عبد الصمد مرون :
بفارغ الشوق أسود لك هذه الرسالة وأنا على علم أنك ربما تكونين قد اندمجت في صخب الحياة. أكتب إليك أملا في أن تصلك رسالتي وأنت ماتزالين على إشراقك المعهود وعلى حلم يعيش فيك وتعشين فيه، أكتب إليك وأنا على علم أنك سوف تمزقين هذه الورقة غضبا مع انصرام أخر أسطر هذا الخطاب، لكن يبقى لي مع ذلك أمل في تفهم موقفي ولو بعد حين. الحياة لم تنتظر أحدا ولن تنتظر كاتب هذه الكلمات. لهذا أسجل اعتذاري عن مستقبل لن يولد أبدا لأسباب كثيرة ألخصها في الآتي:
أعتذر لك سيدتي لأني لم أستطع حبك حسب تصورك وذلك راجع حسب تقديري لاختلاف تصورينا لمفهوم الحب؛ فإذا كنت أعتبره ارتباطا وجدانيا ينتج عنه قصور محبة ورياض عشق وأزهار شغف وشغب، فإنك تنظرين إلى الأمر بوصفه ارتباطا قانونيا ينتج عنه التزامات وعقود وبعد العقود عهود وعواصف، ينتج عنه إلزام والتزام، ينتج عنه سجن بلا أسوار بل بصوار؟؟
لم أستطع أن أكون الشخص الذي أردت ربما لأن بي عطش السنين للحب، فما استطعت الوفاء ولا الإخلاص، أردت الحب دائما بأكثر من صورة بأكثر من حياة، لا أدعي البراءة فمرد ذلك ربما إلى تلك المخادعة التي تسكن روحي.
أعتذر لك سيدتي لم أستطع أن أكون فارسك لسبب بسيط هو أني لا أتوفر على مقومات الفروسية، وكيف يتوفر عليها من لم يركب في حياته غير حمار جدته الذي توقف في رأس العقبة على ما يبدو. كيف تثقين في رجل لا يملك من الفروسية سوى صداها في قصيدة ذابلة. سامحيني فأنا لا أصلح بطلا لقصتك ذات النهاية السعيدة، فالبطل بالنسبة إلي هو من تتقطع به الأسباب ويجد نفسه في النهاية وحيدا إلا من ذاكرته حيث يصبح في مواجهة مأساته، ولا أريد أن تكون المأساة خارج الذات.
اغفري لي لأني عكس ما تصورين لنفسك وأدعي من حين لآخر مجاملة؛ لا أفكر فيك حتى وأنت معي، فمثلا أنا الآن أحدق في فتاة جميلة والأجمل روحها المرحة، تسرح شعرها باطمئنان وهو من ذلك النوع الذي يسافر في كل الدنيا فتبتسم بفصاحة عندما تنتبه إلى نظرتي إليها، فكما تلاحظين فها أنا أواصل تسكعي بين الأزهار، في اللحظات القادمة ربما صرنا صديقين أو ربما حبيبين بجرة خصلة من شعرها، تواصل الضحك وأواصل كبح جماح رغبتي الشيطانية أو الملائكية في محادثتها.
لا أعرف حقيقة ما أنا عليه الآن. أفكر طويلا في حالتي هذه فلا أجد جوابا شافيا، كل ما توصلت إليه أن بي طموحا لأكون حالة حبرية بين يدي روائي عابث فارحمي عبثي المتعمد.
كنت أطمح أن أكون علامة تسرك، كنت أطمح أن أرسم لك كل ما اشتهيته قصرا على السحاب، كنت أطمح… لكن طموحي ذهب سدى، للإشارة فصديقة المصادفة التي حدثتك عنها، تدعى مريم وهي طالبة جامعية تخصص اقتصاد غير أنها غير مقتصدة في ضحكاتها، تضحك من أخمص قدميها إلى آخر زهرة من شعرها الحريري، ستصابين بالغيرة رغم مكابرتك، لكن أحاول أن أتقمص عنوة ثوب الصراحة بغض النظر عما يسببه ذلك من مشاعر، للإشارة كذلك فمريم هذه تضع قلادة يتوسطها شارب أحمر أظنه لسطالين مما يكسبها جاذبية إضافية، فكما تعلمين لطالما ورطتني الإيديولجيا في متاهات غير معلومة. في الوقت نفسه يعلن الهاتف حضورك برنات مسترسلة ولا أجيب، ما العمل فقد تعودت على أن المعاني مطروحة في الطريق، وأنا أزعم أني مجنون المعاني.
في الأخير تقبلي سيدتي فائق احترامي وحبي المجهض…
ملحوظة: لا تثقلي فكرك بهذا الكلام، ضعي جثمان هذا الحب في أول سلة مهملات تصادفك. إكرام الميت دفنه
عبد الصمد مرون
القطار: بين أصيلة والدار البيضاء
03/03/2014