لاشك ان الأزياء تعد جزءا مهما من ثقافات الشعوب ، بصفتها فنونا فلكلورية .. فهي تختلف من بيئة الى أخرى ، ومن بلد الى اخر ، لذلك تتنوع وتتشكل حسب طبيعة وعادات وتقاليد هذا الشعب او ذاك .. تشير المعلومات الى ان دار الأزياء العراقية استحدثت عام 1970 ، وهذا يعني ان عمرها بلغ 45 عاما ، لكن هذا لا يعني ان الدار شاخت وكبرت ، بل لعلها مرت بحالة سبات مؤقت ، بعد تراكم الظروف والاحداث منذ عام 1991 وحتى يومنا هذا ، المؤسسات الحية تجدد نفسها عادة بين فترة وأخرى ، لتضمن الاستمرار والقبول ..
الفنون بشكل عام في العراق تعرضت الى انتكاسات كبيرة بسبب الظروف التي اشرنا اليها ، سوى تلك الظروف التي سبقت الفترة المنوه عنها ، حيث الحرب العراقية الايرانية التي استمرت 8 سنوات ، إضافة الى القيود والرقابة الصارمة على الفنون والادب والصحافة والثقافة بشكل عام ، ففي الوقت الذي تألقت فيه هذه الدار وقدمت اجمل عروضها ونالت اعجاب المتلقي العراقي والاجنبي ، فانها مؤسسة ثقافية فنية تعمل مستندة الى الفهم الواعي لدور الفن في اخراج النفائس والروائع الحضارية من متاحفها وخزاناتها ، بأسلوب مبتكر في ابداع الأزياء التي تستوحيها ، وتنقل رسالتها الفنية والثقافية ذات الطابع الإنساني.
كانت الأزياء المقدمة مستوحاة من حضارات العراق السومرية والاكدية والاشورية والبابلية وحضارة الحضر والحضارة الإسلامية ، وهذه الازياء التي مثلت تقدما حضاريا من خلال الألوان والاشكال والتصاميم حين كانت بغداد عاصمة للخلافة الإسلامية طوال خمسة قرون ، كما استلهمت الدار الفلكلور العراقي من الأزياء الشعبية ، البغدادية منها والبصرية والموصلية والانبارية والكردية والتركمانية ، وغيرها من الأزياء للرجال والنساء ، فهدف الدار اظهار القيم الجمالية والفنية في حضارة وتراث العراق وتجسيد ذلك في تصاميم وازياء واقمشة وما شابه ذلك ، وكانت الدار تقوم بالتعريف بنتاجها من خلال إقامة المعارض وعرض الأزياء ، كما انها بادرت الى اصدار المطبوعات ، حيث اهتمت بالدراسات والبحوث المتخصصة بالتراث العراقي والعربي .
فقدمت الكثير من العروض المميزة والفريدة في العراق وفي مختلف انحاء العالم ، وقامت بتقديم اكثر من 200 عرض محلي ودولي خلال 40 عاما ، حيث عرضت أزياء عراقية في 25 بلدا ، هي كل من : فرنسا ، سويسرا ، اليابان، النمسا، بولندا، السنغال ، سوريا ، الأردن، روسيا ، الولايات المتحدة الامريكية ، المكسيك، المملكة المتحدة، الصين ، اليونان، فنزولا، الكويت ، تونس ، والامارات العربية المتحدة ، وهكذا نجد ان الثقافة العراقية وصلت الى هذه البلدان من خلال دار الأزياء العراقية ، وربما لم تصل رسالة فنية او أدبية أخرى بهذا الحجم من قبل المؤسسات المتخصصة.
الا ان هذه الدار انتكست مثل بقية المؤسسات العراقية التي تعرضت الى اعمال السلب والنهب ، وكانت تلك الفترة مظلمة ليس للدار وحسب وانما لكل المؤسسات العراقية الثقافية منها والهندسية والصحية وحتى الأمنية ، وكان لابد من إعادة الحياة الى هذه الدار ، وفعلا تم إعادة تاهيلها عام 2005 على وفق العمل الفني الجديد ، حيث قامت الدار بالتصميم والاشراف على تنفيذ اكثر من ( 40 عباءة عربية ) كما قدمت عروضا رائعة في احتفالية افتتاح برامج بغداد عاصمة للثقافة العربية ، الا انها لم تقدم عروضا خاصة كما كانت تفعل سابقا .
لذلك فان الدار بادارتها الجديدة سعت الى النهوض من جديد وهذه المرة بنشاطات ومشاريع فنية متعددة ، تحدث عنها مديرها العام الجديد عقيل المندلاوي عند قيام الدار باحتفالية بمناسبة أعياد نوروز عام 2015 ، حيث أشار الى ان دار الأزياء العراقية تعد ايقونة من ايقونات العراق ، لكنها ومنذ تاسيسها بقيت منغلقة على ذاتها ، ونسعى الان الى إخراجها من عزلتها بمساندة العاملين فيها ، لتكون متاحة للمثقفين ولمختلف شرائح المجتمع ، حيث تم افتتاح متحف الأزياء والعمل على تأهيل القاعة المجاورة للمتحف لتكون معرضا دائما لمصنوعات الدار ومعروضاتها ، وستكون متاحة لكل شرائح المجتمع ، كما ستعمل الدار على إعادة افتتاح قاعة الواسطي للفن التشكيلي امام الفنانين العراقيين ، لعرض نتاجاتهم وابداعاتهم ، إضافة الى نشاطات أخرى بما فيها استعداد الدار لاقامة عرض فني للازياء العسكرية ، دعما للقوات المسلحة العراقية ، والحشد الشعبي ، اذن نحن بانتظار منجز جديد لهذه الدار التي أفل نجمها ، الا انه بدأ يبزغ من جديد شيئا فشيئا حتى ينير سماء الثقافة بألوان الازياء العراقية الزاهية ..
عبدالزهرة الطالقاني
القاهرة
—