الحوار قبل الف عام/ واغلقنا الجامعة العربية منذ عقود.
ربما حان موعد تغريد العصافير، وبدا قرص الشمس اكثر تجاوبا، منذ يوم اتجهت صوب جامعة الموصل، حين تسللت كطفلة تحب مشاكسة الاماكن الصعبة، في لحظة تمرد راودني شيء من الحزن، جلست تحت ظل شجرة كانت في احد باحات الجامعة، تحيط المكان هياكل المباني الرائعة، والحدائق الغناء، التقيت الدكتور: احمد جار الله ياسين. وجرى الحديث كغيمة لا تحب ان تعبث بجمال المكان، تركتنا وشردت بعيدا، الهدوء العميق المتشح وجه الشاعر احمد جار الله، دفعني للعبث بتلك المسافة الغارقة في ابعاد نفسه، انسان دؤوب مثابر بحزم راهب متطلع الى ان يكون التعبد بعيد عن الاماكن المسورة، روحه تحب الغرق في فيضانات التعامد في مقاصد الحياة اليومية، لا يحب ان تسرقه موجات الحزن التي تتقافز بين خفقات الطيور على اغصان رضت بها سكنا وملاذ أمان، يجر حسرته مما تدون الايام من تحطيب خضرة الطبيعة، وتعدين عشوائي ومغاير يمس كثير من فضاءات البراءة، مما جعل اللحظات تحمل عقد الازمات عند كل مفرق ودرب، والاشواك تعيق سير حتى النحل والنمل والفراشات.
1 – في اي محطة تسكن من ذاكرتك هذه المقولة،
( جعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا )؟ .
في محطة الحوار والتفاهم والاستيعاب مع البشرية
2 – الشعر يعتبر محطة تحول في حياة الانسان، ماذا يعطيك حين تدخل صومعته؟ .
الشعر هو المخلوق الوحيد الذي لايتسم بالانانية فهو يعطينا اشياء ثمينة مقابل ثمن بخس جدا هو ان ننشره فقط وان لا ندعه حبيس انفسنا !!
3 – لو طلب منك ترجمة افكار المرأة، في اي حقل من حقول ثقافتك الشخصية تزرعها؟ .
افكار المراة مثل الشعر من الصعب ترجمتها من دون الوقوع في الخطأ او الابتعاد عن المعنى المطلوب ..لان افكارها مندمجة بعواطفها ومن المستحيل فك الاشتباك بين الاثنين دون تقطيع بعض الجذور هنا وهناك ومن ثم التسبب بنزيف من الاخطاء قد يؤدي بين المتزوجين مثلا الى عملية جراحية اسمها الطلاق ..ولذلك من الافضل ان نتلقى هذا النص الذي نسميه امراة كما هو ببنيته الفكرية والعاطفية والحلمية, والشاطر من يستطيع قراءة هذا النص من دون تغييره بالقراءة لكن يمكن ان يغيره بالتأويل ..الذي هو عملية تلي القراءة ..وعلى سبيل المثال قد تقع المرأة في أخطاء بتربية الأبناء نتيجة عاطفة الأمومة الزائدة والحنان لديها تجاههم ,هذه الأخطاء يقراها الرجل ويطلع عليها ولان من الصعب إلغاء هذه الأمومة بإسرافها في التدليل والحنان للأبناء ومن الصعب أيضا الدخول في شجارات يومية معها قد تؤدي إلى نتائج سيئة فان الخلاص لن يكون الا بالتاويل وذلك حين ننظر الى المسالة اولا من زاوية استيعابها كحدث طبيعي ناتج عن تلك الدوافع، ومن ثم فان الاخطاء غير مقصودة ولا مبيتة ولا موجهة باحتراف لازعاج الرجل وهي نتاج محبة مبالغ فيها ربما بلغت ذروتها لحظة الخطا وانه مهما حصل فانها لن تكون الام الاولى او الاخيرة في ذلك، وان الشمس ستستمر بالشروق والقمر سيستمر بالابتسام وكل ماعلى (سي السيد) ان يستوعب المراة ويستعمل رصيده الهائل من الصبر والمجاملة معها ..
ولذا اضع المراة في حقل التاويل لانه الحقل الوحيد الذي يمكن ان يثمر وردة الحوار معها .
4 – عملية التفنيد في الفكر الادبي عند الكاتب والمفكر، كيف يتم ادخالها ورشتك الثقافية؟ .
لا احب الاقتراب من هذه العمليات لانها تحول الابداع والفكر الى ساحة حرب وانا رجل سلام يفضل الجلوس في المقهى مع قصيدة وشاي على الجلوس امام راي اخر يشغلني تفنيده ..
5 – برايك المؤسسات والمنظمات الثقافية تحطم الشاعر والاديب والمفكر، ام تنهض به؟ .
المؤسسات والمنظمات عادة تخضع لبرامج روتينية وادارية صارمة لاتنسجم وفوضوية الشاعر فيما لو عمل فيها بصفة موظف , لكنه ان ترك هذه المهام لغيره فانه سيبدع ومن ثم يمكن التصالح بينه وبين هذه الاطراف ان عملت المؤسسات والمنظمات على رعاية ابداعه الشعري وتنظيم عملية طبعه ونشره وتسويقه واتاحت له الفرصة للقاء بالجمهور عبر الامسيات والمهرجانات , فعمل هذه المؤسسات يبدا لاحقا أي بعد ان ينجز المبدع نتاجه الشعري وبشرط ان لا يدفع ضريبة لتلك الجهات لقاء رعايتها له بان يسمح لها بالتدخل الايديولوجي في توجيه مضامين قصائده لانه ان سمح بذلك فانه سيخسر حريته الابداعية وسيبدا بالسقوط والتراجع ومن ثم سيدجن لصالح الجهة التي ترعى ادارة نتاجه , فالمبدع لاينتمي الا لجهة الابداع , وربما من الصعب ان تحقق هذه المعادلة في عالمنا العربي , لاسيما ان كان الشاعر يفتقد للتغطية المادية الكفيلة بان تحفظ له يده وماء وجهه وكرامة شعره، ولذلك غالبا مايكون الشعراء الحقيقيون من المفلسين , ونستثني من ذلك كله الشعراء الذين اجادو اللعب في المجالين الشعري والمادي فتكفلوا بانفسهم في نشر نتاجهم من دون تقديم تنازلات لجهة ما ..ربما يكون نزار قباني منهم…
وربما لاتتعلق المسالة بالجانب المادي, فقط , فنقاط الضعف التي يمكن أن تجعلها المؤسسات الراعية ضريبة يدفعها الشاعر كثيرة , ان لم يستجب لاهدافها الفكرية التي من اجلها تحتضن ابداعه ..يمكنها ان تحاصره او تهمشه او تكتم صوته …
6 – لو طلب منك نعيين حاكم للشعر، بنظرك من هم السفراء وأياً من الشعر يستحق حمل الحقيبة الوزارية، ( القصيدة العمودية / القصيدة الحرة / قصيدة النثر) ولماذا؟ .
لا حاكم اوحد في مجال الشعر فكل شاعر فيه من النرجسية المتضخمة مايكفي لإحداث انقلاب دموي على اقرب الشعراء إليه إن فكر هذا الأخير بتزعم جمهورية الشعر ولو بالانتخاب , وتاريخنا الشعري شاهد على ذلك فكم من المعارك النقدية الدموية التي دارت حول, الريادة ومنصب الحاكم الشعري الأول حين يفكر احدهم بذلك دون الاخر , الم يتصارع على ذلك المنصب جرير والفرزدق , وابو تمام والبحتري، والمتنبي وكل شعراء عصره وكثير من نقاد عصره ايضا، واحمد شوقي وحافظ ابراهيم , والعقاد وشوقي والزهاوي والرصافي, والمازني وشكري , ونازك الملائكة والسياب والبياتي, بل تحول الصراع بين جماعة واخرى, الديوان ضد المعتدلين او جماعة الإحياء , وجماعة الشعر الحر ضد العموديين , وجماعة القصيدة النثرية ضد, التفعيليين , ثم النصوصييون ضد الاجناس كلها …
ومع ذلك لن اسمي لك شاعرا باسمه حاكما لكنني ارى كل شاعر يحترم الانسان في شعره, ويعلي من قيمته , يستحق ذلك المنصب..
وكل شاعر بوق, ببغاء, يزيف الحقائق الانسانية, لاغراض انتهازية ,لايستحق ان يكون حاجبا على باب مملكة الشعر..
7- من هو المثقف واذا وجد حسب تقديرك، وعلى اي كرسي تجلسه،( القيادية السياسية الاقتصادية الحرة غير منتسبة لأيْ جهة؟ .
المثقف هو الذي يتسع عقله لاستيعاب الالوان كلها الموجودة حوله . والاصوات جميعها .. التي اصغى لها في قراءاته الورقية والحياتية ..وهو الذي يعبر من الأماكن المخصصة للعبور حتى إن كان الشارع فارغا بسبب منع التجول ..وهو الذي لا يعلق اية شهادة على الجدران في بيته حتى إن كان قد حصل على الدكتوراه
وهو الذي يجعل من خبراته المعرفية افعالا في البيت والشارع ومجال العمل وامام بائع الخضراوات واطفاله وان لايكون مثقفا بين الاوراق فحسب ..
ولا كرسي له يجلس عليه سوى كرسي العقل الحر المفعم بالنور ..اما ماعد ذلك من كراس فانني افضل ان يبقى المثقف جالسا على حصيرة من قصب على ان يتنازل عن كرسي العقل لاي سبب كان …
8 – الموسيقى تعتبر،( لغة الطبيعة / ولغة التقارب بين جنس البشر / ولغة الكون) برايك من خلالها يمكن ان يتوحد العالم؟ واي الموسيقى اقرب لنفسك؟ .
الموسيقى لغة عالمية، لكنني اشك في كونها قادرة على توحيد العالم ..فعالم اليوم أمي ..جاهل .. بدائي ..يفضل صوت البوم على زقزقة العصافير ..وبكاء الاطفال على ضحكهم ..وصافرات الانذار على صافرات بداية اليوم الدراسي الاول ..واقرب موسيقى الى نفسي هي الصمت .
9 – لو طلب منك ان تعود لمرحلة الطفولة، وانت في العاشرة من عمرك، وتملك نفس الامكانية الفكرية وانت في هذا العمر، ماذا تقدم نصيحة للعالم والانسانية؟ .
ياه ..وهل تجاوزت العاشرة حقا !!
لم انتبه الى ذلك الا الان ..
فانا مازلت حتى هذه اللحظة اطارد الفراشات واحصي قطعان الغيم في السماء , واتصور ان امي تنتظرني بباب الجامعة لتاخذني من يدي الى البيت ,واحلم كل ليلة بان ياتي علاء الدين بمصباحه السحري لينقذنا من الحروب والفقر والخوف وينفي معلمة المدرسة التي تضرب التلاميذ بالعصا الى جزيرة نائية في البحر حتى تموت هناك بالم الوحدة والعنوسة الأبدية …
الشعراء على العكس من الآخرين يمضي بهم العمر عكسيا يبداون كبارا- في السن فقط – ثم ينتهون صغارا – في السن فقط – وكلما اقتربوا عكسيا من الطفولة تالقوا شعريا لان نظرتهم ستكون أكثر حرية وحلمية ونضجا رؤيويا
أقدم للعالم نصيحة ذهبية تتمثل في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لايؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه مايحب لنفسه )
فشرط الإيمان مقرون هنا بالمحبة للآخرين – بالمفهوم الواسع للمحبة – التي تقضي على أمراض البشرية من حقد وأنانية وحرب وكره , حين أحب سأفكر في من أحب وفي مصلحته وسلامته ماديا ومعنويا , وليس في مصلحتي فحسب , وسأخرج من عزلتي وأنانيتي لالتقي بالأخر ,قد يكون صديقا أو أما أو أخا أو أبا أو زوجة أو زميلا في العمل أو جارا أو حتى إنسانا عابرا , وحين أحب سأحاول أن افهم من أحبهم وأتفهم رؤياهم واحترمها حتى إن كانت تختلف معي دنيويا, لو فعلنا ذلك لانتهت خصومات وحروب وأحقاد في العالم كله …واغلقنا الجامعة العربية منذ عقود..
حملت اوراقي التي ملاءها الدكتور بكل ما يخدم الانسانية من كلام وقول، لا يشغلني غير رغبة العودة الى المكان الذي منه اتيت، كي ارسم وردة على وجه الطريق بيني وبين الابتسامة التي تشعرني بأن الحياة كما تفض بالقول الدكتور احمد جار الله: (أقدم للعالم نصيحة ذهبية تتمثل في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لايؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه مايحب لنفسه )
فشرط الإيمان مقرون هنا بالمحبة للآخرين – بالمفهوم الواسع للمحبة – التي تقضي على أمراض البشرية من حقد وأنانية وحرب وكره , حين أحب سأفكر في من أحب وفي مصلحته وسلامته ماديا ومعنويا , وليس في مصلحتي فحسب , وسأخرج من عزلتي وأنانيتي لالتقي بالأخر ,قد يكون صديقا أو أما أو أخا أو أبا أو زوجة أو زميلا في العمل أو جارا أو حتى إنسانا عابرا , وحين أحب سأحاول أن افهم من أحبهم وأتفهم رؤياهم واحترمها حتى إن كانت تختلف معي دنيويا, لو فعلنا ذلك لانتهت خصومات وحروب وأحقاد في العالم كله …واغلقنا الجامعة العربية منذ عقود..