لقد أقضت مسألة الشخصية مضجع المواطن العربي ( في العصر الحديث ) و هذه إشارة بعيدة إلى معاناته في الفترة السابقة ( حينما تفككت الإمبراطورية الإسلامية و بدأ عصر الانحدار و التناحر).
إن المذبحة السياسية و الإيديولوجية التي اجتاحت عروش الأمة و حتى لحظة السقوط ، ثم التلاشي و التقهقر ، وضعت المقومات الفردية ثم الضمير الجمعي أمام مسؤولياته. و أقصد بذلك على عتبات البيت الذي نسميه لغويا بالشك.
لقد كان حريا بالعقل المتدهور و الذي دخل في غيبوبة مرضية و طويلة ، في مهمة صراعية مع مقومات الذات ، أن يعرف شخصيته و هي تواصل معراجها في الظلام إلى نوع من الإضاءة التي تتوفر في التساؤل ، و في الشك فقط ، في التقصي.
من هنا بدأ موسى أحمد .. عربة متحركة و مفتوحة تتحرك بين الوجدان الشخصي ( العاطفة ) و الضمير العام ( الوعي ) ، كأنه جلجامش آخر و صغير ، معاصر و ينتمي إلى جروح هذا العالم ، و لكنه لا يجري وراء أعشاب الخلود ، و إنما هو يبحث عن الآبار المحترقة.
بهذا اللهيب نحن نشتعل ، و به تدب في أوصالنا معاني الحكمة و البقاء الأساسية ، و به نطرق على الفولاذ الميت ليستيقظ ، ثم ليحيا …
قصيدتان لموسى أحمد
1 – الشوارع الثكلى
تسلق غربته و أسدل
يده لشرفة القلب
كان شريان القلب
ينزل
ينعزل
خلف جدار الصمت
فيه ….
فراغ الموائد و أزمنة الماضي
والخطو المتراخي
وبقايا صدى
وقناديل
وقطرات من ندى
فالبرد آت
والمنازل متهالكة
والليل أجنح بظلمته
والقاسطون يمشون في الطرقات
يعبثون في الأرض
ما الذي يجري في المدينة
حجر ينكسر
أو ضوء قمر
أو لهيب اعتلى ظهر السفينة
يا إلهي
حاصرتنا النيران
وقت الصبح والظهيرة
لا عبور على الجسور
فالشوارع ثكلى
والحزن يكتنز الصدور
2 – الوقت …. الصمت
فضاء بين النور والظلمة
يا ريح غرب الصحارى
يا خريف الأرض
المبتلة بالجفاف
يا ساعة الضياء الأول
والموت الأخير للدجى
يا خجلي المنثور على الطرقات
ها أنذا أبتدئ
أول الخطى
في ولعي القديم
مابين الوقت والصمت
لعلي أجده عند
مراكب الغربة
لتحتضر الكلمات المتوحشة
في الزوايا المنحدرة
ولتستريح بساتين العمر
من صدى وكهول السنين
فلهيب السماء
والزمن المسفوح من
أمداء العمر
والضوء الخافت يتلاشى
بين الغابة والصحراء
* موسى أحمد غنتاب يوسف : مواليد 1957 . عضو اتحاد الصحافيين العرب و اتحاد الأدباء و الكتاب العرب . صدرت له مجموعتان هما : مواسم الانتظار 1994 ، و أزمنة البنفسج 2000 عن دار الشوؤن الثقافية ببغداد. نشر في مجلة ألف باء ، و جريدة العرب ، و الصباح ، و الزمان ، و غيرها….