صالح الطائي :
منذ أن احتوتني مدن العناكب
ونسيجها الداكن في طرقاتي
يعيق حراكي يستوقفني
ينتهك خصوصيتي
يرسم لي صور الجلادين الحمقى
الذين رأيتهم يتقافزون كالقرود
يسرقون رحيق الأزهار وحمرة الغسق
ويهدمون مآثر الأجداد من تراث
وسَلبتْ فرحتي وقاحتهم
وأنا أتنفس خيط الحلم مثل حرير شرنقة
ابحث في تلافيف دماغي
عن أغنية غنيناها بالأمس
أنا وعذاباتي وقهر العصور
بالأمس البعيد
حينما كنا أطفالا لم تثملنا الدنيا بعد
لم نرنو أصواب المجد
لم نعرف آهات الوجد
كنا نخاف من مدن الأشباح
ولكننا لم نترك الغناء
نعم ربما هو الغباء
لكن صدى الآهات أوجعني
ضاعت أغنيتنا مثلما ضاع العمر
سرقوها من بين أشياء أخرى
وسؤال أرعن يوجع رأسي
متى تستفيق الحقيقة في نفسي
ولا تخذلني من جديد
خيبات الأمل المترادفة
اوحت لي أني لست سويا
لكن كرهي للأشياء
يرفض أن يعترف بالهزيمة
فالإنسان وحده يكره ويحب
بل الإنسان الحقيقي هو من يعرف
كيف يكره لا كيف يحب
الكراهية فن لا يجيده إلا الإنسان
الحقد موروث في طباعنا منذ الأزل
هابيل لم يمت والأسطورة تكذب
هابيل لما يزل يحمل رأسه بين يديه
ويهرول بالعتمة خلف قابيل
في طرقات مدننا بكل خرائطنا
يرجوه أن يرضخ رأسه بحجر جديد
عسى أن تتحقق النبوءة
ويسمو الإنسان قليلا
فيُعلِم الغربان دفن الموتى
سفينة نوح لا تحتاج إلى محرك
فتنفس الحيوانات كان يدفعها في كل الاتجاهات
لتبقى متسمرة في مكانها
والعالم كله يجري بفعل الطوفان
في الطوفان لا يهم إن كنت أنت من يمشي
أم كنت واقفا والكون كله يتدحرج
فالنتيجة واحدة أنت ستجد مكانك حيث تحلم
والعالم سيجد نفسه حيث يحلم
وفي الحقيقة لا أنت ولا العالم تعرفان كيف تحلمان
هو لأنه كون أبكم مسكون بالإنسان
وأنت لأنك
لا تعرف أنك إنسان
—