العنوان هو العتبة المقدسة نصيا, فبه يتكثف المتن ومنه يأخذ هذا المتن شحنته التي تبقيه صالحا- وباستمرار- للقراءة بكل أشكالها المواجهة والفاحصة والمنتجة انه النص وعن طريق ضبطه نتمكن من إيصال طرود الانطباع والتأويل بسلامة تلق فاعل, على اعتبار أن العنوان هو الموجه الأساس الذي تسترشد به القراءة عن أخبار النص الأدبي والغاية التي يريدها حمد الدوخي , فهو أداة توجيه مهمة جدا بين الاداوات الأخرى انه تسمية النص, وجنسه وانتماؤه, يعد العنوان أول المعايير التي يقاس في ضوئها -نصيا- مدى الاهتمام بالقارئ , ومدى الاشتغال على إغوائه عن طريق هذه العارضة الاشهارية -العنوان- أي الاهتمام بالقارئ المقصود , المخصوص بالخطاب, الذي -كما يرى وولف- يمثل فكرة النص المركزية التي تشكلت في ذهن الكاتب الذي أكد عليه علي ايت, فالاهتمام بالقارئ يعني الاهتمام بالنص نفسه , لان القارئ هو المتكفل بإعادة أنتاج النص وتشكيله على الدوام , فقد أصبح القارئ مشاركا ومتابعا ومفسرا لكل شفرات النص ودلالاته وفك شفراته انه مبدع ثان للنص وهذا ما يريده رمضان احمد ,إن نظام العنوان يعمل وفق قوننة غاية في الحساسية , إذ يتبلور النص بموجبه, فإذا كان العنوان طويلا ساعد على توقع المضمون الذي يتلوه,أما إذا كان قصيرا فعندها لابد من قرائن تساعد على التنبؤ بالمضمون,ومن الممكن أن يكون دالا صوتيا كان الرواية تكون (قاتل أو النهاية الحتمية, أو الأمل), أو أن يكون علامة محددة بنوعها مروية مثلا , أو علامة استفهام , أو على شكل نقاط وعند ذلك يبدأ العنوان عمله بوصفه حسب امبرتو ايكو – مفتاحا تأويليا, أو مفتاحا لمدخل الرواية,فهو يختصر الكل, ويعطي اللمحة الدالة على النص المغلق , فيصبح نصا مفتوحا على كل التأويلات, وهنا في (قاتل أبيه ), سنتطرق للعنوان عن طريق تقسيمه إلى أقسام , لقد اشتغل المبدع الروائي ( زيد الشهيد) العنونة الرئيسة الخارجية بترتيب متسلسل, إذ انطلقت من العنوان المفردة (قاتل) لتصل إلى العنونة الخبرية ( أبيه) التي تساعد على توقع المضامين الروائية التي تنضوي تحت هذا الشريط العنواني, فضلا عن ذلك فقد مثلت الهندسة العنوانية عند (زيد الشهيد) جملة من الوظائف التي تعد وظائف ترويجية للمحتوى الروائي, فنراه يقول: قاتل أبيه خطاب سردي يرتئي مؤلفه زيد الشهيد إقبال القارئ عليه بشوق , ويطالعه بلذاذة, يتحرك في دروبه ويدخل منعطفاته حتى إذا أدرك منتهاه شعر بإشباع ذات التهمت كل ما هو نافع وصالح ومفيد من تجارب الحياة. وعلى وجه خاص فان العنونة من كونها تشغل منطقة إستراتيجية في عملية التلقي, هي المنطقة الأولى بصريا ودلاليا, تلك المنطقة التي يحدث فيها التصادم الأول بين القارئ, والعمل الأدبي,وفي ضوء ذلك امتلكت هذه العناصر وظيفة خطرة هي قيادة القارئ إلى جغرافية العمل الأدبي ومنحه مفاتيح استكشافه وإضاءة مجاهله,ولا سيما أن رولان بارت قد وسع مفهوم السيمياء , فلم يعد محددا-كما يرى دي سوسير- بالعلامة اللسانية,بل بكل ما هو لفظي,أي محاولة تطبيق اللغة على الأنساق غير اللفظية كالأساطير, والأزياء,ولون الغلاف ,والرسم التشكيلي الذي يطرزه وغيرها, فجعل السيمياء فرعا من اللسانيات وليس العكس , فقد صارت السيمياء,ذلك العلم الذي يهتم بالإشارة مهما كان نوعها,طقوسا, رموزا,عادات,كلمات, ملابسا,ديكورات, طعاما, وكل ما من شأنه أن يحمل انطباعا رمزيا أو دلاليا,ومما لاشك فيه أن العنوان بوجه خاص يمثل قمة هذه العتبات ,بل هو أخطرها, إذ يكفي تخطية لمسك خيوط العمل أو النص الأساسية, فهو نص قصير يختزل نصا طويلا, وهو المفتاح الذي يفتح الأبواب التي تفضي إلى العالم الذي نريد اكتشافه فهو بنية رحمية تتولد منها معظم دلالات العمل أو النص الأدبي, وتكفي القارئ نظرة يسيرة عليه ليتعرف منها محتوى ذلك العمل أو النص كما يراه عبد الكريم السعيدي. قد بين لنا الروائي المبدع (زيد الشهيد ) في التصدير الغيري يكون بمثابة عملية توليف, ذلك لأنه قائم على استيراد مقولة غيرية لــ(بودلير), يصدر بها نتاج ذاتي, أي انه حملة دعائية للمصدر , ولابد لهذه الحملة, لكي تحقق انتشارها ووصولها من أن تراعي سلامة انتقاء المقولة التصديرية للنص المراد, والمراعاة تتم في فحص الرابط بين مقولة التصدير ,والمتن الذي تتقدمه , لتبيان فاعلية هذا التصدير وقيمته الجمالية في رسم المسار البياني للكتابة التي يتبناها هذا التصدير:-)) لا املك قناعات كما يفهمها أهل عصري, لأني لا املك طموحا, لا توجد داخلي قناعة لأية قاعدة / اليوميات)).
إن أهم ما يميز الروائي المبدع ( زيد الشهيد ) كتابته الواقعية ,التي تميزت بشعرية الحرف, ورمزية الكلمة, ودقة المعنى, وقصر العبارة, وجماليتها, واختيار العنوانات المناسبة, والشخصيات المتميزة, والأحداث المعبرة, والمؤلمة, والحبكة المتماسكة, التي تصل إلى الذروة, وتسجيل واقعي للزمكان في الحرب, والمدينة, والظلم والاضطهاد للإنسان المثقف من بدايتها حتى نهايتها التي انتهت أحداث الرواية فيها والتقنيات التي إلف الكتابة بها سردا يكاد يكون مرئيا,مخترقا بأضواء الذاكرة عن عراق الروائي زيد الشهيد ومدينة السماوة تحديدا ,إذ اللغة هنا بأبسط إشكالها, وليست عبارات الغلاف سوى توثيق افتراضي فني لهذا العنوان, وكلمة فني هنا كناية عن مناسبة لوصف ما يجري في حياته المفعمة بالحزن, فهو اغتيال الثقافة العراقية والمثقف, فنراه يقول:- بوفاة ساجد روضان ومرور أربعين يوما على وفاته دخلت أمه إلى غرفته لتشرع بالتعرف على مقتنياته والتبرع بملابسه إلى الفقراء في جاور منضدته المركونة في زاوية الغرفة وجدت حزم أوراق وقصاصات بعضها بأسطر ملأتها الكلمات وبعض كانت تضم عبارات وجملا غير مكتملة جمعتها وخرجت ألقت بها في حاوية حرق القمامة المركونة عند حافة رصيف الشارع.
ان الشخصية للروائي/ السارد تجري عميقا في تاريخه الشخصي عبر نهر طويل هذه المشاهدات, والتداعيات لا أعرف أن كانت تهدف للتطهر من الحنين أو هي بداية جديدة لعشق لكنها بكل بساطة شهادة عراقي مثقف يشعر بالأسى والحزن لما وصل إليه البلد من نكبات وتدمير ,ولم يعد لرؤية بلاده إلا بعد سقوط الطاغية ,ولهذا تركت نفسه أمام مرايا اللغة ,والذاكرة,والعين ,كلها معا لتعكس داخل اللغة الصور التي تتدفق أمامه محاولا جهد الإمكان ان يستفيد من كل ألعاب الأداء الفني ,والبلاغة,والتقنيات المعروفة للكتابة, أرد لهذا النص الروائي أن يكون شهادة حية ما استطاع إلى هذه الشهادة حيادا ودقة دون إخفاء أو مواربة أو مجاملة, إن ما كتبه الروائي المبدع (زيد الشهيد) هو تسجيل بأقل ما يمكن من الصفة الأدبية واقل منها الشعرية لكي يقترب أكثر من هذا الواقع الذي اعتقد انه بمجرد تصويره يحتوي على إبعاد شعرية إنسانية وتاريخية على مستوى كبير من الأهمية, لان التاريخ يكتب الآن ,وليس هناك مؤرخون مكلفون وحدهم بكتابة التاريخ الحديث هو محصلة كل الكتابات ,لقد وجد عراقه مهشما مثل جرة أسطورية ما زالت فوقها النقوش والألوان ولكنها تحت الإقدام, وتحت العجلات ,وتحت الركام أما أبناء هذا الوطن فكأنهم يعيشون خارج الأرض في كهف اسمه العراق, فكانت عيني الروائي عدسات لرؤية العراق الجريح, في الماضي والحاضر والمستقبل فهو يمتلك قدرة أدبية, ونقدية في معالجة الموضوعات الرئيسة, ويتميز أسلوبه بالجدية, والدقة المتناهية في تسجيل تاريخ العراق الحديث, والمعاصر.