لكنه لم يكن مؤهلا لإحياء نهج الشقيق الميت . – أولا ، و بكل وضوح لم يكتب له النجاح في الوصول إلى منصب نائب رئيس في فترة ليندون بي جونسون ، ثم ركز على السعي إلى مقعد كينيث كيتنغ ( 2 ) في مجلس الشيوخ. كان هدفه اللاحق في حياته العملية أن يكون سيناتورا ، و أخيرا شن حملة انتخابية مختصرة على نحو غير مفهوم من أجل الترشح إلى الرئاسة عن الحزب الديمقراطي. و منذ وفاة آر إف كاي احتفظ السيناتور إدوارد إم كينيدي بشعلة ذكرى جاي إف كاي ملتهبة ، و هكذا فعل آخرون من بين أعضاء عائلة كينيدي. إن جهود الأسرة للاحتفاظ بحضانة صورة جاي إف كاي كانت أشد وضوحا في طريقة التعامل مع أحداث ما بعد الاغتيال ، و من خلال كتّاب لهم علاقات بالعائلة. إن مخلصين أوفياء من داخل دائرة كينيدي الإدارية ، مثل إيفيلاين لنكولن ( 3 ) و آرثر إم سشليزينغر الابن ( 4 ) ، و تيودور سي سورينسين ( 5 ) أصروا على إبقاء مصادرهم طي الكتمان ، حينما وضعوا الأسس لذكرى الرئيس الراحل. و بالمقابل ، وافقوا على بعض الرقابة المفروضة من قبل آل كينيدي ( مع أن هذا لم يكن ضروريا في حال التعامل مع لينكولن مثلا ). كذلك قدم آل كينيدي يد العون إلى كتّاب و صحافيين مثل ثيودور وايت ( 6 ). و لكن حينما صنف كتاب من داخل العائلة كتابات أخرى على أنها لا تخدم أهداف آل كينيدي ، كانت الإجراءات قاسية. و حينما وضعت مود شو ، مربية أولاد كينيدي ، كتابها ” مربية في البيت الأبيض ” ، و كانت جاكلين كينيدي تعتقد أنه يحتوي من غير شك على معلومات ذات حساسية ، أنكرت أن شو هي من أخبر كارولاين كينيدي بنبأ وفاة والدها. لقد فضلت العائلة أن تسد الطريق على نشر الكتاب. و لأنها أخفقت في ذلك ، ضمنت من شو وعدا بحذف عدد من الفقرات الاستفزازية.
و عندما قام بول ريد فاي ، عضو من ” المافيا الإيرلندية ” التي أحاطت بـ جاي إف كاي ، بتضمين كتابه ” متعة الصداقة معه ” عدة حكايات تطرقت إلى خصال جاي إف كاي المفرطة في النزوع الإنساني ، تم تشذيبها إلى ما يعادل نصف الكمية من قبل دار نشر كينيدي الخاصة ، هاربير و راو. و لدى تفحص المسودة بالعمق ، طالب أفراد من آل كينيدي بالتخلي أيضا عن مقطوعات لا يستهان بحجمها لها علاقة بمعلومات محرجة. و لكن فاي عارض الأمر. و من جراء ذلك استبعد من دائرة العائلة. بعدئذ رفضت مساهمته بمبلغ ثلاثة آلاف دولار لمشروع مكتبة كينيدي التذكارية ، و ذلك على أرضية أن قبولها عبارة عن ” خيانة أو نفاق “.
تداعت قضية شو و فاي إلى بهتان الذاكرة ، بعد ذيوع صيت مشكلة ويليام مانشستر مؤلف ” موت رئيس ” . هذا الكتاب اعتبرته عائلة كينيدي مجرد سيرة نصف موثقة تسرد موضوعة الاغتيال ، كان مانشستر قد حاز على مساعدة لإنجاز مؤلفه ، من ضمن ذلك مقابلة مع أرملة الرئيس التي أماطت اللثام عن أفكارها و مشاعرها فيما يتعلق بيوم اغتيال زوجها. و لسوء حظ آل كينيدي تطرق الموضوع على يد مانشستر إلى اتجاه شخصي و نفعي تعارض مع احتياجاتهم. و إن المشاكل التي اصطدم بها آل كينيدي في هذا الكتاب كانت سياسية بطبيعتها. إن بعض إحالاتهم إلى الرئيس جونسون كانت عدائية بنبرتها ، و قد بدأت المخطوطة بوصف رحلة لصيد الغزلان في أراضي إل بي جاي. و كان هناك ربط ترميزي بحالة الصخب و العنف الذي تميز به حادث الاغتيال. لم يعترض آل كينيدي على مثل هذه الفقرات ، و تغاضوا بالطبع عن مشاعر جونسون ، و التي كانت بالكاد تهمهم. و عوضا عن ذلك ، انصبت خشيتهم على أية ذيول محتملة قد تعقد الأمور بالنسبة لروبيرت كينيدي الذي كانت علاقاته متوترة مع الرئيس. كانوا كما لو أنهم يرفعون من الأسهم السياسية لـ آر إف كاي على حساب تخفيض أسهم إل بي جاي. مشكلة أخرى مع أسلوب مانشستر كانت لها طبيعة شخصانية. فقد احتجت جاكلين على عدة فقرات تتطرق لبعض أفكارها و نشاطاتها قبل و بعد الاغتيال بفترة قصيرة. و قد ألحق بها الإنزعاج من جراء زج اسمها في إعلانات عن حلقات متسلسلة ستظهر في مجلة ( نظرة – لوك ) ( 7 ).
و في النهاية استجاب مانشستر لضغوط عائلة كينيدي من أجل تعديل مخطوطته و تلك الحلقات المتسلسلة و إلغاء بعض الترتيبات المالية المرتبطة بكتاب ” موت رئيس ” أيضا. غير أنه لم يفعل ذلك إلا بعد دعوة من المحكمة بناء على شكوى من آل كينيدي. لقد كان هؤلاء حريصين أشد الحرص على المحافظة على مركز جاي إف كاي المعتدل من وجه نظر العامة ، و ربما كلفهم ذلك ، و هذا من سخرية الأقدار ، التنازل عن شيء من سمعتهم الخاصة.
كان آل كينيدي و أتباعهم هم المسؤولون أساسا عن الأخطاء المزعومة في صورة جاي إف كاي. لقد وظف ليندون جونسون أيضا اسم الرئيس الميت في خدمة أغراضه الشخصية ، و ذلك لتمرير الفقرة المتعلقة بقانون الجبهة الجديدة ، و لدفع الانتخابات بالطريق التي أرادها. إنه ليس رمية من غير رام أن تقول : تضخيم ذكرى كينيدي و هو في أول سنة له في الحكم ، ساعد إل بي جاي في تقوية أدائه السلطوي ، و ذلك من خلال إلغاء الخطوط الانتقالية بين الإدارتين. لقد انتبه الديمقراطيون إجمالا إلى دور تصعيد مكانة جاي إف كاي حتى منزلة قديس دنيوي ، و مثل هذه الصورة كانت مفيدة في اجتذاب دعم الناخبين الشباب الذين لا يذكرون فترة ” سنوات الكساد ” ( 8 ) ، و لا عهد فرانكلين دي روزفلت.
و كان لدى الكاثوليك اهتمام طبيعي في تعزيز كينيدي كرمز لجهودهم في الحصول على موافقة و دعم من المجتمع الأمريكي. و هكذا فعل الزنوج أيضا. و غالبا كان نقاد كينيدي يدينونه بالتحرش حين كان على قيد الحياة ، غير أن زعماء حركات حقوق الإنسان أقروا له بعد موته أنه كان لينكولن رقم 2 . و إن التضحية بدمه حولت حقوق الزنوج و طموحاتهم إلى موضوعات مقدسة . إن ابتداع صورة كينيدي يعود الفضل فيها إلى جهود المؤلفين و الصحافيين و المؤرخين المعروفين ، و بالأخص أولئك من لديه ميول منعطف ليبرالي ديمقراطي.
ببساطة ، إن أداء مثل هؤلاء الرجال و النساء في تفسير المشهد الأمريكي للعامة ، هو الذي صنع صورة كينيدي على أنه ثيمة – موضوع ، بعناصر ذات رطانة درامية و تراجيدية ، لا يمكن تجاهلها أو غض الطرف عنها.
هوامش المترجم :
1 – جاي إف كاي ( جون فيزجرالد كينيدي ) ، آر إف كاي ( روبيرت فيتزجرالد كينيدي )، إل بي جاي ( ليندون بي جونسون ). و قد وردت الاختصارات في الأصل كما هي.
2 – كينيث كيتنغ : سيناتور جمهوري عن مدينة نيويورك. خسر عام 1964 أمام روبيرت كينيدي.
3 – إيفلاين لينكولن : السكرتير الشخصي لكينيدي. و هو مؤلف كتاب : إثنا عشر عاما مع جون إف كينيدي.
4 – آرثر مير سشليزينغر الابن ( 1917 – ؟ ) : مؤرخ أمريكي. من ولاية أوهايو. درس في هارفرد. حاز على البوليتزر عام 1966عن كتابه : ألف يوم ، جون إف كينيدي في البيت الأبيض ، الصادر عام 1965 .
5 – ثيودور سي سورينسين : مستشار أسبق للرئيس الراحل كينيدي.
6 – ثيودور وايت ( 1915 – 1986 ) : كاتب و صحافي أمريكي.
7 – مجلة نظرة ( لوك ) : مجلة أمريكية من فترة الأربعينيات متخصصة بفن التصوير الضوئي.
8 – سنوات الكساد : فترة انهيار الاقتصاد الأمريكي ، و قد استمرت منذ عام 1929 و حتى بدايات 1940 .
المصدر الأصلي :
* Keepers The Flame, In : JFK History Of Image, by : Thomas Brown, I.B. Tauris and co ltd publishers, London, 1988. p.p. 6-8.