رواية “المتشابهون” للكاتب المصري أحمد الطايل عمل سردي يحتمل تأويلات متعددة، ويحاور القارئ عبر خطوط تتقاطع فيها الأسئلة الوجودية مع مشاهد التحول الاجتماعي في مصر. العنوان وحده يُعد بوابة مريبة وغامضة، تطرح تساؤلات لا تنتهي حول حدود الفرد والتكرار والتماهي. من هم المتشابهون؟ ولماذا يتشابهون؟ هل هي لعنة أم قدر؟
العنوان: المعنى يتجاوز الظاهر
“المتشابهون” ليس مجرد تسمية، بل موقف فلسفي من العالم. إنه عنوان يوحي بأننا نعيش حيوات متكررة، نحمل الوجوه نفسها، نتورّط في الهزائم ذاتها، ونراوح في نفس الأدوار الاجتماعية. الطايل، منذ البداية، يُحيلنا إلى أن بطله – أو أبطاله – ليسوا فريدين، بل نسخًا من نسخ، ضمن نسيج اجتماعي يعيد إنتاج الإنسان على نفس الهيئة، وإن اختلفت التفاصيل.
البنية السردية واللغة
العمل لا يُراهن على الحبكة التقليدية، بل على حركة الزمن النفسي للشخصيات. لا شيء يحدث خارقًا، لكن كل شيء يتداعى من الداخل. لغة الطايل، على بساطتها الظاهرة، مشغولة بعناية. لا تزخرف المعاني، لكنها توصلها بذكاء. تتكئ على جمل قصيرة، متتابعة، تخلق إيقاعًا داخليًا يشبه التنهيدة أو الارتباك.
شخصيات تحمل ظلالاً رمزية
الشخصيات ليست مقصودة بذاتها، بقدر ما هي تمثيلات لتيارات اجتماعية:
“رضوان” هو الأب، لكنه أيضًا الحنين إلى زمن مضى، زمن الانضباط والبساطة، زمن كان فيه للتقاليد مكانها الثابت.
“ناهد” ليست فقط الزوجة، بل هي أيضًا المُفاوضة بين عالمين: عالم قديم يُجاهد للبقاء، وجديد يفرض شروطه بقسوة.
أما الأبناء، فهم الجيل الضائع بين الاثنين، الذين ورثوا العبء دون أن يُستشاروا.
كل شخصية تتحرك في الرواية وكأنها على خشبة مسرح قديم، يُعاد فيه تمثيل العرض ذاته مرة بعد مرة، بحركات محفوظة سلفًا.
الزمن، كائن روائي قائم بذاته
أحمد الطايل يُعامل الزمن ككائن لا يمكن تجاهله. ليس مجرد خلفية للأحداث، بل فاعل رئيسي في الرواية. ثمة تعاقب خفي بين الحاضر والماضي، بين لحظات الوعي والانهيار، وبين طفولة تتراءى في الذاكرة وواقعٍ يتآكل. الزمن في “المتشابهون” لا يمضي، بل يدوّر الوجع.
الرموز: من الشرفة إلى الختم
ثمة رموز متناثرة في الرواية، لا يفرضها الكاتب على القارئ، بل يتركها لتعمل بهدوء. الشرفة – مثلًا – ليست مجرد مكان عابر، بل منصة مراقبة صامتة. من هناك ترى الشخصيات العالم وتتأمله، لكنها لا تشارك فيه حقًا. الختم الرسمي الذي يُنتظر في مشاهد كثيرة يعكس سطوة البيروقراطية، والبحث عن اعتراف وجودي من سلطة غائبة.
في الخلاصة:
“المتشابهون” ليست رواية حكاية، بل رواية حسّ. حسرة مُستترة على وطن يتحول وأفراد يتشابهون لأنهم لا يُمنحون فرصة الاختلاف. أحمد الطايل يكتب بعيون من عاش تحولات مصر الاجتماعية، لكنه لا يُصدر أحكامًا. فقط يعرضها، ويدعنا نحن نقرر: هل حقًا نحن متشابهون؟ أم أننا فقط نُجبر على ذلك؟