تسمرت الأقدام الحافية واستدرات الرؤوس الصغيرة صوب آخر الزقاق لتعرف ذلك الشيء الذي يسحبه رضوان خلفه وهو يحث خطاه إليهم كانت الأجساد والأكتاف تتدافع كلما اقترب أكثر حتى إذا وصل قريبا منهم سحب الحبل الغليظ من خلفه فارتفعت الأصوات فرحة لمرأى الجرو الأسود الصغير يتقافز بين قدمي رضوان المسطحتين تراكض الجميع فرحين وهم يتحلقون حول الجرو المتعب استمتع رضوان المطر كما كان يسميه أهل الحي لكثرة ما كان يسيل أنفه من ذلك السائل الأصفر اللزج وهو يشد الحبل حول كفه ببشرته القيرية المتصدفة وأنفه المتورم فوق شفتيه الغليظتين وقامته الطويلة يغطي جسده ثوب تحول لونه إلى السواد من كثر ما علق به من أوساخ ..
تراقصت عيناه فرحاً وهو يدور بهما بين جموع الصغار ثم قاد الجميع إلى الساحة الترابية التي تتوسط بين مدرسة الحي الإبتدائية والشارع الرئيسي للمدينة مخلفة ورائها البيوت القديمة لتلتحق حشود أخرى من الصغار إلى الموكب الذي يقوده رضوان الذي بدى وكأنه يقود جيشا من المحاربين فكان يضحك لهم مكشرا بأسنانه المشوهة الخربة ..
توسطوا الساحة الترابية وفي الحال تحول الجميع الى حلقة دائرية مركزها رضوان والجرو الذي إلتفوا حوله وأحكموا عليه قبضتهم ..
إستكان الجرو خائفا بين قدمي رضوان ينظر حوله بريبة أرخى رضوان الحبل قليلا ووخز الجرو بقدمه الحافية فانطلق الجرو نحو الجدار المتراص من السيقان الثابتة فصده أحدهم برفسة قوية على وجهه فارتد متدحرجا للوراء بين قدمي رضوان الضاحك الذي أخذ يداعبه بعصى رفيعة ناوله إياه أحدهم والجرو يمسح برأسهِ الجريح بساق الصبي فما كان منه إلا أن وضع رأس العصا المدبب بين عينيه وأخذ يضغطها بشدة والجرو يأّن وهو يحاول الخلاص من قبضة الصبي فأرخى له الحبل قليلا فزحف من جديد مهرولاً فتلقفته السيقان المتوثية للصبية الغارقين بضحكاتهم الصاخبة حاول أن يختبأ بين قدمي أحدهم فمد له هذا كف قدمه ودسها تحته والكل ينظر إليه ثم ارتفعت القدم إلى الأعلى وحين بدأ الجرو يفقد توازنه رمى به الصبي عاليا فطار محلقا بالهواء ثم سقط يتلوى ينفض عنه التراب والدم مسد رضوان على ظهر الجرو بالعصى ونترها بقوة مرت العصا سريعة خاطفة فوق الظهر النحيف المعروق فقفز الجرو صائحا بألم والدم يتناثر من جسده رفع الحيوان رأسه للصبي مستجديا فأخذ الصبي ينقر من جديد على الرأس الصغيروهويرخي قبضته عن الحبل قليلا فكان الجرو ينظر بعينيه نحو الصغارمستنجداً وهم يرمقونه بعيونهم الشرسة فيعود منكفأ على نفسه أخرج لسانه الجاف وأخذ يلعق بالقدمين الخشنتين لرضوان فارتفعت الكف الغليضة بين الفكين الرخوتين تدوسه بثقل شديد مجلجلا بضحكاته التي علت الحشرجات المتوسلة للجرو إنفلت الحيوان من سطوة القدم الثقيلة وأخذ يجرجر جسده المتهالك بين الأقدام الصاخبة ترميه الرفسات من قدم لأخرى هدأ الصبية وتركزت العيون على رضوان منتظرة وبإشارة من عينيه إنفرجت الدائرة عن فتحة صغيرة وأخذ الصبي بكل قوته يشد على الحبل ثم بدأ يدور بالجرو دورات طويلة وسريعة وفجأة أفلت رضوان الحبل بعيدا بين الفتحة الصغيرة وهو يرتد للوراء استجمع الجرو ما بقي له من قوة بعد أن سقط وراء دائرة الصغار وأخذ يجري في جنون ملتمسا طريق نجاته الوحيد متجها صوب الشارع حيث تراقبه العيون المنتشية وفي نفس اللحظة التي توسط بها الجرو الشارع مرت شاحنة مسرعة صدمته بقوة ورمت به في الفضاء كان جسد الجرو الصغير يحلق طائرا متقلباً بدورات صغيرة وكانت العيون تنظر ناحية الجسد الصغير المحلق تراقب السقوط المميت لبقايا الجسد الممزق يهوي خاويا بلا حياة يغرق ببركة الدماء انفض الصغار بعد ان اختفى رضوان سريعا دون أن ينتبه له أحد .