الشعراء هم ضمير الأمة وقد دعم الشعر مسيرة كفاح مصر على مدار تاريخها ونذكر أن الشاعرة روحية القليني كانت تستمع للإذاعة المصرية وفوجئت الساعة الثانية و ( 10 ) دقائق ظهر يوم السبت 6 أكتوبر 1973 م الموافق 10 رمضان 1393هـ بإذاعة البيان الأول وجاء فيه : بسم الله الرحمن الرحيم .. قام العدو الساعة الواحدة والنصف بعد ظهر اليوم بمهاجمة قواتنا بمنطقتي الزعفرانة والسخنة بخليج السويس بواسطة تشكيلات من قواته الجوية عندما كانت بعض من زوارقه البحرية تقترب من الساحل الغربي للخليج وتقوم قواتنا حالياً بالتصدي للقوات المغيرة.
بعد ذلك توالت البيانات فأمسكت الشاعرة روحية القليني الورقة والقلم وكتبت قصيدة شعرية بعنوان أم البطل قالت فيها :
أحضن المذياع يا ابنى طول يومى كى يجيب
بدموع القلب أدعو لك بالنصر القريب
اسأل المذياع هلا من بيان عاجل
يعلن الأنباء عن نصر مبين لا يغيب
وعن الأبطال أبنائى بساحات الوغى
لايهابون المنايا لايخافون الخطوب
قد رواك النيل من صفو المعانى عزة
وحبتك الأرض أقداما بواديك الخصيب
عبر الماء جريئاً فى اقتحام جارف
وأذاب الوهم ( بارليف ) وآكام الكثيب
وسعى للنصر فى سيناء مزهو الخطى
يصرع الأعداء بالحرب ولا يخشى اللهيب
أنت وقد أوصيتنى فى الفجر قبل الرحيل
قائلا لى : اصبرى أماه فى الوقت العصيب
تاركاً لى طفلك حبيب من حبيب
هو فى عينى وفى روحى وفى قلبى وجيب
أنا أم فاغتفر لى يا حبيبى لهفتى
وأنشغالى وحنانى وأرحم الدمع الصبيب
أنا أم وابنها الغالى شباباً قد مضى
ولها قلب لهيف كاد من عطف يذوب
هو دمع الشوق والنصر تبدى هادراً
ودعاء الأم للأبن دعاء لا يخيب
ولى الله الذى أدعوه قلباً مؤمنا
ليس لى إلاه فى الكون سميع ومجيب
أنا رغم الدمع أزهو أننى الأم التى
بعثت قلباً شجاعاً مستميتاً فى الحروب
قدم الروح لمصر عن رضاء وفدى
بالشباب الغض بالآمال بالعمر الرطيب
بالذى قد خط الإيمان فى تاريخنا
قصة النصر شموخاً وجلالاً للشعوب
بالذى قد رد فى سيناء ماضى عزتى
اشرقت دنياى بالآمال من بعد المغيب .
نسجل هنا أن مصر لم تكن في يوم ما معتدية على الغير بل هي تحافظ على حقها وإلى أول مقاتل قبل تراب سيناء الحبيبة بعد عبوره قناة السويس واقتحامه خط بارليف الحصين كتب الشاعر صلاح عبد الصبور :
ترى .. ارتجفت شفاهك
عندما احسست طعم الرمل والحصباء
بطعم الدم مبلولاً ؟
وماذا استطعمت شفتاك عند القبلة الأولى ؟
وماذا قلت للرمل الذى ثرثر فى خديك أو كفيك
حين انهرت تسبيحا وتقبيلاً
وحين أراق فى عينيك شوقاً كان مغلولاً
ومد لعشقك المشبوب ثوب الرمل محلولاً ؟
وبعد أن أرتوت شفتاك
تراك كشفت صدرك عارياً بالجرح مطلولاً
دماً ومسحته فى صدرها العريان
وكان الدمع والضحكات مجنونين فى سيماك
وكنت تبث ثم تعيد لفظ الحب مذهولاً
ترى .. أم كنت مقتصداً كأنك عابد متبتل يستقبل النفحات
ويبقى السر طى القلب مسدولاً
ترى .. أم كنت ترخى حبال الصبر
حتى تسعد الأوقات
حين تطول كفك كل ما امتدت عليه الشمس والامداء
وتأتى فى أمسيات الصفو والصبوات
يكون الحب فيها كاملاً والود مبذولاً
تنام هناك بين ضلوعها ويذوب فيك الصمت والأصداء
ويبدو جسمها الذهبى متكئاً على الصحراء
ويكون الشاهدان عليكما : النجم والانداء
ويبقى حبل الود للآباد موصولا .
لقد نال شرف رفع العلم المصري على أول نقطة تم تحريرها في بداية معارك أكتوبر 1973 البطل محمد العباسي فعندما تقابلت معه بعد النصر العظيم وخروجه للحياة المدنية قال : يوم 6 أكتوبر 1973 الموافق 10 رمضان 1393 هجريا عبرت قناة السويس ضمن الموجات الأولى للعبور وشاهدت الطائرات المصرية أثناء عودتها بعد تنفيذ الضربة الجوية الأولى بنجاح ولمحت ( الله أكبر) مكتوبة بخطوط السحب فى السماء فكانت صيحة العبور وبعد أن عبرت القناة أسرعت نحو دشمة إسرائيلية وألقيت قنبلة فتم قتل 30 من الإسرائيليين وتم أسر 2 ثم صعدت إلى أعلى الدشمة ومزقت العلم الإسرائيلى ورفعت العلم المصرى وقد أهدى إليه الشاعر صلاح عبد الصبور هذه القصيدة وقال فيها :
تمليناك حين أهل فوق الشاشة البيضاء
وجهك يلثم العلما
وترفعه يداك لكى يلحق مدار الشمس
حر الخفق مقتحماً
وكان الوجه مبتسماً
ولكن هذا الوجه يظهر ثم يستخفى
ولم ألمح سوى بسمتك الزهراء
ولم تعلن الشاشة لنا نعتاً لك أو اسماً
ولكن كيف كان يسعك اسم يحتويك
وأنت فى لحظتك العظمى
تحولت إلى معنى كمعنى الخير
معنى الحب .. معنى المجد .. معنى النور
معنى القدرة الأسمى
تراك وأنت فى ساح الخلود
وبين ظل الله والأملاك
تراك وأنت تصنع آية وتخط تاريخا
تراك وأنت اقرب ما تكون إلى مدار الشمس والأفلاك
تراك ذكرتنى وذكرت أمثالى من الفانين البسطاء
وكان عذابهم هو حب هذا العلم الهائم فى الأنواء
وخوف أن يمر العمر لم يرجع إلى وكره
وها هو عاد يخفق فى مدى الأجواء
فهل باسمى وباسمهم لثمت النسج محتشداً
وهل باسمى واسمهم مددت إلأى الخيوط يداً
وهل باسمى واسمهم ارتعشت بهزة الفرح
وأنت تراه يعلو فى الأفق متئداً
وهل باسمى واسمهم همست بسورة الفتح
وأجنحة الملائك حوله لم تحصها عددا
وأنت ترده للشمس خدنا باقيا أبداً
هنيهات من التحديق حالت صورة الأشياء فى العينين
وأضحى ظلك المرسوم منبهماً
رأيتك جذع جميز على ترعة
رأيتك قطعة من صخرة الأهرام منتزعة
رأيتك جانباً من حائط القلعة
رأيتك دفقة من ماء نهر النيل
وقد وقفت على قدمين
لترفع فى المدى علماً .
أما الشاعر محمد إبراهيم أبو سنة عندما بدأت معارك أكتوبر كان يعمل في الهيئة العامة للاستعلامات التابعة لوزارة الإعلام وفي ذلك الوقت تم استدعاؤه وغيره من العاملين في الهيئة من الكتاب لمتابعة هذا الحدث الخطير والاستعداد كإعلاميين لمتابعة ما ينشر وما يقال حوله وكتابة التقارير الإخبارية التي ستعبر عن رؤيتهم للأحداث فكانوا كالمجندين لمتابعة هذا الحدث الخطير إذ تواجدوا في مقر الهيئة بالأيام والليالي يتفاعلوا لحظة بلحظة مع أحداث الحرب والملحمة التي كتب سطورها مجندونا العظام وعندما جاءتهم الأخبار الأولى في هيئة الاستعلامات بنجاح العبور العظيم ورفع علم مصر على خط بارليف بعد السيطرة عليه اندفع الشاعر محمد إبراهيم أبو سنة وكتب قصيدة بعنوان خفقة العلم عبر فيها عن انفعاله اللحظي بالخبر العظيم والفرحة العارمة بنجاح العبور وتحقيق النصر حيث قال فيها :
أفديك يا سيناء
وزغردت في قلبها السماء
وانهمر الجنود
يسابقون الريح والأحلام
يقبلون كل ذرة من الرمال
وترسم الدماء
خرائط النهار والمساء
على صحائف التاريخ والجبال
في الماء كانت النجوم تعبر القناة
وفي الرمال قالت المدرعات : لا
وفي ذؤابات الشجر ابتسم الحمام
ثم فك قيده وطار للسحاب
وفوق صخرة عالية الإباء
رفرفت أيها العلم
يا قلبنا المليء بالأشواق والغضب
في كل خفقة تقول مصر
حكاية نسيجها الضياء والظفر
في كل خفقة ميلاد طفل غنوة زفاف
ها أنت قلب مصر خافق على الضفاف
أكانت الدموع أم نداوة الفرح؟
أم قطرة من دمنا
على نجومك المرتفعة؟
وما الذي تقول أيها العلم
لمشهد التاريخ في القمم؟
طائرة تحطمت
جريمة هوت
نجمة داود على الرغام
وأنت في الغمام
طويلة مسالك الأحلام
عالية هي الهمم
معجزة ؟ بل دمنا
وأنت أيها العلم
تشهد في سيناء في رائعة النهار
الآن كيف يذبل الصبار
وترتوي بالضوء وردة القمم .
أما متعدد المواهب صلاح جاهين فقد قال :
بني إسرائيل العقل منهم تاه
في متاهة الأساطير ياولداه
والحقد ضيع رشدهم وطفاه
خلطوا مابين البطش والمعاناة
واحتاروا همه غلابة ولا عتاه
شعب اتلعن م الرب واللا حاباه
والرب رب الكون واللا أداه
مخصوص لهم ؟ سبحانه في علاه
الرد جالهم يعدل الموازين
على إيد جنود من مصر بني آدمين
لامختارين م المولى ولا ملاعين
بس الوطن لابد يحموا حماه
وقال أيضا :
وحياة عيون مصر اللي نهواها
وأكتوبر اللي كما النشور جاها
بلاش نعيد في ذنوب عملناها
وحياة ليالي سود صبرناها
واتبددت بالشمس وضحاها
نكبح جماع الغرور مع أنه
من حقنا ونحمي النفوس منه
ولو العبور سألونا يوم عنه
نقول : مجرد خطوة خدناها
أما الشاعر فاروق جويدة الذي يعد من أهم الأصوات الشعرية فقد كتب قصيدة بعنوان وخرجت مصر عن صمتها قال فيها :
الآن أكتب قصتى
ماعاد هذا الصمت يخنق
فى الحنايا ..عبرتى
اليوم تلتئم الجراح
وتطمئن كرامتى
أنا مصر يا تاريخ منطلق الحضارة
أنا مصر يا تاريخ فى الدنيا منارة
أنا قلعة الأمجاد
فى كل العصور
العزم فى الأحشاء عاش
وظل فى روحى يثور
فى كل جزء من ترابى
تنبت الأرض النسور
فى كل جزء من ترابى
تنبت الأرض الزهور
أنا ثورة الإنسان
تعشقها الجنادل والطيور
أنا مصر يا تاريخ
فى كل العصور
اليوم فى سيناء ينطلق الجواد
قد ظل فى الأسر الطويل
مكبل الأحقاد
سيناء .. يا أمل الفؤاد
اليوم أخلع فيك أثواب الحداد
الآن يا سيناء ابدأ من جديد
لتعود فيك مواكب الماضى البعيد
فوق الدماء
ستنبت الأرض الزهور
صحراؤك الخيرى ستملؤها الصقور
سيناء .. أنت اليوم أغلى ما لدينا
فعلى رمالك مات أبنائى هنا
هم فى الحياة أعز ما ملك يديا
هم نعمة الرحمن من بها عليا
هم فى الجوانح أمنيات ساريات كالثريا
هم قصة ستظل فى الأعماق حباً سرمدياً
سيناء يا أغلى الأماكن فى ضميرى
أنت الكبيرة لا تنامى
قبل أن يغفو صغيرى
اليوم نام على ترابك فاسأليه
قد نام فى أعماقه سر عسى أن تدركيه
أن يغرس الأحلام فى هذى الرمال
أن تملأ الصحراء أطياف الظلال
أن يجعل الأمس الحزين سحابة
عبرت على شمل النضال
أن يرجع الملاح وتعود القنال
الآن يا سيناء نبدأ من جديد
قد تسألينى .. ما أريد
لا تتركوا الأهواء تفصل بينكم
هذا يمين .. أو يسار
لا تتركوا أذهانكم نهباً لفكر مستعار
تاريخكم سيظل ملحمة تصار
من قال أن البحر يا أبناء يفتقد المحار
لا تزرعوا الآمال فى حقل الخطابة
فالنيل يا أبناء جددنا شبابه
الآن يمضى النيل منهمرا طلليقاً
وسط الدماء يسيؤ مندفعاً .. عريقاً
أترى مع الكلمات أدركتم طريقاً ؟
أنا مصر يا أبناء تاريخى البشر
لا تجعلوا الإنسان شيئاً كالحجر
لا تتركوه لكى يعيش مع الخطر
لا تجعلوا الغد أمنيات يائسات فى الحفر
لا تتركوا الآمال فى ايدى القدر
حتى يعيش المرء حراً مثل حبات المطر
ولتجعلوا الإنسان اعظم ما يقدمه البشر
ولتحفظوا الإيمان نوراً فى قلوب المؤمنين
ولتجعلوا الإيمان بعثاً
فى قلوب البائسين
اليوم لم يبق الخيار
بين اليمين أو اليسار
فلقد رأيتم عودة البحر
ورأيتم الشعب الذى حمل الأمانة باقتدار
الأرض والشعب العظيم
أحق من كل المذاهب بالفخار
لا تتركوا الأقزام تصعد للقمم
من يدعون العلم فى كل الأمور
من يؤمنون بكل شىء فى الوجود
بالعلم .. بالتضليل .. حتى بالبخور
من يركبون مع النفاق سفينة
تمشى بعرض البحر تلتهم الصخور
الموت يا أبناء اسمى
من أهازيج النغم
لا تتركوا جثث الضحايا فى السكون مع الألم
أخشى عليكم من مزامير الصمم
من يلعقون الأرض من أجل الوصول
من يقتلون الحب فيها والقيم
أنا مصر يا أبناء من خير الأمم
حتى تظل اليوم رأسى فى السماء
حتى يعيد الشعب ملحمة البناء
لا تتركوا الكلمات .. تلتهم الدماء .
أما الفنان حسين بيكار فقد عبر برشته وقلمه عن مشاعره الوطنية فقد قال عن السنوات الست التي سبقت معارك أكتوبر 1973 وعن الأمل الذل لم يمت في قلوب المصريين ثم عن فرحة العبور يوم 6 أكتوبر والنصر العظيم الذي أعاد سيناء إلى حضن الأم مصر :
سنين ستة ضاعت فيها مراسينا
سنين ستة كترت فيها مآسينا
سنين ستة وكان الحظ ناسينا
لكن بصيص من امل كان دايما يواسينا
وتم فرحي يوم ستة لما رجعتي يا سينا
وقال أيضا :
يوم ماعبرنا القناة كان يوم صحيح نادي
كان احلي ايام عمري واغلي اعيادي
رفعت فيه راسي قدام ناسي واولادي
طبعي يميل للسلام لا اكره ولا اعادي
لكني اسد مغوار لو حد مس لي بلادي
أما الأديب الشامل إبراهيم خليل إبراهيم فقد جاب الكثير من النجوع والكفور والعزب والقرى والمدن والمحافظات لمقابلة الأبطال وأسر الشهداء وسجل البطولات وكتب وتحدث عنها ويعد أكثر الكتاب على المستوى المصري والعربي والعالمي الذين كتبوا في أدب الحرب وقصص الأبطال والشهداء وفي ديوانه الشعري احكي وقول ياورق قال في :
أحلف بحبّات العرقْ
سايلة تغنّى على الجبينْ
أحلف بإنك دنيتى
واحلف بأيام الحنين
واحلف بإنك زرْعتى
واحلف بفاس الفلاحين
العرقانين .. الشقيانين
واحلف بصدق دمعتى
لمّا بازورك يا حُسين
أحلف بصوت الآدان
وصمود ولادك فى الميدان
إنك يا مصرى فى عبورك
كنت أسطورة الزمان
وفي القصيدة التي كانت عنوان ديوانه الشعري قال :
إحكى وقول يا ورق
عن خيرة الأجناد
فــي أكتوبر الميمون
كانوا رجال أوتاد
بيسجلوا قصتك
يا مصر بالأمجاد
لما عبرنا القنال
وارتاحت الأجداد
بارليف كمان اتحرق
والنصر بيّهم عاد
وسينا رجعت لنا
من تانى بالأعياد
احكى وقول يا ورق
وفرّح الأولاد
ألفين سلام يا جدع
لمحمد المصرى
ألفين سلام يا جدع
لمحمد العاطى
ألفين سلام يا جدع