
توطئة:
هُوَ مَاءُ الشّعْر حَياة،مُذْ لَبِسَ الشّاعر دِثَار الاحْتفاء بالْكَلمة والحَرْف..وَهُوَ لا يَنِي يَسْلُكُ مَسَالِكَ الْعبُور الْأنِيقِ ،يَبْحَثُ عَن لوْنٍ،عنْ صَوْتٍ،عن عنوانٍ ..عن فلسفةّ تَلِيقُ بهِ وبهِندامِهِ الشعري الإبداعي..عن أرضٍ شِعريةٍ قَمِينةٍ باحْتِضانِ أنْفاسِهِ،لواعجهُ،صَمْتهُ،صَهِيلهُ..إبْحارهُ وَتجْذِيفه الشّعْري الْخَلاّق المُؤْتَمِرِ بالدَّهْشَةِ الشِّعْرِية الْجَمَالِية.
تَنْصَهِرُ ذاتُ الشَّاعِر فِي مَلْمَحٍ أوْ تَجَلٍّ شِعْرِي إبْدَاعيٍّ؛ فيتشاركه مع الْمُتَلقِّي .
يَرْسُو بِنَا من خلال نُصُوصِهِ؛ الّتي زَرَعَ فِيهَا بَعْضاً مِن تسكُّعاتهِ وَمَتَاهاتِهِ الشِّعرية/ تسكعات ١٩٩٩.
هي التّسَكُّعَات الشِّعْرِية تكشِفُ عن مُكَابَدَات الشَّاعر فِي رَسْمِ وَطَنٍ يَلِيقُ بهِ بعيداً عَنْ تُخُومِ جغرافية الاغْتِرَابِ والضَّيَاعِ.
الْحَكايا ليْسَت واحِدة ..هي حَكايا شَاعِرٍ، وقَصائد وَمعاني وأحْلام ..
في محطة قصيدة بعيدة،
قد تفرخُ الغربة أول اللّيل
آلاف الْعابرين
إلى قوله:
كل الحقائب متشابهة،
غير وجه واحدٍ..وحقيبة واحدة
والْجُمركي لا تعنيه الحكاية
من هنا مضى يلمع نَياشِين صدره..
ومن هناك مَرّ وطن مهرب في حقيبة..
فالتّسكُّعات إذن ليست واحدة وليست متشابهة؛ فالْمُغتربُ يُحسُّ بالاغترابِ فِي وَطَنِهِ؛ فيمضِي في أثرِ حلمٍ وقصِيدةٍ..
أسْفارٌ فِي تَضَاريسَ شِعْرِية منحوتة من دهشةٍ،من موقفٍ،من ذات نخرتها أسئلة الْوُجُودِ وَالْعَالَمِ.
مَا يَفْتَأُ الشّاعِرُ ينتقلُ للإعلانِ عن شتاتهِ..باحِثاً عن مراسِي تُؤْنِسُهُ ..هو المُسَافِرُ عَلَى الدّوَامِ غَيْر عَابِئٍ بِلُهَاثِ الرّيحِ.
يَصْرُخُ الشَّاعِرُ دَوْماً فِي وَجْهِ الْمَوْتِ وَرَصَاصَاتِهِ..مُحْتَمِياً بِالْحُبِّ
…
وحدهُ الشّاعرُ لا يموت
لكنه دوما تحت أعطافها النبية
يخبئ الموت الّذي
يفجع القصيدة
الْعَوَاصِفُ لاَ تُربِكُهُ؛تُقَوِّيهِ ..حِينما يَتْعَبُ وَيَكَلُّ يَلُوذُ بالتِّجْوَالِ فِي الْأرْضِ.
هو شبيه الأشجار يُولدُ.. ينيرُ..مَوْعُودٌ بِالْحُبِّ والْحَيَاةٍ والْجَمَالِ؛ متَى كَلَّ وَتسَلَّلَ إِليْهِ الْوَصَبُ، جَدَّدَ عَزِيمَتَهُ الشِّعْرية وارْتادَ آفاقَ الشِّعْرِ الْحالِمَةِ الشَّفِيفَةِ.
هذا كُلّ مَا يَفْعَلُهُ صَديقي ” نور الدِّين ضِرار”؛ أنَّهُ يُواعِدٌ شَمْسَ الْغدِ لِيُنْشِدَ ويُغنّي متأبِّطا رفِيقَهُ ” العود” ..وأوراقه وكتابه ..مُنتشيا يُسَامِرُ قصيدةً، لَحْناً صادِحاً بِمَوَاوِيلَ ..
هذا كل ما يفعله صديقي” نور الدّين ضِرار” أنهُّ يُحَاوِلُ الْقبْض عَلَى لحظة أوْ مشْهَدٍ هَارِبٍ مِن زِحَامِ الطَّرِيقِ ..يَتَفَرَّدُ بِهِ فَيُحِيلُهُ إِلَى نَصٍّ بَهِيجٍ مُبْهِجٍ يُمَارِسُ غِوَايته عَلَى كُلِّ مَنْ يَدْنُو مِن أفْيَائهِ وعَرصاتهِ وشَلاّلاته.
كُلّ مايفعله الشّعر بالشّاعِر أنّه يُحْييهِ مَتَى أحَسَّ بِشُحُوبِ الطّريق؛ يجعلهُ يَنْكَتِبُ وَيَكْتُبُ لوحاتهِ الْحَيَاتِيَّة الْمُشتهاةِ فِي ظِلِّ وَاقِعٍ مُتَسَارِعِ النّبضِ،مُنْهكٍ،فَاقِدٍ لِأَلْوَانِ الْحَياَةِ.
فِي ” الحسيمة” ارْتشَفَ حِبْرَ الدّهْشَةِ؛ فَعَانَقَ حَرْفَ ” سامح درويش الشَّاعر الْجَمِيل، سَيْراً عَلَى نَهْجِ ” باشو” …
كانت الدّهشة بحجمِ فتنة اللقاء الشّعري في المقهى الأدبي ” تارجيست” بمدينة الحسيمة بشمال المغرب؛ عانق نبض درويش ..فكّك الإشارات والعلامات واقترب من النَّبْض الشِّعرْي بِخِفَّةٍ دُونَ أنْ يُحْدِثَ ثقوبا أو جُرُوحاً، وكأنَّهُ معالجٌ نفْسَانِيٌّ يَقْتَرِبُ مِنَ الْمَريض لِيَكْشِفَ عَنْ سَبَبِ العِلّة والاعْتِلالِ.
رنَا إلى الأفق الرِّيفي مُنْتِظِراً مُرُورَ غَيْمَةٍ لتُمْطرهُ شِعْراً باذِخاً ..
وَ فِي مدينة” تاوريرت” وعلى وادي ” زا ” جدّد العناق ” الهَايْكًوِي ” / شعر الهايكو؛ من خلالِ تشذيبِ حدائق باشُو ..فكانت الهلوسات الشِّعرية ..
بِلاَ رُتُوشٍ يُقْبِلُ نحْوكَ ..يُعَانِقُكَ
هكذا عرفت الشّاعر المبدع ” نور الّدِّين ضِرار”..
شُرفته الشِّعرية بليلة بماء الشّعر؛ يَتذكَّرُ فِيها صَدِيقَهُ الَّذي ودَّعهُ لِيَكْتَوِي بِلَهِيبِ الْحَيَاةِ.
هو الباحث عن جدوى الْحَيَاةِ ..الانْوِجَادِ..عَنْ وَطَنٍ يَسْتَوْعِبُ حِكَايَتَهُ ..أحْلامَهُ..فهو دائم السُّؤال. والانْشِغَالِ.
يقول :
صديقي
الذي ودَّعنِي بالأمْس
لم يكن حكاية لتروى في ليل السُّمار
من ديوان : توشيات ٢٠١٣
هُوَ الشّاعِرُ الَّذِي يَحْضُرُ فِي قَصِيدَةٍ مُنْهَكَةٍ طِفْلاً مُتَجَذِّراً فِي الزّمَنِ الطُّفُولِيِّ رغْمَ الالآهَاتِ الْحَرَّى ..يُواعِدُ امْرَأةً / وَطَناً بِكُلِّ حَنِينٍ وانْتِظَارٍ.
من قصيدة ” بورتريه تقريبي لرجلٍ مشبوه/ ديوان ” توشيات لأهوال الْحُبِّ والمطرِ”.
وَ هُوَ يَهُبُّ وَيَقْتَفِي أَثَرَ الْقَصِيدَةِ يَكْشِفُ عَن هُوِّيَّتِهِ الْعَاشِقَةِ لِلْحَيَاةِ.
فَهُوَ الدّرْوِيشُ الَّذِي يَلْبَسُ جُبَّةَ الْعِشْقِ لِتَهْدَأَ رُوحَهُ ..يَتَمَثَّلُهَا فِي شَطَحَاتٍ شِعْرِيةٍ تَعْكِسُ مَا تَحْبُلُ بِهِ ذَاته.
هَكَذَا عَرَفْتُ الشَّاعِر الْمُبْدِع ” نور الدِّين ضِرار ” وأكثر ..
هو الشَّاعِرُ البَاحِثُ عَنَّا ..عَنْهُ فِي قَصِيدَةٍ ..نَصٍّ..شَطْحَةٍ..لوْحَةٍ
..مَعْزُوفَةٍ، لَحْنٍ،أُغْنِيَّةٍ …الخ.
عرفت ” نور الدّين ضِرار” شاعرا إنساناً عازفا لحن صداقة نبيلةٍ..يمضي مبتسما،متفائلا …
تلقاهُ وديعاً ..يمشي بخطاهُ الشعرية ليحتفي بالظلال الخفية في التجارب الإنسانية.بقلب مفتوح على الحياة والمستقبل يشيد صروح نصه الشعري ..مظلة الشعر عندهُ امتدادٌ للموسيقى.
البحر وضرار ..
يمشي نحوه
يهمس له ..
يناجيه
ها قد أتيتك وأنا في كامل أناقتي
لا أحمل سوى قلب مُهادِنٍٍ..
خلَّفْتُ ورائي العاصِفة ..الزحام،
أيها البحر ألهمني سحر الأمواج،
عمقك الباذخ،
زرقتك المهيبة..
دعني أجرب أن أكون
بحرا ..
دعك تأتي إليَّ
لتكون مكاني ..
لا أحتفظ بالأسرار مثلك،
ألفظ سِرِّي ..دهشتي ..شهقتي
مع قصيدة،أغنية ولحن ..
أنا صادق وأكثر،
مزّقْ ثياب غطرستك
جَرِّبْ أن تكون مَكانِي
لنتبادل الأدوار
أنا البحر ..
أنت الشَّاعر ..
لحظة ..
تكفي لأصير أنت ..
وتصير أنا ..
هل أبصرتني ..
شفيف جدا ..صادق جدا..
هل يكفي هذا لنقايض موجا بموج
…
أنا الشاعر المهلوس،
المتسكع في جغرافية الإنسان ..
الباحث عني ..
هل يكفي هذا لميلاد قصيدة ولحن وحياة؟!.
أنا العابر ..
العاشقُ…
الْوَلِهُ ..
ألوذ بِك من صَخَبِي ..
من أمواجِي ..
من هلوسَاتي ..
من تسَكعَاتي ..
لتشرق فيّ شموس الله ..
لتباركني أيها الرب الجميل ..
دعني أنام في حضن موجك ..
لأنحتني بذاكرة الموج
سمفونية موسيقى ..
هو الإله يبارك صوتي..موجي..لحني..صلاتي ..
هنا الشاعر ..
هنا البحر
هنا امتداد العشق
والحياة
…
هنا ميلاد فجري.
بيضاء يد الشاعر لا تقترف غير الحب والصدق والأمل ..
يجنح نحو عالم حالم طوباوي ..يحاول أن يشيد صروح مدينته الشعرية الحالمة بمنأى عن مدن شاخ فيها الجمال وساد فيها القبح ..
فيختلي بعوده وأوراقه وقلبه ..ينحت أفقه الشّعري عندما يهجع الأنام ..في ركن أثيرٍ يواعد فكرة ..لحنا ..حياة ..يقص أجنحة الموت بمقص الكتابة الشعرية الأنيقة ..
فهل يصمدُ الشعر في زمن العهر الفكري وفي زمن القبح والرداءة والابتذال …؟!.
هذا ما يفعله صديقي ” نور الدّين ضرار” ..فالشّعر عنده وطن..
كلما حاصرته المدنِيّةُ العرجاء حمل نفسه وسافر حيث قرى وأرياف الشِّعْر مفتوحة على إشْراقاتٍ وأحْلاَمٍ ومواعد يُزْهِرُ معها القلب وينتشي..
نور الدِّين ضِرار إشراقات مُوَشّاة بِخُيوطِ الشّعْرِ المُضِيئة ..
هذا كُلّ مَا يَفعلهُ صَديقي ” نور الدّين ضِرار”..
يُنبتُ الزّهر في الأصص الميّت
يُوَاعِدُ الحُلم في الْمَمَرّات الْمُفْلِسَة
يُمَوْسقُ الْحَرْف..
فَيَتّسِعُ صَدْرهُ للجَميع
يُلَوّحُ بِكَفّهِ
فَيَنْمُو الْحَبَق والرّيحَان
هَذا ما يفعلهُ ..
يَرْتَادُ مَضَايِقَ الْكلِم
يُنْصِتُ لِيُفَجّرَ ينابيع محبّةٍ
وسلام ..
هَادئاً..
أنِيقاً يَمْشِي مُعانِقاً لَحنهُ
مَقامَاتِهِ نَشْوى ..حُبُور..
يُرتّبُ لِغَيْمَةٍ ..لِفَجْرٍ ..لِصُبْحٍ
لِحُلمٍ يُشِعُّ فِي لَيْلٍ بهيمِ،
فِي جُعْبة حَكَايَاهُ أغانِي نابِضة بالْحياةِ؛ يَذْهَبُ إلَى الْقَصِيدة وَ فِي يُمناهُ قيثارة، يَعْزفُ عَليْها أنْغَامَهُ..أشْوَاقَهُ،رَسَائلهُ الْحُبْلَى بِالْحُبِّ.
يُضْرِمُ في أراضِي الشِّعْرِ فِتْنتَهُ،صَهيلهُ..ويزرعُ شتلات الرُّوح فِي الْحَدائق الشِّعْرِية؛ فيجعلُنا نُقبلُ على الْحَياةِ وعَلَى الْإنْصَاتِ.
مُوَارَبَةٌ نوَافذَهُ أمَامَ العازِفين نوتات الشِّعْر الْوَدِيعَة..فَمرافِئ الشّعر والشّاعِر لا تهْدَأْ؛ تُكْتَبُ أشْعاراً تقفزُ على الْعَراءِ لِينبُتَ النّبضُ الشِّعْرِي الْمُفْصِحِ عَن متاهاتٍ وتَسَكُّعَاتِ الشّاعر وتَوْشِياتهِ.
يُشْعِلُ في أرْضِ الشّعْرِ كناياتٍ ومجازاتٍ واسْتِعاراتٍ يٌغَذِّيها من نبضٍ فيّاضٍ بالْحُلُمِ والْحُبِّ والأملِ.
يُدَاعِبُ بِسَجِيًّتِهِ وإدْمَانهِ الشِّعري الصُّور والْمشَاهِد الشِّعْرية ..فينقلها لَنَا في شَكْلٍ نُصُوصٍ أنِيقةٍ.
خَرائطُهُ الشِّعْرِية تًلْتَحِمُ معَ صوت الذّات فَيَكُونُ الْفتْحُ الشِّعْري شلالات هَادِرةٍ بِمَاءِ الشِّعْرِ الْعَذْبِ السّلْسَبِيلِ..
تَلْتقِيهِ فِي بُسْتانٍ؛ فِي لَيْلٍ ضاجٍّ بالإيحَاءاتِ..فِي مُنْعَطَفٍ شٍعْرِي يُبَاغِثُ وَمْضَةً ..هَايْكُو شٍعْري؛ فَيُبَادِلُكَ التّحِيَّةَ.
ففي لوحة الرّماد ؛ النَّص الذي أهداهُ إلى فَقيدةِ التّشكيلِ الْعَربي ” ليلى العطار”؛ يَرْسُمُ عُبُورَهُ إلى عوالمها الإبْداعية التّشْكِيلية الحالمة بحياةٍ بَهِيٍَةٍ.
كيفَ تصرخُ فيها اللَّوحة ..وكيف تتشكّلُ؟!.
يُسَافرُ بنَا فٍي دُنى الشِّعرِ ؛ حَامِلاً مِعْطَفَهُ لِيُهْدِي للقارِئِ / الْمُتلَقِّي سِحْرَ رُوحِهِ.
يقول :
كلّ السّبل الغبراءِ
متواصلة فِي أنْحائِي
كلما راودتها مَطَايَا أَسْفاري
شتات الشّاعر غير شتاتنا
يلتقطهُ لِيُوزّعهُ في السّواحل الْمُتْعَبَةِ..
كُلّ الْأفْضِية تَعْرِفُهُ؛ فخُطَى الشّاعر ليْسَت ثقيلة..
للسّواحل أن تَأمَنَ بِصُحْبَتِي
للسُّيُول السَّاهِمَة في هديرِ أمواجها
للأرصِفَةِ أنْ تُعَلِّلَنِي
…إنَّهُ الشّاعرُ عِندما تَمتلئُ بهِ الأمكنة والأزمنة يَنْزَعُ نَحْوَ تُخُومِ اللغة لِيَزْرعَ حُلماً يانعاً ينتصرُ على عمَى الْألوانِ.
لا يفزعُ من لُهاثِ الرّيحِ ..
هو هكذا الشّاعِرُ الْحَالِمُ الْمُسَافِرُ دَوْماً
الْمُتصيِّدُ لِجَمِيلِ الْأحْلاَمِ والْمعانِي في الأزْمنَِةِ الْبَلِيغَةِ.
إشْراقَاته الْمُوَشّاة بِخُيُوطِ ضَوْءٍ شفَّافةٍ، تَكْشِفُ عَن نَوَايَاهُ وَ دوَاخِلَهُ.
..
فقط أنا وأنت هُنا..
لا برَّ بيننا
لا بحْر دُوننا..
لا أرض ..لا ولا سَماء..
هي إشْرَاقَاتُ حَيَاةٍ مُغَايِرَةٍ ارْتَضَاهَا لِنَفْسِهِ..إذْ تنْتَشِلُهُ تفَاصِيل الْحَياة الْأخْرَى فَيرْمِي بِنَفْسِهِ فِي سَمائِها الْفَسِيحَةِ لِتُشْرِقَ شُمُوسَ الرّبِ الْجَمِيلِ وَيَحْتَفِي بِالْفَجْرِ.
يا أيُّها الربّ الْجميل
حتما،هنا أو هُناك
سَيظلُّ كل فجر في رُبُوعِي
من شموسك المُشْرقة
هِيَ إشراقة الشِّعْرِ تسْتَمدُّ قوتها من إشراقة الفَجْرِ.
فرَادِيسَهُ الشِّعْرِية تنْفَتحُ علَى تجْربةٍ مُتنوعة : ( شعر،هايكو،ترجمة،موسيقى…الخ)؛ فهو الْمُترْجِمُ الْمَسْكُونُ بِلُغَةِ المُوسِيقَى؛ هذه اللُّغة الْكَوْنِية الَّتِي تُخاطِبُ الْفِكْرَ وَالْوِجْدَانَ؛ الباعثة عَلَى الْحيَاةِ والإبْدَاعِ والْحُبِّ فِي مواسم جفّت فِيهَا ينابيع الأحَاسيس كمَا جفَّت الْفُصول وينَابيع الْمَاء.
تُناديهِ الفُصول والطَّبيعة، فيلتقط سكناتها،إشاراتها.
الْموسيقى والشِّعر :
إنّ الشّعرَ والموسيقى لاينفصِلانِ ..فالمبدعُ وَهُوَ ينْظم أشْعَارَهُ يُمَوسِقُها..يبعثها قِطَعاً مُوسِيقية ..ولوَحات فَنية ..
فِي عُزْلَتهِ يُنْصِتُ ..يتأمَّلُ،يكتشفُ المحيط.
تُباغِثُهُ اللَّحظة الشّعْرِية ويتقاسمها مع القارِئ / المُتلَقِّي ..الْمُقْتفِي لأثرِ الْجَمالِ..فَالدّفْقَة الشّعْرية تَطْرِقُ أَبْوَابَ الْوِجدَان؛ فَيَكُونُ النّحت الشّعْري الْجَمَالي مَمْهُوراً بِحِسٍّ مُوسِيقيٍّ لِتَكْتَمِلَ قَصِيدَةً بَدِيعةَ الْمَبْنَى والْمَعْنَى هندسة شعرية أنيقة.
عندما يختنِقُ العالمُ بالضَّجيجِ والتلوث وتنْعدِمُ فِيهِ ألوان الْحَياةِ،يَعُودُ الشاعر المبدعُ ” نور الدِّين ضِرار” إلَى الطَّبيعة ليُحَاوِرَهَا،فتُفْصِحُ لهُ عَن سِحْرِهَا،فِتْنتِها،هُدُوءها، ألوانها الزّاهِية ..فيَفُوحُ أرِيجُ الْقَصِيدِ وَيَتَضَوَّعُ ..فَتُشْرِقُ شَمْسُ الْعَالَمِ من جَدِيدٍ وَيُمطِرُ زخّاتٍ مِنْ ضِيَّاءٍ.
أناشِيدُهُ مَعْزُوفَاتٍ مُنْطَلٍقَةٍ،حَالِمَةٍ عَجَنَهَا بأنَامِل شِعْرية عَاشِقة للنّغمِ والمُوسِيقى والنُّوتَاتِ.
يَنْبُتُ الْعُشْبُ الشِّعْري؛ فِي مقهى،على الرّصيفِ،في شارع مدينة،في الْمُنتَصََفِ بيْنَ الدّهْشَةِ وَالسُّؤالِ ..فِي الْجُسُورِ الْعَابِرةِ نَحْوَ الآخَر: ( أصدقاء،شعراء،…الذين لفظهم الهامش والْحَياة…الخ).
يَدْعُوكَ لِعِنَاقٍ شِعْرِي، لارْتِشَافِ لحظة قهوة ..لِسَفَرٍ مِخمليٍّ سَاطِعٍ..لاَ يُوَلِّي قَلْبَهُ صَوْبَ الألوان الْمَيِّتَة؛ يُوَاعِدُ الْخَرِيفَ مُنْتَشِياً بِتَحْلِيقٍ شِعْرِيٍّ رَبيعيٍّ، يَزْدَانُ حَرْفه وَيَتَجَمَّلُ بِشُمُوعِ الأمَلِ الَّتي يُوقِدُهَا كُلَّمَا زَحَفَ الدّيجُور عَلى الْعَالمِ فابْتَلَعَهُ،وَطَمَسَ مَعَالمَهُ الْبَدِيعَةِ.
بِلاَ أقْنِعَةٍ يَأتي إِليْنَا مُنْتشِيا..يُصَافِحُ كَفّ الْبَيَاضِ الْمَمْدُودَة لِحَنَّاءِ الشّعْرِ..
يَدْعُونا لِتَحْلِيقٍ شِعْريٍّ أَنِيقٍ بَاذِخٍ، وَعَزْفِ أنَاشِيد من الْحَيَاةِ وَإِلَى الْحَيَاةِ. فَيَنْتَصِرُ عَلَى سُدُودِ الْكآبةِ وَالْحُزنِ والْألَمِ.
يَرْوِي عَطَشَهُ مِن فَيْضِ الْمَحَبّةِ اللاَّمَحْدُودَةِ.
يَمْتَشِقُ حُسَامَهُ / عُودَهُ فَيُدَنْدِنُ أَلْحَاناً ..أغَانِي تَسْبُرُ الزّمَن الْمُمْتَد من انْبِلاَجِ فَجْرِ الْقَصِيدِ إلَى انْبِلاجِ بَسْمَةٍ عَلَى شِفَاهِ مُحِبِّيهِ.
يُقِيمُ فِي مِحْرَابِ الشّعْرِ يَتَهَجّدُ؛ فَتَنْفَتِحُ لَهُ آفَاق الدّهْشَة الشّعْرِية الرّحْبة،وتُطَاوِعُهُ الْقَصِيدةُ وَتَنْصَاعُ؛ فَيَقْطِفُ مِن ثِمَارِها وفاكِهَتِها مااشْتَهَى وَ مَاشَاء..وَما دنا من الرٌّوحِ وَالْقَلْبِ.