عبد الرزاق الصغير
عبد الرزاق الصغير :
(1)
في رواق الحافلة :
تقف أم ورضيعها يلحس عرقها
وشاعرا تتفصد حروف الجر من إبطيه والجبين
من تحت وفوق السرة
يحاول احتضان قصيدة تتنصل منه
كقطة غربية
يتألم ..
ووجوه تلبس الشر
كما الخير متفرع
الشجر رائح بين فرغات الستائر المنسدلة عكس النظر
القطر
والمسافر المنسي ، المستحي
يستعصي عليه مضغ علكة الواقع العلقم
متشبثا ، معلقا بماسكات الحلم
خشية الوقوع
مكشرا يبتسم … .. …
—
(2)
العشية المكررة دوما :
نفس الشخص بغض النظر عن الإسم
يقتعد نفس الكرسي ، يستطعم نفس البن
تحت الشجرة الهرمة المعتادة
في نفس الساحة الممكيجة بنفس الطريقة والذوق
في نفس الجو الحار أو البارد
في نفس النسيم العليل
أو عجاج الجحيم ..
نفس الأزهار ، الألوان
الخط المذيّل من السماء
المحزم محجر حبيبتي …
نفس الخباز
والقمح
والطفل الذي يحمل حزمة خبز في طريقه إلى البيت
نفس التفاصيل ورتوشات ما قبل الغروب …
نفس شاشة البلازمة المشنوقة في الركينة
تعرض طقس بلدان الثلج و وصفات الطبخ
وجماكم الأطفال المشروخة نصفين ،المفجرة
بآخر برميل سقط على الأحياء الشعبية في دمشق
على الأقل هذه الليلة..
ينادي أخ بجنب باب المقهى
بقلاوة سورية….
بلكنة غريبة بقلاوة سورية
لكن طعم العشية كالعادة لوز مر…
——
(3)
وأكرر غسل رجليّ :
أمضمض جيدا وأعيد المضمضة
أكثر من اللازم أثناء سبغ الوضوء
وأَبيت على العتبة أسبح وأحسب النجوم المترعة
أمضمض وأبتلع هذه المرة المضمضة النبيذيّة
ممرغا بين الخرير والحرير أمص أرضع حبيبات الزبيب
حد الاستفاضة التفرغ من الكبت
ليس عليّ من الخجل شيء أستحم في النهر
ليس هناك من يحك ظهري
أمشي على حواف القهر تتفصد الطين بين أصابع رجلي
أتذكر أحدهم قال لي ذات يوم أنا الله
قلت : إذن أين طواويس شعرك
أين ترفرف قصيدتك بين سرب الفراش
جحض حينها وبكم
تبدوا جلدة الماء منفردة مفجوعة
ليس هناك من يحك ما بين كتفي
أسمع زقزقة وتغاريد ليست ذكورية
أركض إلى عريش ياسمينة أعتدت عليه ربما في الحلم ،بلا نوافذ مسيجة
رخامية البلاط بلا طمي يتفصد بين أصابع الأرجل
أسترق الطقطقة بين الحصى وحوافر المها ، ووشوشة السحابة الدانية على خد نوارة متطأطئة خجلة
أخيرا وليس آخرا هن من يبتل التراب تحت أقدامهن الحليبية ويتفصد ما بين أصابعهن النورانية حبق وذهب وشبق و أنا
أمضمض جيدا وأعيد المضمضة
وأكرر غسل رجليّ
————
(4)
خطوط تأدي فقط …
تعلمون جميعا أن دَفتيْ بابها لا زالت جذوع
أعراف لم تفضها الريح العتيّة
نديّة
والمفتاح لازال صخرا
في أعماق النهر طميا
طريا
منسيا
تجهلون أن الدخان ، الغيم ، الانهمار ، العويل والصراخ ، الأحلام المغلقة المنهارة مثلا تحرير القدس في القريب العاجل، الكوابيس المظلمة ،السباحة في متوسط الدماء المعادلات الشعرية ، الاقتصادية الحديثة ، التعليلات الوراثية المقوسة في العشق لا علاقة له بهذه الأحداق…
تعلمون جميعا إن رحلتم فلن نجد موقعا شاسعا متوفر الكلأْ أكثر
عفوا حدقا أكثر أمنا وصفاء
بلا دوائر ولا مربعات وخطوط تأدي
بلا أوبة …….. ……………………………………………………………………
————-
(5)
مواعدة
الشراب في كوبه بطاطي
وجه الصبح منقط بالغبش
قهوة ممزوجة بالحليب
العصافير فوق رأسه على أغصان شجرة اللوز
تضج
الزمن لازال باكرا
الأضواء لازالت لم تنطفئ
الحي فارغ إلا من كناس وكلب
وصعلوك نائم على رصيفة أسفل حوض نوار متصرم ، ترى بما يحلم ، لما يبتسم …
وقلة من الزبائن على مصارف المقاهي
حسب ملابسهم مهنيين وعسس
ببطء تمر سيارة حليبية تزمر مرتين تطل امرأة ملونة
بعد لحظة تدلف من العمارة ترشق كعبها المدبب في أحداق الصمت المهيمن
تلقمها السيارة وتختفي فورا …
كوب الحليب امامه برد
بزق ما رشفه منه في قاع الشجرة امامه
وطلب قهوة مضاعفة البن
أعاد مسح الحي والساحة بنظراته
رن هاتفه
قالت
أنها تحت المرش وستحصله
———-
(6)
السكيرة :
لولا قبح لسانك
لخبئتك
كالقلم الذهبي
في جيب سترتي
الداخلي
ولا دسست رهطك الغالي
في عيني
ولا تطهرت بخمرك الرخيص الرديء الطعم
وأنا أدندن مقطع من قصيدة شاعرا مغمور مجهول الهوية
تشبه ورد وجنتيك
نوار مقلتيك
يا قلمي الذهبي
يا جوادي الأشقر الجامح
حرفي القافز بين سطور أشعة الشمس
غطس مني الشعر كالشمس في مد البحر
… لولا
—–
(7)
آخر عود ثقاب :
العتمة تغلف الدرب الرفيع كالخط
النازل في الصفحة المجعدة من فوق للأسفل
الجذع المتآكل الواقف في ساحة القرية جزافا
يقال كان عمود هاتف …
الأعشاب بين الشجر اليابس المحروق المكسور
لا نجم في السماء ولا نقيق ضفدع
أ شم رائحة القهوة على الجمر
أرى أعمدة دخان تنبعث من آخر كوخ في القرية
تبتلع الحلكة تدريجيا كل شيئا
سقالة البئر
رؤوس أصابعي تحترق
انطفئ العود …
———-
(8)
المغني :
يا مخلوقة
الله خلقني هكذا
ليس في يدي غير الشعر
مشرعا ذراعاي للزهر سلم موسيقي
والفراش المزركش نوتات والعصافير تغني
وأنا أعلق شعري بلا منفعة أو أقنعة للناس
في السماء
أغنيتي للمحروم باب فرج
لليتيم مسح على الرأس ضمة قبلة ولقمة
للعاشق كهيئة المعشوقة
للغريب بادية أو مدينة ترعرع وكان فيها ،يلعب بعلب الصفيح والكارتون ، ويجمع أترابه كل مساء يلعبون الطابة
صلى فيها وتعاطى الخوف والشجاعة والحب والخمر حيث لازالت علبة حذائه
الأول مخبئة …
—
(9)
باقة ورد في الحمام :
خط السيارات والشحنات
غير منقطع أما الحافلات فقد توقفت منذ ما يزيد عن الثلاث ساعات
بعض النساء يتدلين مخمورات ، يتأرجحن كالثمار الناضجة المغريّة
تمدد ياسمينة كالخزان منتصف السبيل الوحيد المؤدي إلى قلب المدينة
أحدث طفح بثور على جلد المتحسسين من فوضى الطرقات
الشاعر لا زال لم يشبع يقلب صفحات وجه ياسمينة المورد
تمتمتم هذه الأخيرة
آخر قصيدة كتبها عني عنونها بباقة ورد في الحمام
لم أشبع منه من كلامه الحلو
من تفاصيل وتضاريس جسده
من سعلته وخطوته المفاجئة
في خطوتها الأولى بعد أن أوقفوها
تهاوت وأندلق ما في الخزان
آخر قصيدة كتبها عني باقة ورد في الحمام
—