العملية الإبداعية تتجاوز كل سفر، يبقى طيف العمق الجمالي فيما بذل من محاولات للوصول إلى كشف تلك السيكولوجية بواسطة الحدس والعمل أللا شعوري، ظاهرة لا تفسير لها، أَّن دوافع وأهداف النشاط الإبداعي من حاجات المجتمع وظهور إمكانية حل مشاكله، وتعتبر ضرورية من خلال التطور الفكري في ذلك المجتمع، رغم قسوة الظروف أو طراوتها، إنما تفيد في التوصل للمعرفة، والشعر من صفوة الفنون التي تبذر شعاع الإبداع في كل مجالات الحياة والمجتمع، تنهض بفكر جديد لقيادة الشعوب والتحرك نحو المستقبل، الشعر يعكس خصائص وعلاقات وظواهر لم تكن معروفة من قبل، هي مهمة العمل الإبداعي شرط من شروط الجمال يسعى إليها الشاعر لإشراق الحقيقة.
الشاعرة نجاة عبد الله وقصيدة ( خطيئة آدم) والشاعر عبد الكريم ألعامري وقصيدة ( قصائد) المنشورتان في موقع الورشة الثقافي، ما أن قرأتهما حتى وجدت فيهما سمات الإبداع، وسال مداد قلمي وسانده فكري في الكتابة عنهما، التقارب الكبير في نسيج القصيدتان على نفس الفكرة، كأنهما يقفان خلف باب تدكه مشاعر لاهثة إلى كشف حقيقة مغلفة بما يشبه السواد أو الظلام، لا يفصلهما غير فضاء القصيدة، وما تحمل رموزها، يسيران بنفس التوازي تحف فكريهما أرض يسكنها خيال شاعر متمكن ذي تجربة، وشاعرة ذي حنكة، عندما تقرأ القصيدتين تجد المضمون التقارب الفكري والإبداعي.
نجاة عبد الله تصر على أن يتحدث هو، يوجه سؤال، بعد أن تشهد أنه قابل بكل أشكال الخطيئة كإبليس يتعالى في المعصية، وينكر أخطاؤه قائلة:
تغرق في السؤال
أرضك المنشغلة بغيرك
ورأسك المتكئ على الريح.
الشاعر عبد الكريم ألعامري، الصمت والذهول يعنيهما بدقة إذ يقول في المقطع الأول:
على يبابكِِ، زرعتُ فمي.. (1) قلق
فمي الذي استوحدتهُ
الذنوب.
الشاعرة نجاة عبد الله تبوح بضجيج رأسها، وفواصل الصور تحفزها على ممارسة التفكير بصوت عالي في قصيدتها ( خطيئة آدم)
يهبط الغيم حزيناً لسؤالك
منطوياً على دمعته
أ هذا العمر لك أيتها الأخطاء،
لا أقول إنهما في نفس الظل يمشيان، لكن ما يملكانه من وعي مدرك لمواقف الحياة المنشغلة في عموم فواصلها على الخطيئة، النفس، الجسد، العقل، ما حبس أنفاسي حول القصيدتين وعمق المفهوم الجمالي عند الشاعرين، وإنسان الحاضر ومأساة هذا العصر.
الشاعر عبد الكريم ألعامري يقول في المقاطع الثلاث التالية:
مؤكداً على التوقف عند الصمت، فحال الإنسان في أحرج اللحظات عندما لا يجد جواب مقنع لما يحدث، في صمت شديد يسأل: 0لماذا؟) قائلاً :
بمعطفي أخبئ حزني (2) فضاء
لأرحل دونما
اتجاه .
مقطع آخر ..
في شباط العام الماضي ( 3) فراغ
…
المطر يرسم مئات المرايا
…
…
…
في شباط العام الماضي
كانت هناك إمرأة ! !
مقطع آخر
الرجل ذو اللحية البيضاء (4) فوضى
…
خلف ضباب رمادي .. رأيته:
أما الشاعرة نجاة عبد الله ، تتنهد بغبطة تأمل في التخلص من الحزن، إذ في المقطع التالي تقول:
اقترب المطر الفضفاض
…
كما الخطيئة
…
قفزت إلى فمك السعيد
يدك الممتدة
تقطف أسئلة النار
الشاعر عبد الكريم ألعامري هو أيضاً يبحث عن ما جعله منذهلاً لدرجة الإحساس بالموت المعلق بين أهداب اللحظات حتى أنه أطلق أسم ( أزمنة العرجون) قائلاً:
وإن مذاق الطلع مرتهن بالغيم (5) أزمنة العرجون
…
أومئ للطين يخط على صدرك
كالعرجون نهاراتك القاحلة
ونشاهد الشاعرة نجاة عبد الله، لا تكف عن البوح المعجون بما تحمل الأعوام وما تخلفه من موت ناتج عن أصقاع من التخلف والأشياء الهشة والأفكار العمياء، إذ تقول:
بعباءات بيضاء
تهبط كالأخطاء
الآمك المعلقة على الشجرة
هنا نشاهد التقارب في طرح الأفكار المرمزة بالقصيدتين، عند الشاعر عبد الكريم في قوله:
كالعرجون نهاراتك القاحلة ، والشاعرة نجاة في قولها:
الآمك المعلقة على الشجرة،،، .
العرجون: أصل العذق الذي يعوج ويبقى على النخل يابساً بعد ان تقطع عنه الشمارخ ( المنجد-ص- 496 .
كان يعنيان الموت المعلق، والإصرار على الحياة وممارسة فواعلها من غرائز وما يلفها من مفاهيم لا يمكن التخلص منها، خطيئة متشبثة بتفاحة آدم،وارتداؤها مفاهيم متصدعة، رغم مرور الزمن، إذن الصمت، هو أحد أسباب الخراب المعمم بالخوف الذي يجر معه أذيال الظلم والعنف المتعلق يتلك الشواهد الزائفة، مسألة يصعب تخطيها وفي نفس الوقت يصعب السكوت عنها، ولا بد من حك السواد العالق بأطرافها والتخلص من فوضى المغالطات، إذ يقول عبد الكريم ألعامري في المسمى ( المطر ينزل بسخرية) :
من خلف السقف.. (6) المطر ينزل بسخرية
المطر يثقب الوسادة ..
يرسم بفرشاة الغيم بركة هادئة:
. . .
وهي يشهد آخر الحروب
يذكرنا الشاعر عبد الكريم في المقطع السابع بقصة يوسف والإنباء عنها بلغة شعرية متمكنة صادقة في في طرح المعاني بصيغ ذكية دون المساس بتفاصيلها يأخذنا إلى أبعد من ذلك، ليضع فرق الأعوام الشاسع بين ما يحدث قبل آلاف السنين والحاضر، لابد من إدراك الزمن وعلى الإنسان أن يكون قادر على فرز بين ما كان وما نحيا علية في الحاضر إذ يقول:
أيها الباب (7) زائر
. . .
لا تجعل الريح تفتك بي
. . .
لا تجعلها تبحث في صدري عن ماضي معقوف
. . .
وإن الحجرة ما عادت
مأوى للريح
الشاعران يعنيان في قصيدتيهما نفس الآلم ونفس المشكلة ويودان أن ندرك ما علينا إدراكه في محاولتهما انتشال الجيل الغارق بين مفاهيم اهترءت والبحث عن حل لهذه المأساة الموغلة حد التقيس الخاطئ، لأن القضية أصبحت في تعامد وتصالبت في عنق المجتمع لدرجة أنها شوهت حقائق وأدرجت سموم باتت قيد التنقيب، إذن الشاعران يؤلمهما ما آلّ إليه الأمر من تعصب وتمكن، لا يخدم البشرية في شيء غير مصالح تعود المشيعين على الناصبين خيامهم المهترءة وقراءة زبورهم على لسان ابليسهم المسعور، ينقبون في أعظم الكبائر وعذابات جهنم بالويل والويل لمن زاغ عن مرسومهم.
كاتبة من العراق
r.h_sag@yahoo.com