عرفني عليها في مقهى الأدباء، زوجها صديق منتصف الستينات ، الصحفي والشاعر(جاسم العبيدي).كان المقهى الفقير والبائس،والذي تتقافز فيه الجرذان الكبيرة ليلاً بين أقدامنا، مقراً لاتحاد أدباء وكتاب البصرة، إذ تم حوسمة مقره ، وباءت جهودنا لغرض استعادته بالفشل المريع ، وبلغ الأمر حد التهديد بالقتل فيما إذا حاولنا ذلك، في بلد محتل..لا دولة فيه أو قانون. كانت(ساجدة) تعمل في ،جريدة الأخبار البصرية الأسبوعية ، والتي تصدر عن شبكة إعلام المنطقة الجنوبية.وترأس تحريرها السيدة الفاضلة الدكتورة “جوليانا داود يوسف” ، ومدير تحريرها الزميل “خالد السلطان”. (ساجدة) تغطي الجلسات الثقافية التي تعقد كل يوم جمعة، صباحاً، في المقهى،وهي المرأة الوحيدة التي تجلس معنا في المقهى، كما كانت تنشر تحقيقات صحفية في جريدة (الأخبار). وفازت عبر انتخابات حرة ونزيهة بعضوية الهيئة الإدارية لنقابة الصحفيين في البصرة بعد إعادة هيكلتها. في (المنارة)، وجدتها هناك، تسهم في تقديم تحقيقات صحفية عن البصرة، ومناطقها النائية، وما يعانيه سكانها و بؤس وديمومة عذاب حياتهم اليومية، كما تغطي جلسات معنية بالنشاطات المدنية،خارج البصرة وإقليم كردستان وحتى خارج العراق ، وتقدم ليّ، لغرض النشر، لقاءات مع شخصيات سياسية- اجتماعية تنويرية.( ساجدة) شاعرة و نشر بعض قصائدها أخي هاشم تايه في الصفحة( الثقافية). ليل 29 /1 /2009 رحلت “ساجدة ” عن عمر تجاوزت فيه منتصف عقدها الثالث بقليل، بعد مرض فتك بها، وما زال يفتك بنساء الجنوب العراقي. أكل المرض من جرفها شيئا.. فشيئا.. حتى تمكن منها أخيراً. وقد خلفت ورائها أكثر من مجموعة شعرية معدة للطبع، كما ساهمت في انطولوجيا الشعراء البصريين الذي أعدته جريدة”إيلاف” الالكترونية اليومية ونشرته على موقعها في شبكة الانترنت العالمية ،بعد سقوط النظام، احتفاء بشعراء البصرة ، وطبعه (اتحاد أدباء وكتاب البصرة) ، وشاركت بقصيدة في مربد ما بعد السقوط وكذلك المربد الثاني ، لكنها لم تحصل على عضوية اتحاد الأدباء والكتاب العراقيين لأسباب ما زالت مجهولة!.كما عملت (ساجدة) ضمن مؤسسات المجتمع المدني بنشاط ودأب.وكذلك عملت مديرة تحرير لصحيفة بصرية اسبوعيىة. خلال مرضها عُدتها أكثر من مرة. قبل رحيلها بيوم واحد زرتها ،مساءً، بطلب من زوجها ، مؤكداً لي هاتفياً:” هي مَنْ طلبَ ذلكَ”. أصابني الوجوم في تلك الزيارة، وخمنت أنها زيارة الوداع!. صباح اليوم الثاني ، كنت احلق ذقني استعداداً للذهاب إلى قاعة عتبة بن غزوان لحضور فعاليات الملتقى الثقافي الثاني للإمام الحسين، وإدارة الجلسة النقدية بالاشتراك مع الأستاذ عبد العزيز عسير ، هاتفني أخي عبد الودود الديوان، مقدماً التعازي برحيل(أم رغيد) ليلاً. أجبته بألم: أمس عصراً زرتها في مسكنها .. وكنت أخمن ذلك!. بعد نهاية الملتقى، ذهبنا ، عبد الودود وأنا، إلى مجلس العزاء، وبقينا طويلاً وفاءً.
هذه القصيدة، كتبتها الزميلة ، ساجدة العبادي، إثناء تنقلها للعلاج ،بين عمان والبصرة، ووجدت محفوظة في حاسوبها الشخصي، ضمن قصائد عدة، تشكل أكثر من مجموعة شعرية ،وأكد ليّ زوجها الصديق (جاسم العبيدي) انه سيعمل على نشرها بالتعاقب. (أبا رغيد) حافظ على الأمانةِ ، فأرسلها ليّ على أميلي الخاص. (أم رغيد) عليكِ الرحمة.. واليكِ الغفران..بإذنه تعالى.
لا أملك لنفسي ضراً ولا نفعا..؟!
ساجدة العبادي
إلى صديقي العزيز: جاسم العايف
أحيانا أقود ذاكرتي إلى مصائد النسيان
وأحيانا تتصيدني ذاكرتي في أحلام اليقظة
هل ستضع الأيام النهاية
لتلك القصة الحزينة التي انتهت
قبل أن تولد في الذاكرة..
……
……
أيها القصي ،العزيز، الذي تابع مرارتي
اشعر إن همساتك تودعني
تلمس حرارة يدي
حيث يشتعل فيَّ لهيب العمر
وأنت تبصر ضبابية أيامي
ووجهي الشاحب بين الوجوه العابرة
وانأ أتوكأ على قدم واحدة
أمهل صبري واصبر على ما أصبو إليه
سوف تجدني حيث ينعزل الغرباء بأوطانهم
فانا لا وطن لي في غربة الأرواح
تركوني حيث ينحدر المتسللون من الأفواه الميتة
لكنني سأظل احمل في يدي
بعض أغصان وارفة، وأزهار ملونة بعطر ندي
ولأني لا املك لنفسي ضراً ولا نفعاً
لا استطيع أن ابعد عن يدي قيودي
الزمن الذي عرفته سكب آلامه الجارحة على عاتقي
أحاطني بدموع الحسرة
وآلام المخاض العسير
لم أجد رفيقاً لي في غربتي في العمر القصير
سوى كلمات المواساة،
وذكرياتكَ التي لا أجمل منها،
ولقد تجشمت عناء المسير ، علني أجد بارقة أمل
لكم حاولت أن اعبرَ بلهفة المتعطش إلى المياه الدافئة
لكن يداً كانت تحول بيني وبينها
واقتلعت ما بنيته في أعوام الفرح
وادخرته لأيام الشدة
………
ما أشدها من نهاية
عندما تنتهي اللعبة تحت شمس،
أنتَ وأنا ، نعلم كم إنها محرقة.
……….
2009/ عمان – البصرة القديمة