ينبوع الخبر الفاعل في النفوس كي تنهض بالمطلوب…يحمل مصورته وكراسته، يغامر بروحه متتبعا آثار الحقائق التي يخاف طمسها من قبل المخادعين المقترفين للآثام التي لا تغتفر، يسكنه الهم، ويقاسم الفجائع الواقعة هنا وهناك مع متلقيه في كل بقاع العالم، ينسيه سمو هدفه وطأة الجوع والعطش، يسهر كاتبا منضدا باحثا يريد أن يخرج الحقيقة من شرنقتها واضحة وضوح الشمس، لا يخاف في ذلك لومة لائم، يهدد، ويشتم، ويوصف من قبل المجرمين بالمجرم ومن قبل المناضلين والأتقياء والأحرار بالمكافح الذي تعلو به إنسانيته لمناصرة الحق وإبراز الضحية والمنتهك للمحارم…هو عين قلما تنام، وإن نامت تنخرط في أحلام تلونها الفجائع وصراخ المظلومين لكونهم يبحثون عن بقعة أمن من وطنهم الجريح المغتصب…إنه أذن تصغي للشكوى من وقائع الإجرام والاقتحام وحرق مكامن الكرامة في أرض تصرخ كل تضاريسها مستنكرة عبث وطغيان من لا قلب ولا ضمير له… إنها تكتوي بما يكتوي به الضحايا الذين لا ذنب ولا خطيئة لهم… قلبه تؤرقه كل صرخة من ميتم يبحث عن معيل فلا يجده…تورقه طفلة حرقوا أمها، ومزقوا جسد أبيها إربا إربا، وداسوا على رأس دميتها التي كانت تقاسمها حنان الأمومة والبنوة…في الليالي المظلمة يصير مصباحا يبحث عن سبل تفضي إلى سلم يَغْشى نفوسا بديلا للكوابيس المتتالية على نضارة الأرض …يشرئب برأسه عله يرى أملا قادما يزرع الأرض القاحلة المدمرة ورودا تشيع بعض الجمال في فضاء لوثه قبح المغتصبين…حاملا كاميراه وميكرفونه، يعبر الازقة متحديا مجاهيل الطريق، يسكنه هم كشف من يخفي سر ذاك الشؤم المسدول على وجه أرض ليست أرضه، ويخفي حقيقة يراها ضد مسعاه، وهو في ذلك كاهل لا يضنيه حمل المسؤولية في سبيل جلاء سبب المعضلة، إنه فتيل النقمة الطاردة للنعمة والنغمة …
الصحافي صوت جازر لن يخفي نداءه الهدير والتفجير وأسراب القنابل النازلة بديلا للمطر …سيظل يفصح، يبوح بما في قرارة نفسه، وهو في ذلك سجل للحق وضد وما يعتريه من خلل، كراسته بيت للحدث وعلته، فيديوهاته تعرض الأخضر واليابس والحار والبارد ….في قلبه أحداث وأحداث تفوق ما جرى في ألف ليلة وليلة …في كل آن وحين
ينتظر الفرج ، يعرف أنه قد يموت شهيدا ، أو يعود متعبا العائد من جزيرة الغربة والمتاعب…سيظل قلما لن يجف مداده …يكتب في صمت بحرقة وآمال … يفكر في ابنه الجميل بمقاييس اليتامى والمعوزين الضائعين في دروب بلا اتجاهات، تخنقه الدمعة … وحين يفكر في انتصار الأبرياء يبتسم واثقا من إشراقة في الطريق إليه …يسكنه الحنين والأنين وأصوات بنين يبحثون عن أمهاتهم وآبائهم بين ألسنة النار وركام الجدران، وحين يهدأ روعه تهاجمه الحسرات من كل حدب وصوب، يسير وفي قلبه الآهات، وعلى ملامحه خرائط مجريات ومجريات…يستبد به الحنق في عالم فاض ظلمه وتموج جوره، صار كل شيء محاطا بالعبث واللاجدوى… تسكنه الصور والنداءات والتصريحات والشكاوي، يصير بحرا من آلام غيره، ينسى نفسه ورغباته فقد صار منبرا لبث الحقائق ، وللفصل بين الحلو والمر، وبين السر وعلته، وبين النبلاء والمستلبين، وبين الحقوقيين والمدعين لإنسانية لا علاقة لضمائرهم بها.
سيظل هذا الرجل كائنا حيا متحديا عادلا في نقل الخبر عاريا من ضباب التدليس والتزوير والسراب…وهو في ذلك لا يخاف أمثاله الذين قتلوا أو أسروا أو اختطفوا بلا جرم سوى أنهم يتحدثون بصدق، وينظرون بعين العدل، وينقلون ما يرونه كي يصل إلى الأعداء والمعتدى عليهم في أي بقعة من بقاع العالم.
رحم الله من مات من أصدقائك أيها النبيل المناضل في مهنة المتاعب مظلوما، مضطهدا مرفوضا لصراحته في نقل الحقيقة بوجهها الواضح الخالي من أي بقعة من بقع الخداع والرياء والنفاق.