أديب كمال الدين :
(1)
في الأربعين
في العامِ الأربعين
جلستُ على بابِ الحُلْم.
كان الحُلْم نحيلاً كموعدٍ ضائع
طيّباً كنارٍ بدوية
وكان ورقُ اللعبِ يظهرُ صورته
بالتاجِ وبغيره
في الزيّ الرسميّ وبالعقال.
فانتبهتُ إلى صمته
وبكيتُ رقّته اللؤلؤية.
(2)
في الصيحةِ الأربعين
قلتُ:
أيها الحلم
يا مَن يظهر ورقُ اللعبِ صورته
يميناً ويساراً
يسارا ًويميناً
كم افتقدنا عطفك
كم افتقدنا ركوبكَ الخيلَ والمساءات
سائلاً عنا نحن الحروف التي بلا نقاط
والنقاط التي بلا مستقبل
والمستقبل الذي بلا معنى
والمعنى الذي بلا مغزى
والمغزى الذي يقودنا بوحشيةٍ إلى ساحةِ الموت.
(3)
في الليلةِ الأربعين
سقطتْ صيحتي
فجمعتُ زجاجها بلساني الجريح.
كانت الصيحةُ مرسومةً بالحاء
كانت الصيحةُ طفوليةً كالماء
قلتُ:
يا مَن يظهر ورقُ الزمنِ صورتهُ النحيلة
أعلى وأسفل
أسفل وأعلى
أنتَ إلى الهاءِ أقرب
وأنا إلى الحاءِ أقرب.
فكيف آسى على جبينكَ الملكي
أنا الذي بنيتُ المأساةَ بدمي
وفراري من الأسدِ المزيّفِ الذي أكل كبدي؟
(4)
في الخزانة الأربعين
تضاءلت الشموسُ واختفى كلُّ شيء
لم تكن دجلة بمدادِ الحبر مرسومةً
ولا بمدادِ الدم
ولا بأيّ شيء
كأنّ دجلة لم تكن!
فعجبتُ من تخاذلي
وارتباك رواياتي
لكنّ خزانتكَ – خزانة التاريخ – أعجب.
وروايتك – رواية المقهورين – أتم.
(5)
في الطعنةِ الأربعين
أجلسُ قرب شجرتكَ: شجرةِ التين
وأقول لها:
يا شجرة مَن تظهرُ الأشجار صورته
كلّ آن ٍوحين
ها أنذا قربكِ في عواصمِ الجوع
أدعو الله أن يؤيدكِ بالثمر
علّي أشبع
ويؤيدكِ بالماء
علّي أرتوي
ويؤيدكِ بالكتابة
علّي أكتب نشيدي للحلم
الذي يظهر الترابُ صورتهُ
طيّبا كموعدٍ ضائع
نحيلاً كنارٍ بدوية.
(6)
في البابِ الأربعين
لم يكن الحلمُ ليأبه لصيحاتي وحشرجتي
لم يكن يأبه لعريي وضياعي.
كان الحلم ُهناك…
ليس مع ملكاته
ليس مع خدمهِ وحشمه
ليس مع حراسهِ وعرشهِ وذهبه
ليس مع من يأتمرون بإشارته
كان الحلمُ هناك…
مقتولاً
كحرفٍ سقطَ من فمٍ أخرس
كموعدِ حبّ مزّقته السكاكين
كنارٍ طيّبةٍ بالتْ عليها الكلاب.
—