتمثل لأهداف الأساسية للجلوس مع المريض حفظ السرية والعلاج والمتابعة وتقديم النصائح والحلول ومهمة الأخصائي النفسي أن يقود هؤلاء إلى حالة من النضج العام عبر التقنيات النفسية المتاحة ويبقى السؤال هل يستطيع الإنسان أن يساعد نفسه دون الحاجة لاختصاصي نفسي ؟ مما ﻻشك فيه أن اﻹنسان يستطيع أن يدرك بعض اﻷمور البسيطة في حياته ويعدلها نحو اﻷفضل وهذا مايسمى بمبدأ الاستبطان أما فيما يتعلق باﻷمور العميقة فهذه الأمور مكبوتة في الأعماق وﻻيستطيع رؤيتها بنفسه مهما حاول ومهمة المُعالِج النفسي هنا تكمن في تقريب الصورة بين الموضوع المُتخيَّل و بين الواقع بالإضافة للمعالجة الدوائية عندما تقتضي الحاجة لذلك .
العلاج النفسي هو عمل عظيم ونتائجه كبيرة لكن هذه النتائج لن تظهر بشكل سريع
لكن وجب التذكير بأن الحصول على نتائج العلاج ﻻ تقتضي الانتظار حتى ينتهي العلاج فهذه النتائج تتجلى منذ أن تتحرر بعض الطاقات التي تجمدت في عصاب نفسي ولكن هل فئة الشباب أم الكبار أو الرجال والنساء أكثر شرائح المجتمع التي تتعرض لبعض الحالات النفسية وماهى النصائح لهم ؟ نقول أن الاختصاصي النفسي لا يمييز بين الآخرين مهما كان جنسهم أو أعمارهم لكن بما أن الأطفال لم تكتمل لديهم اللغة والمنطق فقد يحتاجون لرعاية أكبر وفهم أكثر و لذلك فمن المهم إدخال بعض وسائل التفريغ النفسي كالرسم و اللعب وغيرها لحل بعض المشكلات النفسية لديهم وهو الشيء الذي يحتاج لأماكن خاصة غير العيادة لكن لا أمانع أبداً من استقبالهم ومساعدتهم بقدر إمكانياتنا وفهمنا .
لماذا لا تختصر الجلسات بجلسة واحدة ؟ نقول : حسناً لنفرض أن شجرة انحنت خلال سنين من فعل الرياح فمن المؤكد أن ليس باﻹمكان تقويم هذه الشجرة دفعة واحدة تحت طائلة كسرها فوراً أو لنفرض أن كسراً بسيطاً في عضو من الأعضاء في الجسم قد حصل فهل نستطيع تقويمه في يوم أو يومين ؟ أم أنه يحتاج لشهر وأكثر في الجبس ؟ هذا الوضع في الجبس يعطي مايقارب 800 ساعة إذا احتسبنا أنه يبقى لأربعٍ وعشرين ساعة في اليوم فكيف إن كنا نتحدث عن كسر بليغ في الشخصية نشأ واستمر لعدة سنوات ؟ وهل أستطيع أن أتغلب على المرض النفسي كالاكتئاب والخوف والوسواس بقوة اﻹرادة ؟ هذا كل الخطأ .. إذا كانت السيادة على الذات تطلب منك جهد فهذا يعني أنه ﻻ وجود للسيادة على الذات السيادة على الذات انسيابية و تلقائية وتزول حالما يظهر الجهد ﻹثباتها اﻹرادة ينبغي أن تتجلى كعمل أصيل لا كعمل مصطنع وتمثيلي فهى تظهر بفعل طاقة موزعة توزيعاً منسجماً بالفرق أو التحسن لكن لن يستطيعا رؤية العمل النفسي ذاتا وختاماً فإن الصحة النفسية هى حالة من النضج والعافية يستطيع فيها الإنسان إدراك مكانته الخاصة والتكيّف مع ضغوط الحياة العادية والعمل بشكل منتج ومفيد في مجتمعه المحلي بقدر ما يستطيع .
—
(*) استشاري الصحة النفسية والارشاد الأسري.