عندما أتصفح بعض المقالات التربوية، أو تقع عيني على عنوان في زاوية ما، سرعان ما أخمن مضمونه، وأدرك – قبل القراءة – أنه لا جديد ينتظر، لأن المحتوى يكرر نفسه بلغة مجترة ميتة، فقد أصبحت أخمن موضوعه و طريقة طرحه و خلاصته التي تشابه كل الخلاصات التي لم تعد تثير فينا رغبة في القراءة أو حتى الاطلاع فبات لا يستهوينا حتى النظر إلى مضمونها، تكرار يجتر تكرار، لغة جافة بعيدة كل البعد عن خصوبة اللغة المنتجة. وكان الفكر تجمد على قالب حكمه الحرام والردة إن تعديته أو زاغ فكرك عن أسواره.
حقيقة أننا في حاجة إلى الأرضية النظرية التي تؤطر مقالاتنا و تضبط مسارات تفكيرنا، و لكن ليس إلى درجة الجمود والتجمد في التقليد والاتباع، إن اللغة المستعملة في مقالاتنا التربوية من كثرة ما تم استهلاكها وتكرارها أصبحت مريضة و شاحبة، رغم المساحيق اللفظية التي يجهد البعض في تزيينها بها كي يخفي بشاعتها، و قد يزيد عليها بعض الصور البلاغية الباهتة ليحسن من جمالها، إلا أنها زينة لحظية، لا تعمر إلا هنيهات حتى تنكشف عورتها، وسوؤها فتهرب النفس منها و تعافها.
و حتى أن هذه الإبداعات – إن سلمنا جدلا أنها كذلك لم تعد تضيف للحقل التربوي الذي غدا صحراء قاحلة بعد أن هجره أصحابه الذين تنكر لهم أهلهم فألفوا الجاهز، ما دمنا في عصر الجاهز الذي استهوى بفراغه و اتكاليته على الجميع، فإننا إن قمنا باستقراء سريع لهذه المقالات سنجدها لا تعدو أن تكون اقتباسات وإحالات على مبدعين سبقونا في التنظير، و ربما حتى إلى تقديم الوصفة الجاهزة” للتنزيل.
إن تملكنا لمنهج الكتابة التربوية وأدواتها، ليسا كافيين للإنتاج و الإبداع، ما دام العمل التربوي متجددا، و يضعنا يوميا أمام وضعيات تحتاج منا إعمال الفكر الإبداعي لإيجاد حلول تربوية سليمة ستكون لا محالة عونا و طريقا يسلكه آخرون لفك خيوط ظواهر اشتبكت حتى كادت أن تصير بلا حلول و استعصت حتى ظن البعض أنها قدر محتوم قد كتب على زمننا الذي نعيشه.
إن لغتنا العربية و خبرة كتابنا قادرتان على الانتقال بنا من مرحلة الاجترار و الاقتباس و المقالات الطويلة التي لا يقرأها أحد، إلى مرحلة الإبداع و الإنتاج الذي يشد القارئ الباحث عن حلول و أفكار تساعده على فك الشفرات التي قد تنكشف ثغرتها بكلمة رصينة صدرت من قلم خبر مسالك الإبداع و الكتابة.
أن الأوان أن نكسر قيد التقليد في مقالاتنا التربوية، وأن نعيد للكتابة رسالتها و حيويتها في التفكير والتنوير، لا في التزيين والتدوير.