أديب كمال الدين :
1.
سبحت المرأةُ في البحر
فسبحَ البحرُ في المرآة.
انكسرت المرآةُ لسببٍ مجهول
فضاعت المرأة
وضاعَ البحرُ بالطبع.
2.
جلست المرأةُ على شجرتي
وبادلتْ غصني ببيضِ الطائر.
أردتُ أنْ أصوّرَ المشهد
فظهرت الصورةُ ساذجةً
يتطايرُ منها الريش،
وظهرت المرأةُ عاريةً
يتطايرُ منها الغيم.
3.
الحياةُ أغنيةٌ تعبتْ من ترديدِ كلماتِها
أعشاشُ البحر
وجسورُ البحر
وطيورُ البحر.
4.
أردتُ أنْ أكتبَ عنكِ
فلم أستطعْ
لأنَّ الحرف لا يستطيع الجلوسَ على الورقة.
كانَ يطيرُ حيناً
ويبكي حيناً آخر
ويبدّلُ أقنعتَه باستمرار
ويحاولُ الانتحارَ ليلَ نهار.
5.
أنتِ سفينةٌ تبحثُ عن ميناء.
رحلتُكِ لن تتوقف أبداً
لأنّ بحركِ لا يكفُّ
عن الهذيان والطوفان.
6.
كلّما ارتبكتُ هرعتُ إلى القصيدة
وطرقتُ بابَها كالمجنون.
7.
في السيركِ العظيم،
كلّما تعلّمتُ لعبةً مُرعبة
طلبوا منّي أنْ أتعلّمَ لعبةً جديدة:
لعبة أكثر رعُباً.
8.
في حديقةِ الحيوانات،
تأمّلتُ في النمرِ طويلاً
حتّى كلّمني فقال:
إنَّ حزنكَ يشبهني
لكنَّ أنيابه أكبر مِن أنيابي.
9.
استسلمتْ أحلامي البحريّةُ كلّها
للرماديّ المُوَسْوِس.
لم يبقَ منها إلّا القليل من الأحلامِ المُثمِرة،
فصرتُ أرقصُ معها في المرآة
رقصةَ البرابرة.
10.
في آخر مَرّةٍ راجعتُ ذاكرتي
قلتُ لها:
أريدُ أنْ أستبدلَ حياتي بشيءٍ آخر.
فضحكتْ وقالتْ :
للأسف، أنا لا أتعاملُ مع السفن الأثرية.
11.
حينَ رآني البحرُ مُنهاراً
قرّرَ أنْ يحكي لي عدداً من النكات.
كانت النكاتُ مُضحكةً حقّاً:
كنتُ كلّما أزدادُ ضحكاً
أزدادُ غرقاً.
12.
كانتْ حروفي أكثر شجاعة منّي.
ففي المشهدِ الأخير
جرّبتْ كلّها كأسَ السمّ
واستمتعتْ بمذاقِ الموت
قطرةً
قطرة.
13.
بعد أن انكسرت المرآة
اندلقَ البحرُ منها
ودخلت أسرارُهُ بهدوءٍ شديدٍ تارةً
وبغضبٍ عارمٍ تارةً أخرى
إلى شقّتي الصغيرةِ من تحتِ الباب
حتّى غرقتْ شقّتي تماماً.
حينها بكيتُ على نفْسي
لأنني لا أعرفُ السباحة
ولم أجرّبْ، من قبل، فنَّ العوم.
14.
لماذا كُتِبَ على صاحبِ المرآة
أنْ يحدّقَ كالمذهول
في جسدِ المرأةِ عارياً
ويبكي؟
15.
بعد أن انكسرت المرآة
خرجت المرأةُ عاريةً من الباب.
ودخلتْ إلى البحرِ
من ثقبِ ذاكرتي الراقصةِ فوقَ الجمر.
16.
لكنّ البحر لم يعد الليلةَ للبيت
إذ بِيعَ بعدَ مُزايدةٍ صوريّة.
وكُتِبَ على الناس
أن يتكلّموا بصوتٍ خفيضٍ عند الشاطئ
أو أنْ يستبدلوا كلماتهم بالإشارات،
وأن يتعرّوا ليلَ نهار
لأنّ العُري مُباحٌ وصحيٌّ ومَجانيّ
كما تقولُ نشرةُ أخبارِ البحرِ اليوميّة.
17.
حينَ انكسرت المرآة،
سألني قائدُ السرب:
لماذا تحاولُ الطيرانَ بشكلٍ منخفضٍ
حتّى أنّ طائرتكَ
تكاد تُلامس أسطحَ البيوت؟
لحظتها، تذكرتُ أنني في طفولتي
كنتُ أصطادُ العقارب
في باحةِ البيتِ الخلفيّة.
فيما كانَ صديقُ طفولتي السعيد
يجمعُ الطوابعَ التي رُسِمَتْ عليها الفراشات.
18.
خرجت المرأةُ من المرآة
أو دخلتْ فيها.
لا يهمّ.
فالحياة تكرّرُ كلّ يوم.
19.
لكثرةِ ما تأمّلتُ في المرآة
وفي البحرِ الذي اندلقَ منها
حاملاً شظايا الروح،
صرتُ أكتبُ قصائدي
بريشةٍ سقطتْ مِن غُرابِ نوح.
*****************
www.adeebk.com
أستراليا
—