أمشي على طريقٍ
لا يتذكّرُ نفسه،
طريقٍ
يُعيدني إلى خطوي،
ويُبعد خطوي عني،
كأنني أثرٌ
يكتبه الزَّبَدُ
ويُلغيه الزَّبَدُ،
ليعرفَ كم أحتملُ
من البقاء.
الموجةُ
تُغرقُ ظلَّها كي تنجو،
والموجةُ الأخرى
تحدّقُ في ما يتفلّتُ منها،
وتسألانَنِي
بنبرةٍ تشبهُ ارتطامًا قديمًا:
«أتمضي إلى الأمام،
أم تعود إلى أوّلك؟
وهل الأوّلُ في الرمل…
أم فيكَ أنت؟»
أرفعُ قلبي
مصباحًا مبلّلاً بالأسئلة،
لا يضيء الطريق،
لكنه يفتحُ
شقًّا صغيرًا
في الظلّ،
فتظهرُ ارتجافتي
كما لو كانت
نقطةَ ضوءٍ
نسيتها العتمةُ فيَّ.
يرفع البحرَ أمامي
مرآةً من نار ورمل
مرآةً
يتقدّم فيها وجهي
خطوةً
ويعود خطوتين،
كأنه يبحثُ عني
بين وجهي ووجهي.
وحين تهبّ الريح،
يتناثر الزبد الأبيض
نُتفاً من زمنٍ مكسور،
فأجمع ما أستطيع،
لا لِأنسج طريقًا،
بل لأضمَّ هشاشتي
إلى وهني،
وأعرفَ كم كنتُ
أخفَّ من الريح،
وأثقلَ من سؤالٍ
لم أجرؤ على نطقه.
وتقول الشمسُ،
وهي ترفعُ خيطًا
يقطرُ ضوءًا خفيفًا:
«الطريقُ لا يطلبُ نورًا،
بل جرأةً
لا تخشى العتمةَ
التي تنام
وتستيقظ
في داخلك.»
أغوصُ قليلًا،
فيلتقي بي غريقٌ
يشبهني…
أو يشبهُ ما كنتُه،
فيهمسُ بصوتٍ
يأتي من بعيدٍ قريب:
«النجاةُ
ليست خروجًا من الماء،
بل خروجًا
من السؤال القديم…
ذلك الذي يطفو
حين تغرق.»
أعود…
ولا أجد البداية،
لأن البداية
عادت إلى نبضتها الأولى،
إلى النبضة التي
تتقدّمني حين أتقدّم،
وتتبعني حين أتراجع،
ولا تغادرني
إلا لكي تعود.
الموجةُ
تلمسُ قدميّ
كما تلمسُ أمٌّ
مهدَ رضيعها الراحل،
وتقول لي
بصوتٍ ينكسرُ
ثم يلتئم:
«ما تمشي إليه
يمشي فيك،
وما تفلت منه
يعود إليك.»
أخطو خطوتين نحو الموج،
أغلق عينيَّ،
فأصيرُ مدًّا
يبحث عن جزرٍ فيَّ،
وجزرًا
يبحث عن مدِّي،
ولا أدري:
أأقتربُ من الماء،
أم أنسحبُ
نحو ذاتٍ
تتقدّم مني
كلما ابتعدت؟
فيقول البحر:
«لا تجمع ما رُسِم لك،
ارسمْ أنت
ولو خطًا واحدًا
لا يُمْحى.»
وعند الأفق،
حين رسمتُ دائرةً
واستدار السؤالُ
على نفسه،
عرفتُ الحقيقةَ
المحجوبة
المخيفةَ :
لم يكن البحر
يدلّني على الطريق،
بل كان يهمسُ لي
أن الطريق
لا يُبصر بالعين،
ولا يُكتب بالخطى،
بل يشعّ كنجمة
من
ظلمة خلفها ظلمات.
آيت أروير/الحوز/المغرب
21/11/2025