1ـ علي وعمر يلعبان سوية فما بال الكبار؟
(ومضة من واقع تاريخي موروث منذ أقدم العصور، فارقناه، ولكنه يأبى أن يفارقنا)
أقسم بالله العظيم أني رأيت اليوم عصرا علي وعمر يلعبان سوية في شارع إحدى مدن جنوب العراق؛ وكأنهما تؤمان شقيقان.
هي ليست غريبة على شعب علم الكون معنى التحضر والتمدن، ولكنها تجلب الانتباه في هذا الوقت الإرهابي المغطى بالدماء والمشبع بالكراهية والمملوء حقدا.
حينها أيقنت أن الطائفية والمناطقية التي فرقت بيننا نحن الكبار، لن تنجح في التفريق بين الصغار، ليس لأنهم لا يفهمون الحياة كما نفهما، ولا يشعرون بما نشعر، وإنما لأن قلوبهم الصغيرة الطيبة لم تتلوث بعد، ولا زالت نقية على فطرتها الإنسانية الاجتماعية التي فطرها الله عليها.
نعم كنت سعيدا جدا بهذا المنظر الإنساني، بل كدت أطير فرحا، ولكن سعادتي تبقى منقوصة ولن تكتمل إلا بعد أن أراهما أو أسمع عنها أنهما يلعبان سوية في شارع إحدى مدن غرب العراق أو شماله.
فالعراق هو العراق سواء كنت في أقصى شماله أو أقصى جنوبه، في أقصى شرقه أو أقصى غربه.
فهل يدرك الكبار درس الصغار؟!
أم أن ما بيننا سوف يجذبهم عنوة ليصطفوا في النهاية مع المصطفين في طوابير الخيبة؟!!
2ـ بلداننا وقلب المعادلة التاريخية
(ومضة من حال الحكومات العربية التي تتوسل القوى العظمي لتتدخل وتحمي أنظمتها بعد أن فشلت في تحقيق الأمن والاستقرار لبلدانها)
في بداية خمسينات القرن الماضي تصاعدت حدة الحركات التحررية العربية في أغلب أجزاء الوطن العربي المحتل من قبل الإنكليز والفرنسيين والايطاليين، ونجح الثوار في قلب المعادلة، فطردوا المحتل من دول عديدة مثل سوريا ومصر والعراق والجزائر، وتولت إدارة تلك البلدان قيادات (وطنية) من أهلها، لكنها سرعان ما تأثرت بالواقع وبالصراعات الموروثة والمماحكات السياسية والدينية، فانقلب بعضها على البعض الآخر، وسنت أغلب قياداتها قوانين ونظم تتماشى غالبا مع تأثير وضغط تلك المؤثرات دون النضر إلى تأثيرها وتداعياتها، وتحول القسم الأكبر من حكامها إلى طغاة شموليين؛ همهم الأول الحفاظ على الكرسي، مما أسهم في عرقلة مشاريع التغيير، وبالتالي توقف النمو الحضاري والحضري والتمدني، فتأخرنا بدل أن نتقدم، وتجاوزنا العالم أشواطا طويلة، ليحل العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين؛ وأغلب بلداننا تعاني الأمرين وتعيش الفوضى والضعف والفاقة والفقر وانعدام الأمن والتحلل والخوف من التقسيم، وتحول بعضها فعلا إلى دول فاشلة؛ بكل معنى الكلمة، حتى صرنا نتوسل المحتل القديم والجديد عسى أن يتفضل علينا ويعود إلى بلداننا ليحمي نظمنا، ونتيجة هذا الانهيار المخزي طلب البرلمان العراقي من المستعمر الأمريكي أن يتدخل ليحمي العملية السياسية من هجمات “داعش” الإرهابية، وطلب البرلمان الليبي من القوى العظمى أن تتدخل لمحاربة الميليشيات التي أسقطت نظام القذافي، ورجت الحكومة اليمنية سلاح الجوي الأمريكي ليوجه ضربات إلى التنظيمات الإرهابية التي تعيث في أمن البلد فسادا، وتوسل الصومال أن تتلطف المنظمات الاستعمارية الدولية فترسل له المساعدات الحربية والإنسانية لمجرد أن لا يموت المواطن العربي الصومالي من الجوع. والقائمة تطول إذا ما عددنا حالات جميع بلداننا.
وإذا بنا بعد ذلك الوهج الثوري الذي تغنينا به، وقدمنا له قوافل من الشهداء الأبرار؛ نقود ثورة مضادة لنقلب المعادلة التاريخية، فنكون أول بلدان في العالم تطالب الغير أن يحتلها لكي ينقذها من نفسها ومن عدوها، فيا لكبر مأساتنا، ويا لضيعة أجيالنا، ويا لحسرتنا على عهد مشرق ولى ولا أظنه يعود.!!!
مقالات ذات الصلة
14/10/2024